مما لا ريب فيه، ولا شك أن أدب السجون ظاهرة عرفها الإنسان منذ أقدم عصوره، فقد عثر على أشعار وكتابات مصرية قديمة وآشورية وبابلية وإغريقية تمجد الحرية، وتشكو ظلمة السجون. ولم تخل الكتب المقدسة من الإشارة لذلك، ولم يخل الشعر العربي القديم والحديث، من ذكر الزنازين، فهذا معين بسيسو في واحدة من غرره...
أصدق أنواع الكتابة تلك التي تترجم المعاناة التي يمر بها الإنسان، والكتابة عن المعاناة هي شكل من أشكال مقاومتها، وهي تختلف من شخص إلى آخر، وأشد أنواع المعاناة والألم تقييد الحرية بالسجن سواء كان سجنا فكريا أو ذلك الوصف الذي يطلق على القضبان الحديدية التي تمنع من يقع داخل محيطها من الانطلاق إلى...
عندما نطالع عبارة «أدب السجون» (**) فإننا نستشعر نوعاً من الألفة والاعتياد تجاهها، فنحن نستوعب ما تشير إليه العبارة، وما تتضمنه من معنى؛ بشكل ربما يفوق إدراكنا لما تشير إليه كثير من المسمّيات الأخرى التي تُوصف بها بعض «الأنواع الأدبية» المتعارف عليها كـ «شعر الحب» أو «الرواية...
كثرت في السنوات الأخيرة الكتبُ عن أدب السجون والمعتقلات، فمنذ رواية (شرق المتوسط) لعبد الرحمن منيف، إلى (القوقعة) لمصطفى خليفة، إلى عشرات الكتب الأخرى التي تناولت الموضوع ذاته كليًا أو جزئيًا.. وهذا أمر طبيعي، إذ إن الأدب يعكس واقع الحياة، على نحو أو آخر، وواقعنا مزر لجهة الاستبداد، وقمع الرأي...
مصطفى خليفة، أيمن العتوم، ياسين الحاج صالح، وغيرهم الكثير.. كتابات السجون السورية، أو ما يسميها سلامة كيلة “معسكرات الاعتقال السورية”، تضيء على جانب مهم من مشكّلات الوعي السوري الفردي والجمعي الذي خلقة النظام السوري على مدى السنوات الأربعين الماضية. ولكن لماذا يُعتبر هذا الأدب مهمًا؟ لعلّ واحدًا...
يذكر أحد المهتمين بالسرديات أن شجارا وقع في سيسيليا في القرن الخامس قبل الميلاد بين شخصين في أرض خلاء، وتطور الأمر إلى معركة حقيقية، فكان أن عرضا في اليوم الموالي أمرهما على القاضي. ولم يكن القاضي يتوفر على أدلة أو قرائن تدين أحدهما، فالمعركة لم يشهدها أحد، ولم تترك آثارا على أحدهما، ولا ثقة في...
حَلَّ المساء، المطر في الخارج يهطل، الضوء الشاحب يتسربُ من الشباك ويمنحني لقاء قطرات تتجمعُ في الساحة الرصاصية، إمكانية التأمل في لوحة خافتة تَرتَج، أنبُشُ فيها عُقوداً ماضية، فتنكسرُ زُجاجةُ الذكريات، أصابعي الممدودة الى أقصاها في ثغور الشباك، لن تتبلل مثلما تمنيت، فجدران السجون سميكة وكلُّ ثغر...
“في أقبية المنسيين .. لا صوتَ هناك، وما في الليلِ سوى الحزن .. نامَ السجناءُ ونامَ أخوك، ولكنّي .. أرِقٌ أتأملُ أغلالي .. وأصارعُ أبسطَ آمالي .. وأفكرُ فيكِ، وبما أصنعُ بعد سنينْ .. إذ أخلعُ اثوابَ السجنِ ..”
محمود البريكان
قصيدة “أغنية حب من معقل المنسيين”
(1) أغنية حبّ من معقل المنسيين
اختار...
في سجن الاستئناف كنت نزيلاً فترة الامتحانات بجوار غرفة مقصلة الإعدام. سجن الاستئناف يجتمع فيه تنفيذ إعدامات عدة سجون من حول القاهرة. المقصلة يفصلها عني حائط، يمر من أمام باب غرفتي المساقون إلى الموت كل أحد وثلاثاء، عند شروق الشمس، بالبذلة الحمراء والشوال الأسود على رؤوسهم وأيديهم مربوطة من...
حضر السجان الى الزنزانة وقرأ عددا من الأسماء، طلب منا تهيئة أنفسنا وتكييس ما يعود لنا..
إنتابني فَرَح وفكَّرتُ بأن هناك أطلاق سراح غامض، كالذي يحصل أحياناً، حيث يتم ذلك فجأة، ويخرج السجين تاركا أبو غريب بكُل مايتعلق به ، خلف ظهره، قبل أنتهاء مُدة المَحكومية، وسر إطلاق السراح يأخُذهُ معه!
ودعتُ...
*ملاحظة: صدر الكتاب عن دار الشؤون الثقافية في بغداد- العام الماضي
لقد أكملتُ الجزء الأول هذا من مشروعي النقدي عن أدب السجون العراقي في 20/8/2009 ، ونشرتُ فصولا منه في الأعوام 2009 (الفصل الأول) ، 2010 (الفصل الثالث ) ، و2011 (الفصل الرابع) . وكنت قد نشرت مادة الفصل الخامس : الجلّاد العاشق...
فارع القامة، ذراعان طويلتان، هادئ، عاش هنا أعواما طويلة محكوماً بعشرات السنين، في زحمة نهارات المواجهات، كان حريصاً على ارتداء معطف ابيض طويل ويضع وردة حمراء في جيب صغير على صدره، يُشابك كفيه خلف ظهره، يذرع الساحة الرصاصية جيئة وذهاباً، ذلك يعني، أن لاأحد يأتي لزيارته، يتبختر هناك لكأنه يمشي على...
مرت سنوات وتغيرت اشياء، اندثر عدد منها واصبح استعادة عدد اخر رغم اهميته بلا طعم، مع انه هو الآخر أُستُهلك ودخل قفص الأبهام، يجد المبهم من تلك الأشياء نفسه مسجونا ليضمحل هناك ويترك مكانه لفراغ يشغله صندوق نخاف فتحه، لكي لانصطدم بحقيقة كونه فارغا وتنتهي حكاية تلك الأشياء التي نعتقد بانها في...
قتال بالسكاكين شهده الممر الفاصل بين نوعين من المساجين في ابي غريب، عوقبنا جميعا بالحبس الجماعي في ساحة كرة القدم، تضورنا جوعا تحت مطر كانون الثاني .. قتال بين نوعين من المحكومين بالأحكام الثقيلة والخفيفة .. الكُل يتحدث عن رجلين تبادلا الطعن في وقت واحد و بطعنة واحدة فقط، احدهما مُخطر في مستشفى...
في فجر كانوني، لايُزعج الراعي خِرافه وهو يُجري تعداده لهم في البرية، لايجمعهم في كراديس كما في الجيش!..
في ابي غريب، سجان واقف، يشبه جذع شجرة يَبُس مُنذُ مِئة عام..ينتظر تكردس مساجين تصطك اسنانهم بردا عند الفجر..
في الساحة الرصاصية، كانت هناك خطوط قاسية ورجال عابسون فقط.
كل صباح، كنا نتمنى عدم...