في ذلك الزمن البعيد، كان هناك شخصان لم يمنعهما فقدان حاسة البصر من مواصلة نشاطهما في العالم الخارجي.
الأول كان " ابن العربي" أو " بلعربي" و الصورة التي ترسخت عنه لدى الأجيال التي لا تعرف تاريخه هي صورة رجل مكفوف يصنع الحصائر و يبيعها في " الكراج " . لكن الأكثر أهمية كانا جحرا عينيه العميقين و...
الى احلام بشارات
صوت قوي ينتزع الناس من اعماقهم، و نظرات قاتلة تشل المخاطب أولا، لتجرده من كل الاندفاعات ، و تسكب فيها الرعب عبر مجار ضوئية تنطلق من عينيه. حاجبان مقوسان يؤالفهما شعر كثيف ، شديد السواد، يتحركان في انسجام مع ملامح قاسية، صارمة . يؤطرهما غليان داخلي لا يهدأ كشمس حياتها في توقدها...
لا أحد في المنطقة بأسرها سمى مولودا باسم " بوزيد" و السبب الانطباعات و الأفكار التي صارت ملتصقة بهذا الإسم الذي صار مرادفا لاسم " باخوس" عند اليونانيين. أي آله الخمر.
لم يعرف بوزيد بمواقف سياسية مناوئة لتوجهات السلطة و آن كان قد تعاطف بشكل صامت مع المعتقلين السياسيين الذن كان يتم تداول أخبارهم...
أصبح بوزيد من معالم " الكراج" الثابتة لزمن طويل. وهو يتخذ على الدوام مجلسا قبالة أشهر بائعة خبز في تاريخ القرية. و لا شك أن جلسته تلك قد جعلته _ من باب الأنس أم من باب الرتابة _ في حوار متقطع و دائم لتكون تلك اللحظات هي الوحيدة التي شوهد فيها بوزيد يغازل امرأة. امرأة تشبهه في كونها لم يكن لها حظ...
هو مكوك عابر للسجون الدولية. من معتقلات النازية ابتدأت رحلته معها، مارا بالسجون الفرنسية و ليلفظ إنفاسه في السجون المغربية.
ما كان ممكنا إن يجد خيارا ثالثا داخل أرض أنتجت على الدوام صنفين من الرجال. الفقهاء أو المحاربين. و لأنه عاشق للحياة، فلم يكن ليختار آلا الممر المتفتح على شساعة الآفاق و...
قبل حوالي ستين سنة تقريبا، اخترقت لأول مرة الطريق الغربية للقرية ذات الغطاء الغابوي الكثيف في اتجاه الورزاغ. في شكل هروب رفقة صديق استطعت إقناعه بخوض المغامرة. و لم يكن صديقي سوى ابن جارتنا ( الياقوت) التي كانت قد ذهبت رفقة أمي إلى لمة سيدي امحمد بلحسن. و هما معا كانتا قد أخلفتا وعدهما لنا...
من كل صوب وفدوا و في برشلونة تمركزوا ليقاوموا الموت القادم من الجنوب. إعصار دوامته من غطرسة و جبروت. يصهر كل ما يصادفه في طريقه و يندفع عبر هبات هدفت لفصل الكائن عن كنهه. و تشطيب خلاصات البشرية في مسعاها للتوحد مع مثلها العليا، ليخلف الإعصار في عبوره مجرد من اختاروا العيش كرعاع و خدام الاعتاب...
قرر رجل ان يذهب رفقة باقي الرجال لأداء مناسك الحج سيرا على الأقدام، حاسما تردده الذي امتد لسنين طوال. وكان السبب دائما خوفه على ابنته الحسناء من شر زوجته الثانية التي كانت قد رزقت طفلة في منتهى البشاعة و القبح. و كان اشد ما يغيظها، الاهتمام الفائق الذي تلقاه ربيبتها من كل الناس، و في اي مكان...
أقر في البداية أني كنت - تلك اللحظة- عصي الفهم الى حد البلادة , و الا كيف ظللت أسير افكاري المسبقة التي كانت أكبر مما كان يجري أمامي؟ و لماذا لم ألحظ تلك السيول التي عمقت مجاريها على ذلك الوجه الصغير ؟ و أي صملاخ سميك ذاك الذي أغلق مسامعي و حال بينها و بين أنين تلك الصغيرة ؟
قلت بغباوة من...
قرأت مرة في عمل روائي لسجين يحكي كيف كان يتدبر الزمن داخل زنزانته. و كيف كان يشغل تفكيره كي يظل داخل المنطق و التعقل. و هو من أجل ذلك، لم يكن يتوقف للحظة عن قياس مختلف الأبعاد لزنزانته. معتمدا في كل مرة وحدة قياس مختلفة، كراحة يده أو باطن قدمه أو أنامله و أظافره... و يعمد إلى اختبار ذاكرته...
لكل من يناضل ضد مرض السرطان اهدي هذا النص
أكان قدرها سينحو بشكل مختلف لو أنها كتبت جملتها الاخيرة بضمون مغاير؟ و هل كان الغلاف الاخضر لدفترها و المكسر لإيقاع اللون الوردي الذي اختاره كل الاطفال تميزا اعتمده الموت إشارة للتعرف عليها؟
ثم من أين لهذا الإبهام المتمرد على التفسيرات كل هذه القدرة...
الكبار هم العارفون. و ما يقولونه هو الحقيقة.
تلك كانت مسلمات ما اعتقدت للحظة أنها يمكن ان تصبح محل مساءلة. و من ثم تبنيت كل ما افضت لي به جدتي. مستنتجا ان الانقسام و التضارب في الافكار و المعتقدات ليست سمة إنسانية صرفة. بل و تشمل حتى الحيوانات و الحشرات أيضا. و ان النمل على سبيل المثال، فيه...
كان سليل مجتمع الحكايات. مع حليب أمه رضعها. و مع جدته تنفسها. و في عالمه الصغير عاش ليسمع و يتعلم كيف يلتقط من غير مجهر الأحاسيس و هي تتحول نقوشا تختزن الإشارات. و تتحول الى منار يهدي السفن إلى المرافئ الآمنة.
ربما لهذا السبب لم يشكل له ضعف بصره عائقا كي يسلك درب الحكاية. فما خزنته جمجمته من...
في منتصف الستينيات ظهرت " فاطما و شامة " في أزقة غفساي، و كأنهما نزلتا من الفضاء. إذ لا أحد استطاع أن يتعرف على هويتهما، و لا الصدف التي يمكن أن تكون قد قذفت بهما إلى حيث ظهرتا.
كانتا في منتصف العشرينات. جمال أخاذ و أنوثة مكتملة. و من الوهلة الأولى فقد بدا التباين واضحا بينهما. فبالقدر الذي بدت...
وهو يقطع ذلك الطريق الجبلي الوعر في تلك الظلمة الدامسة، كان يلعن كل التاريخ الذي عاشه. وقواه المشحونة بالنقمة و الغضب، كانت تفتح خطواته لأقاصيها لتمر الأرض تحت رجليه سراعا لحد كان يتساءل معه ما إن كان حقا يمشي أم يطير.
ما كان ممكنا في ذلك الليل الشتوي ان يسمع غير صفير الريح وهو يتحدى نفسه باحثا...