بدوي الدقادوسي

تعلقت أبصارهن بوجه النحيلة وهو يتفصد عرقا، رجفة خوف تسري في الأجساد ، ظهيرة هذا اليوم تحمل لهيبا لم تحمله ظهيرة يوم قبله، تتلاحق أنفاسها بحثا عن قطرة أكسجين لم يحرقها القيظ . فر أهل البلدة من ملابسهم إلى الترعة، أدرك الشيخ وحفنة من رجال تحيط به في المندرة أن السيدة لن تقوى على المخاض، هؤلاء...
أطالع التلفاز وأقرأ الصحف في صمت ، أجيب على أسئلة الدنيا بالصمت ، للصمت دلالات تفوق كثيرا كل الكلمات ؛ لست نبيا نذر لربه صوما ،بل سفاح ، يقتل الحرف ويشنقه على شفتيه .للكلمات رائحة كريهة كلما شممتها أتقيأ قيحا . ما إن لامس الوسن جفني ؛ حتى قمت مسرعا ؛ أتقيأ حروفا نيئة برائحة كريهة وبكيت ؛ توضأت...
خمس سنوات ,وأنا أتحمل السخرية من الجميع ؛حتى زوجتي رغم محاولتها إخفاء سخريتها ؛ إلا أن بعض الكلمات كانت تغافلها وتخرج محطمة ما تبقى بداخلي من روح معنوية أحاول التمسك بها لإنهاء الرواية . فور توصلي للقفلة التي ظللت شهرا أبحث عنها لتناسب الرواية ؛انطلقت لدار النشر؛ فأكد لي الناشر أن روايتي سترى...
هَممتُ أن آخذ حَبلاً وأعلِّقه في شجرة وأخنق به نفسي؛ بسبب ما يقوله الناس عني! ضيَّعَني حاكم المدينة بظنونِه وشكوكه، ضيَّعَني ومضى غيرَ آسفٍ عليَّ، وترَكَني لأصحابه وأهلِ المدينة ينظرون إليَّ بريبةٍ وتوجس، ويخافون مني.. رغم أنني لم أفعل شيئًا، ولم آتِ منكرًا، دعا للسلام والمَحبة فترةَ إقامتِه...
وكأنها نبات همجي لا أعرف لها أما ولا أبا .تقوم مع الشمس. تجلس أمام بيت طيني متهدم والذباب يغطي فتحات وجهها الذي تعلوه جبهة عريضة وتتوسطه َوجنة شديدة البروز حتى تكاد تخفي عينيها . تظل جالسة حتى تغرب الشمس فتغرب عن العيون معها . في نهاية العقد الثالث من عمرها وجدتها تسير بجانب رجل ضرير مسن نحيل...
لا بد أن أجد تفسيرا ، أراعي المقادير بدقة إلا أن الأرز التصق بقعر الحلة ، نفس الطاهي ، نفس الشعلة وأحصل مرات على أرز مفلفل ومرات على أرز ملتصق بقعر الحلة ، همست في أذن زميلي معلم العلوم فأكد أن الطهي تجربة كيميائية بحتة وطالما أن العناصر ثابتة فلابد أن نحصل في كل مرة على نفس النتيجة ، أرى أن...
ترك رفضُه المجيئ للوقوف معي في عزاء أمه جرحا غائرا في جبين قلبي ، تعلل بأنهم يضيقون الخناق على العرب في هولندا ؛ ولن يستطيع المجيء إلا بعد الحصول على الإقامة . برفق سحبت ابنتي صورته من بين يديّ ، حاولتْ أن تُنْهِضَني لأتناول أي طعام يعيد لمعدتي ذاكرة عملها الذي أوشكت أن تنساه ، ربتتْ على صدري...
انتظر حتى شعر أن الزميل الجديد قد استغرق في النوم، بهدوء فتح باب الغرفة ، اتجه نحو الثلاجة، كشف غطاء إناء اللحم، أحصاها، أخذ يقتطع من كل قطعة جزءا، جمع الأجزاء في رغيف وأخذ يأكل بسعادة، عاد أدراجه، استلقى على ظهره وهو يحرك يده على كرشه المنتفخ كحامل في شهرها الأخير . حين شعر بزميله يتحرك مغادرا...
توقع المهاجم اندفاعي، راوغني بسهولة، أطلق المدرب صافرته حين رأى الحنق باديا على وجهي وأنا أنطلق خلف المهاجم لأركله، انتحى بي : الحياة مباراة غير منظمة! والمباراة حياة منظمة؛ لاتندفع فيعرف خصمك توجهك فيراوغك بسهولة، اركض نحوه ثم توقف فجأة حتى تسد عليه الرؤية ويُعدم زاوية التمرير فانقض عليه...
لا أنكِر أنني كنت– أولَ الأمر - راضيًا تمامًا بعملي، ولم يكن رضاي ناتجًا عن طبيعة العمل ولا عن ظروفه، ففي الحقيقة لم يكن عملاً بالمعنى الدقيق للكلمة.. كان وجودًا بلا قيمةٍ ولا معنى، لم أكن أؤدي شيئًا على الإطلاق. كل المطلوب أن أظل واقفًا أمام تلك البوابة الضخمة، لا أتحرك ولا أنتقِل، لا أجلِس ولا...
أصاب شقيقي الأصغر ثراء مفاجئ؛ منذ هذا اليوم كلما هاتفته لا يرد ! أضطر في الأعياد أن أرسل له على الجوال : كل عام وأنتم بخير؛ في عيد الفطر يرد بكلمة " وأنتم" ، وفي العيد الأضحى يرسل سائقه بكيس فيه لحم الأضحية ، فأسارع بها لزوجتي وبناتي قائلا: عمكم لم ينس بره بكم وعطفه على أخيه . هذا العام لم يرد...
مدرسة أجيال الغد التي أتجه للعمل بها تتوسط عاصمة الدولة الخليجية .مدرسة أهلية راقية طلابها أولاد أمراء .عندما تسلمت عقد العمل بها كادت زوجتي تحلق في الفضاء فرحا ..متنساش يا حبيبي تجيب بطانية مورا إيطالي من يوم ما شفتها على سرير نادية صحبتي وأنا هتجنن عليها ...وترسل الحوالات باسمي مش باسم حد من...
عاد لقريته هاله ما يراه ؛ فكل الفلاحين يقتلعون زرعهم ويلقون به في الترع والمصارف ! خلت الحقول من أعواد القمح والبرسيم ،ولم يرد على تساؤله أحد ؛ يسابقون الزمن ، يتجهون لمنزل الشاب أحمد الشاطر ، تخلت النساء عن حليها ومساغها لأحمد الشاطر عن طيب خاطر مقابل لفافة صغيرة .بالكاد استوقفت ابن عمي: -...
تباين المطر منذ أمس بين هتان و وابل ، خلا الشارع إلا مني ؛ فنحن في نهاية الشهر ومن يمتهنون إعطاء الدروس في البيوت يعلمون أنه لا مجال لإلغاء الحصص . استحث السير لأصل إلى غرفتي في طرف المدينة ، بيد مرتعشة أدرت المفتاح بالباب ، العقرب الكبير يحتضن الصغير رقودا فوق رقم يشير لمنتصف الليل . كيف خرجت...
وكانت الأم تحيط أرنويها بمشاعر الحب، فظل ينهل من دفئها ويأكل ما تقدمه له من وريقات الخس اليانع ورؤوس الجزر البرتقالية راضيا ، حتى تسلل الملل لرأسه من أسفل وسادته (فضج ) من سأم المشهد وتكرار الطعام فخرج غاضبا. توقفت عن قراءة القصة سألت ابن عمتي : ما معنى " ضج " ؟ مازال يستذكر دروس اللغة...

هذا الملف

نصوص
33
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى