لا ... لا تصدقه ايها الطبيب ، انه يمثل .. يبحث بأية وسيلة عن فسحة.
رفع الطبيب رأسه و نظر الى الحارس وقال: فعلا انه في طريقه الى فسحة ، لكنها أوسع بكثير مما تعتقده .
تسمر الحارس في مكانه وقال : أتعني أنه .....؟
- نعم . لكن كم قضى هـذا السجين هنا ؟
- ستة وعشرين يوما
- فقط ؟
- انه سجين جديد قديم ...
بالرغم من كل الحنين الذي يشدني إلى الماضي، فأنا لا اجده زمنا جميلا و لا جذابا. فايامه شاحبة، و انتظاراته كانت طويلة تبدو بدون نهاية. و الكبرياء وحده كان يمنع الفقر من إشهار بياناته، و الانفة كانت تصنع رفعة تستطيع أن تطمس كل الشواهد المليئة بالحاجة، و المرددة لأصداء البؤس التي كانت تتردد في كل...
تقلد ملك منصب الحكم خلفا لأبيه. و بقدر ما كان الأول صاحب فطنة و دراية و اتزان، بقدر ما كان الثاني ميالا للمتعة و الأسفار و جمع المال. و كان نتيجة لذلك أن احاط نفسه بزمرة من الفاسدين الطماعين. غير أن عامة الناس ظلت تنظر للمنصب بنوع من القداسة، معتقدة أن الملك لا يرث الملك وحده، بل ما يرافق ذلك من...
لم يطمح في نجومية و لا فكر في ان يصبح بطلا. كما لم يكن مناضلا و لا ارتبط بحزب أو هيئة. و بالرغم من ذاك فقد شكل اغراء للمخبرين بكيفية ظلت مستعصية على الفهم و التفسير. فأن يكون الرجل منتميا لنخبة أو سليل أسرة عرفت بالنضال و الكفاح، فذلك قد يعد مبررا. أما أم يكون الرجل أميا و من حضيض المجتمع، فذلك...
الآن، وقد هدأ كل شئ الا من هذا اللهيب الذي لم يزدد داخلي الا تأججا، اصطدم بالحقيقة. حقيقة ان أمي توارت خلف شئ ما، و اقيم بينها وبين الوجود ستار سميك. ستار اتخيله متمركزا في مكان ما، ابحث عنه بإصرار و بداخلي قوة اتصورها قادرة على اختراقه، فأمد يدي، و أنتشل أمي ، وأعيد اليها الحياة.
أوالي بحثي...
بحفاوة فيها الكثير من الامتنان تقدم سان شيطان رفاقه وهو يقودهم الى المكان الذي كان قد نظفه و بسط فيه بعض الافرشة.
السجناء كانوا ينظرون للزوار بغرابة. فهم لم يتوقعوا جلسة كهذه، أو على الأقل ألا تتم في مكان كهذا. و يبدو ان الطعام الذي حمله الزوار ، و الذي كان حجمه يفيد أنه أعد لعدة اشخاص قد لطف من...
بعد غروب الشمس، اتجه شباب جوق" الروينة" المشكل من الطلبة و بعض تلاميذ القرية إلى دار " بن احساين"، حاملين آلاتهم الموسيقية و بعض الأكل لقضاء سهرة هناك تضامنا مع " سان شيطان" الذي كان قد أودع السجن المحلي نتيجة تهمة بالسطو على خم أحد الأعيان.
لم يكن في الأمر مشكلة. فسجن دار بن احساين يتحول بعد...
لم يتوقع السيد عبدالرزاق أبدا حياة بذلك الرقي و تلك الرفعة. و لم يتكهن في الوقت نفسه ان تكون مشكلته مجسدة في جمال الأبله عديم الاهمية.
انضم للوظيفة قبل عقود خلت، مبتدئا مساره فيها من أسفل السلم. لكنه بدهائه جعل منطق السلالم بلا اهمية. شغله كموظف مكلف بالشكايات جعله على دراية بكل النزاعات و...
و انا امشي في الشوارع الفارغة هذا الصباح، لم يكن غيرك معي. كنت تمارس حضورك الطاغي عبر تعليقك الأخير. فكرتك التي فيها الكثير من الجنون الممزوج بالثورية. و المتمثلة في دعوتي إلى مصادرة جاذبية الحياة و اجتثاث ما يجعلها تستحق ان تعاش.
ضحكت مرة اخرى و انا استرجع هذا العرض المفعم بالغرابة و الإبداع...
كنا -كأطفال- ملزمين بأن نسبح في حدود بركتنا الخاصة، دون محاولة الاقتراب من عالم الكبار الذين كانوا يعتنون كثيرا بتفقد هذه الحدود و رعايتها. و لذلك فكل ما كان يصلنا من الأجواء العليا هي تلك الطامات التي لم يكن في وسعهم حجبها عنا. و لهذا أتذكر تهامس النسوة ذات صيف، و أحاديثهم التي تداولنها بشكل...
ميلاد القصص كميلاد الكائنات. بعضها يشق طريقه بسهولة و يسر. و آخر تنغلق في وجهه السبل المفضية إلى الحياة، و قد تحتاج إلى شتى أنواع العمليات من زرع و استئصال وكل ما يمكن أن يقوم به طفل وهو بصدد تركيب أجزاء لعبة ليس له اي فكرة مسبقة عنها. وهو عمل قد يتطلب زمنا قياسيا كي يتم تقديم القطعة أو...
ما عاد الرجل الذي كان من قبل. هو نفسه كان منشغلا برصد حجم التغير الذي كانت تفصح عنه نظرات الناس وهم يتابعونه. ولم يجد بدا من ان يضع تقديرا في حال ان كانت قامته هي التي طالت،او ما ان كان الآخررون هم الذين تقزموا.
موسي مراقب رخص السفر كان أول من تحدث إليه وهو ينزل من الحافلة. ظل ينظر أليه غير...
حين انتهى من الاستحمام، وجد مرافقه بانتظاره في بهو الحمام، وهو يحمل أغراضا كان الحاج عمور قد اشتراها له. و قد ادهشه أنها كانت على مقاسه بشكل دقيق. وقف أمام المرآة. ظل مأخوذا وهو يتأمل شكله. كانت المرة الأولى التي يلبس فيها سروالا طويلا، و معطفا عصريا مع رباط عنق. و لم تتحسس قدماه من قبل دفئا...
... يتنامى لديه الاعتقاد بأن ما عاشه منذ هب عليه إعصار "زينب"، يفوق ما عاشه كل عمره. و أن رحلته الأخيرة لم تكن من مكان إلى آخر بقدر ما كانت من عصر إلى عصر. حتى أن كل انشغالاته السابقة قد توارت.فماذا صار الآن يعني مبغى "زينب" و لا حانة "لاسطراص" و لا حتى رجال الجبال؟ كلهم يبدون معصوبي الاعين، و...
" كيو" كان على عتبة الرجولة حين رأى أولئك الرجال ذوي الجلابيب القصيرة المحببة و الواسعة، و العمم الصفراء الضخمة يقتحمون البيوت، و يصادرون كل ما هو مخزون فيها من حبوب و زيوت . وهو أمر وجده لا يليق بمعاملة حليف لحليفه.
مشهد جدته و أمه وهما تتوسلان المقتحمين كي يتركوا ولو القليل من الزاد للاطفال لم...