في قلب الإعصار تجمعوا. من كل صوب و في برشلونة تمركزوا ليقاوموا الموت القادم من مدريد. إعصار دوامته ثقل عصور الاستبداد، تؤججه ثقافات الأسياد المهددة، و طغيان الجبابرة. لينصهر كل ذلك و يندفع عبر هبات هدفت لفصل الكائن عن كنهه، و تشطيب خلاصات البشرية في مسعاها للتوحد مع مثلها العليا، ليخلف الإعصار...
هل كان الموت في إجازة أم في مطلق التخمة ؟ هل كان منهكا أم في لحظة سهو نسي خلالها تعاويذ طلاسيمه فتلفظها خطأ. فانقلبت صفحة لم تشأ أن تكتب بغير إكسير الحياة؟
هو تفسيري الوحيد الذي أجده مبررا لتواجد هذا الرجل بيننا في هذه الحياة. و لعل هذا الاستثناء يفوق طاقة الإدراك أحيانا. و يخلق في الأذهان...
أحكم قبضة يده على عنقه حتى جحظت عيناه . أزاح كفه مدة، ثم عاود الضغط . دمعت عيناه وصار وجهه قانيا . ارخى القبضة من جديد . وضع رأسه على المنضدة و سكن مبحرا بين لجات دواخله الدفينة .
في استرجاعه للمنعطفات الكثيرة داخل رحلة عمره ، يجد أنه كان دوما يركب تحديات خاسرة انتهت به الى الانحصار في زوايا...
الأبواب تغلق بتبريرات شنى.. تارة بلطف مع ابتسا مة تختفي الفظاعة تحت رقتها . و أخرى مصحوبة بزمجرة و دوي كقصف الرعد . يستدير. يهيم على أرصفة الأمنيات الجميلة المصادرة و الأحلام الطفولية البعيدة . يمد خطى مثقلة بالياس قافلا في اتجاه الشارع .حفرة عميقة لم يتبين وجودها الا حين صار داخلها. بدأ يتسلق...
بداخلي كلام أكبر من الكلام. هدير لا تمتصه المسافات ولا تستوقفه حدود. هفو لا يسعه وعاء و لا تختزله العبر و العبرات. كلام كروح متمردة في اول ثورة لها انتفضت ضد ذاتها و رفضت أن تنعت باسم أو تتخذ شكلا او تستظل تحت عنوان او إشارة. فتكاثفت لتتجمع في حجم ومضة نور بعد أن سحبت من الأشياء كل المعالم و...
ما اعتقد أحد قبل تلك اللحظة أن بركات "مولاي أحمد السيد" و من سار على نهجهم ستصبح في مهب الريح بتلك السرعة. و أن الناس سيكتشفون أن ما اعتقدوه مركزا للوجود، لم يكن سوى نقطة ضائعة منه.
قبو كان يبدو أن فيه ابتدأ و فيه سينتهي كل شئ. ربوعه بدت لساكنيه أنها شهدت إشراقة و تسللات خيوط الشمس في أول طلعة...
لم اعرف درجات الاثم التي سأتبوأها عندما فكرت في كتابة هذه الاوراق . كما لا اعرف هل سيسمح لي بان امضي قدما في سرد وقائع هذه الحكاية ام ان المجال سيضيق لكي يلقي بها خارجا .
هي ببساطة حكاية شخص عرفته . لا اريد ان اوضح متى ابتدات علاقتي به ، وما ان كان صديق طفولة او ان السنين أوجدته الى جانبي صدفة...
الى امي التي لم يزدها الغياب الا حضورا
مع اول كتاب امتلكته، شدتني اليه صور . و كأي طفل تسحره الالوان، نظرت يانيهار لكتابي المليئ بالصور و الرسوم احتضنت الكتاب غير مصدق انه لي وحدي. ضممته لصدري مستطلعا من حولي، لأتأكد من ان لا أحد سيطالبني به او يشاركني اياه . وحين اطمأنت، عاودت فتحه مستعرضا ما...
وجدت العروس تقسها تعيش مازقا ليلة دخولها. فالعريس لا يزال مغرقا في طفولته. ولا يبدو عليه انه سمع يوما بشئ اسمه الحياة الجنسية. وحين فكرت بمفاتحته في الامر. فطنت للورطة التي قد تزج بنفسها فيها في الوقت الذي يجب ان تحرص على صورة القادمة من عوالم الطهرانية. لكنها في الوقت نفسه هي حريصة على شئ يعتبر...
* إلى أمي في الذكرى العشرين لرحيلها
الآن وقد هدأ كل شئ الا من هذا اللهيب الذي لم يزدد داخلي الا تأججا , اصطدم بالحقيقة. حقيقة ان أمي توارت خلف شئ ما، و اقيم بينها وبين الوجود ستار سميك اتخيله متمركزا في مكان ما. ابحث عنه بإصرار و بداخلي قوة اتصورها قادرة على اختراقه، فأمد يدي، و أنتشل أمي ،...
من اعلى الهضبة المطلة على الطريق القادمة من غرب القرية ،تسمر قائد المجاهدين بين الاشجار ، يرصد بمنظاره تحرك قوات الاحتلال التي كانت قد غادرت القرية , و تسير في قافلة طويلة سالكة الطريق الملتوية ، مخترقة الربى وحقول التين و الزيتون , وتتجه منحدرة صوب مضيق يتقاطع عنده واد صغير مع واد كبير قادم من...
لا يعشق الغرابة، لكنه يبحث بإصرار عن مكان خارج منطق كل الحكايات في محاولة للعيش بلا تفاصيل و لا جزئيات.
يبحث عن مكان خال من كل حركة، لا تعبره الريح. و لا تسطع فوقه الشمس. و لا تصله الأصوات حتى لو كانت مجسدة في تغريدة طائر حزين.
كل شئ يجده قد تخلى عن ثباته. و الحكايات نفسها ما عاد يجدها كجرد بساط...
يوم رحل الفرنسيون عن القرية، وجد نفسه وحيدا كاسمه الفرنسي الغريب. وكل يوم مر بعد ذلك لم يزده الا اقتناعا في ان ما يحدث ليس سوى انهيارا ونكوصا .
جلسته الانفرادية بين أطلال الراحلين في "لاس راص " وحدها كانت تهدئ من روعه وتمنحه دفئا يعمل أثناءه على النبش في ذاكرته. لكن مروره امام سور العاطلين كان...
ما كرهت في طفولتي شيئا كخبز الشعير. بل لم يكن الأمر مجرد كراهية . كان شيئا أكثر قوة. فقد اعتقدت طويلا أن مسألة الوسامة وبياض البشرة مردها إلى الخبز الأبيض. وان السواد وبشاعة الصورة مردها إلى خبز الشعير، وأن الإفراط فيتناول هذا الخبز يفضي حتما إلى التهلكة.
هكذا نشأ موقفي المتصلب من هذا الخبز،موقف...
تبدأ الريح بالعصف من غير توقع. تحمله مع الأوراق و غبار السنين. يتعرى من تجاعيده ومن كل سمات الموت، ليحط في مدار بعيد ينسكب فيه الزمن في مسار معاكس يبعده عن شيخوخته.
ينظر إلى الأسفل. تلوح حلقات عمره المستهلكة وهي لم تزل محتفظة بكل توهجها و حرارتها. تقذفه الريح صوبها. يتجرد من كل شيء وهو يهوي...