** يخفي أنقاضه في بحة صوته.
يخفي ستين مترا من الفراشات النافقة.
يخفي رهابه اليومي من عشرة طوابق.
يخفي جسدا محفورا بالجدري
داخل جسده.
يخفي الفهد الذي يقرص شحمة أذنيه.
يخفي اللاشيء في ثقوب الغربال..
المياه العذبة بين فروج الأصابع.
قاربه المغمى عليه في قاع النص.
يخفي ريش الأسبوع الفائت
في قفص...
** أمام الحانة
رأيت إلاها طويلا مثل زرافة.
يحمل ممحاة ضخمة.
حاول سحب مؤخرتي
وأنا سكران.
غير أني فررت مثل غزال مذعور.
***
** رأيت تفاحة تتكلم بطلاقة :
- لم أر أحدا في حياتي.
لا حواء ولا آدم ولا الشيطان.
أنا ملعونة منذ بدء الخليقة.
***
** رأيت ناقدا يتجسس
من شرفة النص.
فتحت النار عليه.
***
** رأيت...
هكذا دائما وبشراهة قندس
نأكل الوحل والقش ونعوي في الليل.
نهوى رائحة الدم والفضيحة.
بيع ذكرياتنا لوحش من السيراميك.
قطع أصابعنا ورميها لبنات نعش. نستمني ونطعم النعاس الأظافر .
الليل طويل القامة وأمنا لم تعد من المبغى.
نسيت نهديها الساهرين في فم كنغر.
الأشباح تروض اللامعنى أمام البيت.
وفي عانتي...
لأن أصابعي مغرورقة بالدموع..
لأن دمي يتدفق في شرايين
الكلمات..
والريح مثل قلب يدق أمام مومياء
تسحب باخرة بأسنانها الصدئة..
لأن في مرآتي الحائطية
ضجيج أسرى من العصر الوسيط..
زعيق طاووس ..
يدعو مخيلتي الى جناز كوني..
قرقعة عربة تحمل كهنة
مدججين ببنادق صيد..
صخب موسيقيين
هاربين من زلزال يتظاهر
أمام...
فعلا أنا مجنون
شلخت جبهة قديس بمطرقة
اختلست خبزه ونبيذه..
جرنه المليء بماء المتناقضات..
مزقت روحه القرمة بمخالبي..
بلت أمام كنيسة مثل أرنب مسن..
أمام قساوسة يبيعون تذاكر مزيفة
قذفت قائد الأوركسترا بالحجارة
باركت غريبا يستمني
يبدو مثل ثور مكسور الخاطر..
رغم ذلك لم يطردني ابن الانسان...
عند الرابعة مساء.
سأشنق الفراغ مثل مهرج عبثي.
سأكسر العالم بالموسيقى.
سأحرر رهائن كثرا
من معتقلات الوراء.
سأدهس الغراب الرابض في إبط القبار.
سأمزق خصيتيه بنابي الذهبي.
أجره بقاطرة ذهاني اليومي
إلى باص آهل بالمرتزقة.
أفتح النار على هواجس المعزين.
قارعي الطبول في الإسطبل.
اللصوص والصحون الطائرة...
لا أدرى متى أسقط مثل ثمرة متعفنة..
أو نيزك سكران بين نهدين نائمين..
أو زجاح قوس قزح
على قرميد الأفق..
لا أدري هل سيطردنى قناص
من العالم برصاصة في قوادم رأسي..
ويمزق أجنحتي بجزمته المخيفة..
هل سأسقط من فم طائرة
مليئة بالرهائن وقش الايديولوجيا..
وأظل أتخبط في الهواء
مثل مركب صاعد من رأس أرملة..
لا...
آخر النهار
في مكان ما
يطلق الله صفارة انذار..
يسحب الشمس مثل حمار منزلي..
هذه لعبته الأبدية المكرورة..
ومن سر هذي الخيمياء..
يصنع الليل والنهار..
وعلى ركبته المضيئة
ينام المتصوفة والمجاذيب..
ويظل يحدق في العالم..
بعين شبه مغمضة..
روح شبه محنطة..
يسقط الحصان من أعلى البرتقالة..
وتقشر أرواحنا يد...
أدعو نحاتا الى جنازة
تمثال قتلوه بعبوة ناسفة..
أدعو شجرة ضريرة الى جلسة طارئة..
أقتل كاهنا في محكمة..
منددا بعلم اللاهوت.
أمام قاض مصنوع من الديناميت..
أحصد الفراغ بمنجل..
أجر الهواء الى ثكنة.
حيث هنود حمر يهتفون باسمي..
أرشح كنغرا لرتبة مايسترو..
أقترض مالا من أطياف صديقة..
أصغي إلى مفاوضات...
** أسخر كثيرا من مشية الغراب
داخل عمودي الفقري.
أسخر من أسلحة العميان في الباحة المظلمة.
من الأمس العالق في المرتفع الصخري.
من حتميات الطبيعة البائسة.
من الفلاسفة الذين ماتوا مختنقين بأحبال الأسئلة.
من مؤخرة قائد الأوركسترا في مركب نوح.
من كذبة الوجود الكبرى.
من براهين الأنبياء الجدد.
من جوهر...
من الآن فصاعدا
سأنكل بالذئب الذي يعوي في حديقة رأسي.
سأحرض المومسات لرشقه بالحجارة
وأحذية رواد الفضاء.
سأعتقل الموت مثل جاسوس نازي.
سأعين عزرائيل ملكا في مبغى.
وأحول عربات الأموات بيوتا للدعارة والموسيقى.
سأرتدي قبعة المستحيل
وألعب بالأزمنة مثل بهلوان.
من الآن فصاعدا
سأدحض حجج العميان.
وأدع...
مات كل شيء
ماتوا قبل قليل
سقطوا جميعا في الهوة السوداء..
سقط الرب من أعلى الجبل بالميكروباص..
لم تبق غير أسنانه الصدئة في جبة المتصوفة..
مات البهلوان في غابة السافانا..
ماتت عصافير الدوري في مفترق شراييني الهشة..
مات أخي مختنقا في مبولة الهامش..
ماتت الوردة في كتاب الأغاني..
مات نوح بحمى...