آمال قرامي - احتجاج «العاملات بالجنس»

حدثان لفتا انتباه الرأى العام التونسى فى الأسبوع المنصرم أولهما: طقس عرى مارسته «أمينة» من زمرة «فيمان» فى باريس بمعيّة صويحباتها من مختلف الجنسيات تضامنا مع النساء المهضومات الحقوق فى اليوم العالمى للمرأة، وثانيهما احتجاجات نظمتها مجموعة من النساء «العاملات فى قطاع الجنس» أمام المجلس التأسيسى تنديدا بتردى أوضاعهن، والإقصاء الممارس عليهن و«التضييقات» التى يتعرضن لها بعد بروز «فرق الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر»، وتغيّر المناخ العام فى البلاد خاصة فى عهد حكومة النهضة.

وقد استنكر أغلب التونسيين ما فعلته أمينة باعتبار أن رفع شعار «جسدى هو ملكى» واتخاذه شكلا من أشكال التعبير عن التضامن يفضى إلى تشيىء الأجساد، وتجريد النساء من كرامتهن فى سياق تميّزن فيه بوعى وأداء ومقاومة شدت انتباه العالم. فقد أثبتت حرائر تونس أنهن مواطنات متمسكات بحقهن فى العيش الكريم، والاستمتاع بالحريات وغيرها من الحقوق. ولئن لم تعترف الحكومات المتعاقبة فى المرحلة الانتقالية، بحقوقهن وأهمها اتخاذ مواقع صنع القرار فإن المتابعين للحراك الاجتماعى يقرون بصمود النساء، وقدرتهن على المواجهة، وابتكار استراتيجيات مقاومة تستدعى التحليل المعمق. ومن ثمة فإن ما أقدمت عليه أمينة لا يندرج ضمن هذا التوجه بل يظل حدثا معزولا وفرديا لا ينمّ عن وعى متلائم مع خصوصيات الحركة النسائية التونسية، لاسيما أن ظهور أمينة فى البرامج الغربية كان هزيلا مثبتا مرة أخرى، مدى اعتماد وسائل الإعلام الغربية على التوظيف وبحثها المتواصل عن الإثارة وصناعة النماذج.

أما تحرك «العاملات بالجنس» فإنه استحوذ على اهتمام مختلف الشرائح الاجتماعية، وهو أمر مفهوم إذ لأول مرة تكسر هذه الفئة جدار الصمت، وتواجه وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، وتكشف عن إرادتها فى التعبير عن مشكلاتها. لقد امتلكت النساء الصوت وأصررن على حقهن فى تمثيل ذواتهن بعد أن كنّ طيلة عقود، موضوعا لدراسات البحاثة الاجتماعيين أو المهتمين بالتنمية والصحة أو غيرها.

وفى سياق سمح للجميع بالتعبير عن أنفسهم ورفع مطالبهم تحركت «العاملات بالجنس» حجّتهن فى ذلك أنّهن تونسيات ويجوز لهن الدفاع عن حقوقهن مثلهن مثل بقية النساء على اختلاف انتماءاتهن الفكرية والأيديولوجية والسياسية والطبقية. أو لم تخرج المنتقبات للدفاع عن حرية ارتداء النقاب؟ أو لم تخرج العلمانيات دفاعا عن اللائكية؟ أو لم تخرج نساء النهضة مناصرات لسياسة الحكومة ومدافعات عن الشرعية بل رافضات رفع حكومة «السبسى» التحفظات عن اتفاقية مناهضة التمييز ضد المرأة شعارهن فى ذلك «السيداو.. وإذا عصيتم فاستتروا» فى إشارة تخلط عن عمد، بين المثليين المصابين بالسيدا وانحلال أخلاقى يزعمن أنّ الاتفاقية تدعو إليه. فما العيب إذن فى أن تحتجّ «العاملات بالجنس»، خاصة أنّهن كنّ منذ الأسبوع الأوّل من الثورة ضحية «غزوات» شنّها المتأسلمون على «بيوت الدعارة» التى رأوا أنّها من مخلّفات العهود البائدة وقد حان وقت إزالتها من الوجود وتطهير البلاد الإسلامية من أدران «النجاسة» التى تحدثها.

والواقع أنّ تكرّر عمليات استهداف هذه الفئة من النساء قد تواصل ولم يجدن فى الغالب، مساندة إذ اكتفى الناشطون والناشطات فى المجتمع المدنى بتوثيق هذه الاعتداءات فى مراصد تهتم بالعنف، فى حين أشارت النسويات إلى هذا الأمر باستيحاء، واقتصر دور وسائل الإعلام على نقل الخبر. ولم يتوقف استهداف «العاملات بالجنس» عند هذا الحدّ إذ حلّت وفود الدعاة الخليجين لتعاين «الدعارة المقنّنة» فى تونس ولتوثّق الحوارات المباشرة بهدف استتابة هذه الفئة من التونسيات، بل إنّ داعية بحرينيا أقدم على إنشاء موقع لجمع التبرعات من أجل إنقاذ التونسيات.. وللمتبرّعين جزيل الثناء والأجر.

تنطلق «العاملات بالجنس» من قناعة لديهن بأنّ من مصلحة حكومة مهدى جمعة أن تعيد لهن اعتبارهن، وتحمى حقوقهن فى العمل، والرقابة الصحية والعلاج والأمن وغيرها إذ بإمكانهن انقاذ موسم السياحة ودعم الاقتصاد فى وقت هو فى أمس الحاجة إلى جهود الجميع. فالوافدون، وأغلبهم أشقاء من ليبيا يرغبون فى «الجنس الآمن».

وبعد أن عيل صبر «العاملات بالجنس» وما عاد بإمكانهنّ الاستسلام لهذا التهميش، والرضا بالمكتوب والتحسّر على ما مضى من الأيام ها هن ينتفضن ويخترن الاعتصام أمام مقرّ «أعلى سلطة شرعية» فى البلاد ولذا ما كان على نائبة رئيس المجلس إلاّ مقابلتهن والإصغاء إلى مطالبهن.

وبقطع النظر عن تباين الآراء والمواقف بين مشيد بالتحولات على مستوى الوعى والفعل وأشكال الاحتجاج والتعبير ومندّد بسلاطة النساء وتماديهن فى الغى والضلال فإنّ قرار «العاملات بالجنس» لا يمكن أن يفهم إلاّ فى سياق ثورة شعارها.

«إذا الشعب يوما أراد الحياة.. فلابدّ أن يستجيب القدر».
2014 / 3 / 22

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى