أنوار حسين الدليمي - حادث...

دقائق قليلة احتاجها لكي يستوعب الهدوء الضبابي للفضاء الذي وجد نفسه فيه هائما وهو مُلقى على سريرٍ أبيض، و مُحاصرٌ بين أربعة جدرانٍ وسقف اعلى من المعتاد.
جفل قليلا عندما كانت الابرة الدقيقة تخترق جلده ، رفع عينيه المنهكتان الى الممرضة الشابة معاتبا ، والتي أجابته بابتسامة:
- الحمد لله على السلامة
حاول أن يقول شيئا ، ولكن بعض الثمالة من صداع خفيف أحجمته عن ذلك، بدأت وخزات جسده وآلام ساقه تسرد له قصة ذلك الحادث اللاذع، رويدا رويدا بدأ يستعيد صورة راكب الدراجة وهو يحاول رفعه عن الأرض، ولكن كل ما تلا ذلك ما زال غائما قليلا في رأسه
- كيف وصلت الى هنا
- أوصلك الشباب الى هنا، وكنت ذاهلا قليلا ومصاب بالصدمة
أخبره الطنين الخافت في أذنيه وبعض الخدوش بأنه لم يكن واعيا تماما فيما يدور من حوله وقتها.
- وأين الجميع؟؟
وهي تلملم أدوات عملها:
- الجميع ذهبوا مع الشرطة بعد أن اقتادوا صاحب الدراجة الذي تسبب بالحادث معهم.. ولم يبق سوى....
أشارت الممرضة بطرف عينها الى الجانب الآخر من الغرفة، أدار رأسه بتثاقل ووهن .. يا رباه أخذ يحدق في عينيها بدهشة كأنه آفاق من حلم ، حاول أن يعدل من وضعه قليلا.. وبلا إرادة أخذ يجاهد لترتيب شعره ونفض التراب الذي كان يعفر وجهه وملابسه.. حاول التحدث لكنه تلعثم وتزاحم الكلام في فمه كمن حبس لسانه.
- كيف حالُك الآن؟
سألت سارة، بصوت كأنّه ريحٌ لطيفةٌ تُهدّئ من روعه.. وتعلن عن دخول الضوء إلى عالمٍ مُظلم. كانت جميلةً كالقمر في ليلةٍ صافية، عيونها بنيةٌ كأنهما مُحيطٌ من الجمال يُغرق الروح في سحرِهِ.
- أنا بخير، أشكركِ على اهتمامِكِ
قال ياسر، محاولا إخفاء ارتباكه وراء ابتسامةٍ باهتة.
-لا تقلق، سأكون بجانبكِ طوال الوقت
قالت سارة، كأنها تُبشّرُهُ بأن الظلام سيُزول قريباً.
جلسَت سارة بجانب ياسر، تُحاول تخفيف ألمه بأحاديثٍ لطيفةٍ كأنها تُغني له أغنيةً من ألحان الفرح و الأمل.
أراد أن يصارحها بأنه ....؟ وأنه ....؟ وكان على استعداد بأن .....؟.لكنه ظل ساكناً برهة مذهولاً..
- أشكركِ جداً على كل شيء
قال ياسر لسارة، معبرا عن امتنانٍ لا ينتهي.
-لا تقلق، ستُشفى قريباً.
قالت سارة، كأنها تُؤكد له أن العالم ما زال جميلاً و أن الأمل ما زال يُمكن أن يُزهر في قلبه.
- يمكنك أن تذهب آلان لتستريح.. لا توجد كسور أو أي شيء ممكن أن يثير قلقك.. فقط عليك الالتزام بالعلاج
- شكرا سيدتي، سأحرص على تذكيره بالعلاج يوميا.
- صاحب الدراجة موقوف الآن في مركز الشرطة، يمكنك أن تقاضيه
- لا داعي.. سأعمل على إخراجه في أقرب وقت.. بل قد يكون علي أن أشكره
- ماذا ؟؟
- لا عليك سيدتي
في تلك اللحظة أحس بيد تقبض على ذراعه برفق لتساعده على النهوض، شعور غريب غمره عندما لمست أمانيه كتفه لتواسيه، بتلك الابتسامة الحانية والنظرات المؤملة، أسلم لها قياده، وما تبقى له من سنين، ومشى معها وهما يُشكلان لوحةً جميلةً من الأمل و الجمال تُنير العالم بجمالها و سحرها.. وتبشر بأيام مشمسة كثيرة في الأفق.


أنوار حسين الدليمي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى