فتحي مهذب

** الطائرة التي تعشش في رأسي. التي تنظف جناحيها بتبر هواجسي. التي تفكر في ماهية الموت. التي تطير في الليل دون مصابيح ولا ربان نحو طفولتي المعلقة في برواز ذهبي على حائط الأبدية. الطائرة التي ملأها القسس بكتب اللاهوت. وأزهار الكاتدرائيات الضحوكة. الطائرة التي حلقت طويلا في حديقة رأسي طاردها جواسيس...
كان أبي لا يضربنا بالكرباج عند ارتكابنا الهفوات وسقوطنا في فخ الشيطان. كان يضربنا بالكلمات ضربا مبرحا بعد شحذها وايداعها مسامير حادة مقدودة من معدن الدلالة الجارحة. بينما أمي تقوم بتضميد بقع الكدمات الزرقاء المنتشرة على جلد الروح التي خلفتها لذعة كلماته الحارقة. كانت عيونه تتكلم بقسوة وتلدغنا...
بعد ولادتي تحت جذع نخلة.. فرت أمي الى بلاد الحبشة.. على قدميها المتفحمتين.. مفردة جناحيها مثل طائر مذعور.. أرضعتني غزالة مهذبة جدا.. أهداني صقر نجمتين من ذهب.. كتب على صدري بمنقاره الملكي هذا سليل الأبدية.. زأر أسد حكيم في أذني.. أسمعني بصوته الأجش مقاطع من كوميديا دانتي.. ليشحذ مخيلتي بالسرد...
بابنا العائلي القديم صديقنا المتخم بالزغاريد ورائحة الأكف العطرة.. بعد هجرتنا الفظيعة.. - أمي إلى بيتها اخر الأرض. أخي إلى موته العبثي. حمامتنا إلى الغابة المطرية. كلبنا العاطفي إلى ظله الحجري. أنا المتجزأ إلى جسدين ونيف بينا هذا وذاك أواصل الضرب في عتمات الحجر. بابنا العدمي بعد هجرتنا الموجعة...
** هم في قاع الغابة يربطون عيدان الأشجار بحبال المخيلة. النحاة ماتوا بسكتة دماغية. الحطابون في المنحدر الصخري. العيارون يغردون فوق الشجرة. المهرجون يفرون بفهارس طويلة من المرح الأسود. ** ** صلاتي لم تكن جيدة في بهو الهولوكست فيكتور فرانكل وحده مثل طائر الغاق يحوم في الشرفة المنطفئة حاملا بريد...
لست أدرى متى سأسقط مثل ثمرة متعفنة.. أو ذئب بين نهدين نائمين.. أو زجاح قوس قزح على قرميد الأفق؟.. لست أدري هل سيطردنى قناص من الدنيا برصاصة في قوادم رأسي?.. ويمزق أجنحتي بجزمته المخيفة.. هل سأسقط من فم طائرة مليئة بالرهائن وقش الايديولوجيا؟.. وأظل أتخبط في الهواء مثل مركب صاعد من رأس أرملة.. لا...
الى الشاعر القطب صلاح فائق . لا بد من تلقيح مخيلتك.. بقصائد القطب صلاح فائق.. والاصغاء جيدا لشجرة برقوق.. تغني تحت شباكك الخشبي.. ثم تمد غصونها المترامية.. مشرعة باب حجرتك لتغسل ثيابك التي اقترضتها من نادل مات بجرعة اضافية من المورفين.. مات داخل حجرة مضيئة.. تنظف خزانة رأسك من غبار الكوابيس...
** سحبه غوريلا إلى جوف الغابة حاملا اياه على ظهره مثل رهينة بينما دراجته المهشمة تستغيث على حافة الطريق الرمادي الذي يشق الغابة.إ ختفى الغوريلا بين الأشجار العملاقة التي ما عتمت ترشقه بكلمات لاذعة مستنكرة منددة بهذه الرغبة الجامحة في الافتراس الأبدي.. العصافير المدهشة تصدر صيحات فزع من هنا...
** ربما لأني مقرف جدا وظهري قارب مليء بأسماك نافقة. ربما لأن أقزاما يعششون في عمودي الفقري. يطيلون أظافرهم لمواجهة القراصنة في المعابد المهجورة. لإراقة دم المخيلة في مصبات اللاجدوى. ربما لأن صوتي يتدحرج مثل صخرة سيزيف من أعلى الجبل. صوتي الذي هشموا مفاصله مرارا. صوتي المشتق من رائحة الأنهار...
رائحة حمامة ميتة. رائحة الغياب الأزرق. رائحة دموع النافذة وهي تتلقى طعنات متتالية من عيون القطط.. رائحة أصابع الأم المحترقة على الشماعة القديمة.. رائحة ضوء الشمعة وهي مجرد أشلاء .. مادة مدهشة لصنع إلاه على مقاس المخيلة.. رائحة شرشف اليتيم الزنخة. اليتيم الذي فقد مفاتيح النهار في غابة الهامش...
صور معقدة التركيب وشديدة التكثيف السطر الواحد والجملة الواحدة عالم محتشد سريالى فى مقاطع شبه مهندسة تدور كالرحى ما بين الماضى والحاضر دورانا سريعا عبر مقطع ومقطع وكأنما الشاعر يدخلنا إلى العالم الكابوسى المستمد من تاريخ الإنسان فى كل العصور والغرق فيه حيث لا حلم بل هاويات وموتى جدد يعملون بدون...
جلس بجوار ضريحها مطأطىء الرأس غاطسا في عوالم لامتناهية من الذكريات العذبة التي كانت تربطه بها. أحيانا يهز رأسه نحو الشاهدة ليتملى تاريخ وفاتها وميلادها اللذين لا يمثلان سوى قطرة صغيرة في نهر الصيرورة الهادر. كان يردد بصوت متهدج العمر قصير جدا. طفرة عابرة. الإنسان لا يساوي شيئا أمام عظمة الزمن...
الذي كلبلابة يتسلق سياج روحي الحديدي.. الذي يمنحني باقة تجاعيد وهدايا نادرة جدا.. ( أياما متخمة بالمازق.. أيقونة أضيق من عنق الزجاجة... واقية صدر هشة لأحمي زجاج صدري من رصاص الموتى.. من نباح نهديك المتوحشين.. تماثيل صغيرة لطرد الأشباح من مؤخرة الروح الذي يملأ سلاله المثقوبة بفستق الغياب.. الذي...
دم خومبابا على حجر أشوري.. آلهة في عربات مصفحة تبحث في غابات الأرز عن جلجامش وأنكيدو تسبقها طائرة استطلاع في سماء المخيلة.. قردة وجواسيس مقنعون.. مسلحين بهواتف ذكية.. هراوات جلبوها من كهوف.. طيار يطعن أنكيدو برمح حاد.. يجر جثته راهب براقماتي.. بينما جوقة نسور تتطاير وراء نعشه.. جلجامش مع أرامل...
أمشي على فصوص عيني.. حزينا مثل عبد حبشي مصفدا بسلاسل حتميات .. القرى نائمة .. الطائرات العدوة ترتاح فوق منصة صدري .. للنار الصديقة مذاق الحنطة .. تشرب الأرض نبيذ الدم.. غير أن النوافذ مرصعة بالفهود . #### لا تثريب عليك يا صرار الليل العدمي.. الموتى أرهف سمعا من الأحياء.. لماذا آخر الليل تلبس...

هذا الملف

نصوص
858
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى