بدوي الدقادوسي - قلبان وساق واحدة

توقع المهاجم اندفاعي، راوغني بسهولة، أطلق المدرب صافرته حين رأى الحنق باديا على وجهي وأنا أنطلق خلف المهاجم لأركله، انتحى بي : الحياة مباراة غير منظمة! والمباراة حياة منظمة؛ لاتندفع فيعرف خصمك توجهك فيراوغك بسهولة، اركض نحوه ثم توقف فجأة حتى تسد عليه الرؤية ويُعدم زاوية التمرير فانقض عليه منتزعا الكرة .
طلبت منها أن نخرج لمكان هادىء، رمقتني إحدى المعجبات ، هرولت نحوي ملتصقة تريد التقاط صورة ، رفعت جوالها لتلتقط الصورة وعلى فمي ابتسامة واسعة، التفت لزوجتي لم أجدها، اندفعت مجنونا ، جذبتها من ذراعها ، دفعتني بحقيبة يدها وألقت بجسدها في التاكسي .
الجماهير على ساق واحدة تقف حابسة أنفاسها؛ الخصم يحاصرنا والتشتيت سلاح نناوله له كي يعيد الكرَّة والهدف في هذا الوقت لايمكن تعويضه ، قطعت الكُرة وبهجمة مرتدة خاطفة صرت وجها لوجه بحارسهم، على الناحية الأخرى مهاجم فريقي يتحرق شوقا لإيداع الكرة ، أوهمت الحارس أني سأوزعها لزميلي، اندفع لتغطيته تاركا مرماه عاريا إلا من الكرة تتهادى في الشِباك على وقع رقص الجماهير، رفض أن يشاركني فرحتي، انطلقت صوب المدرب، احتضنته، همس بأذني: لن يطول غضبه فالملعب سيف يقطع رقبة غضب الرفاق .
تهادى صوت المذيع الداخلي صادحا باسمي( man of the match)، هاتفني حماي: أمامي صفقة أحتاج لمبلغ كي أظفر بها، اعتذرت بأني سأجري بالمكافأة جراحة لشبكية عين أمي الدامية، رجعت لأجدها حملت ابنتنا وتوجهت لبيت أبيها .
في المحاضرة الأخيرة للمباراة النهائية قال بهدوء : الهزيمة في الأدوار التمهيدية أفضل عند الجماهير من الخروج من النهائي، الجماهير لا تصفق لمهزوم، التفتْ نحوي بعينيه قائلا: أن تمنع هدفا أفضل من تسجيل هدف، قد يمتد الوقت لركلات الترجيح، لا تنظر نحو المرمى عند التسديد فيكشف الحارس توجهك، لا تشح بوجهك شطر المدرجات فيدب الرعب بأوصالك، عينك على الكُرة، سدد بعقلك وفكر بقدمك.
طار عقلي حين رأيت قصتها على يوميات الفيس " امرأة شبه عارية وتحتها عبارة " أريد قلبا يحتويني " ، أبحث عنها كالمجنون ، أقصي كل ما يعوقني، خرجت أركل الهواء .
ركلة الترجيح الأخيرة سيترتب عليها الصعود لمنصة التتويج، ارتكزت ببصري على الكرة، أرسلت الحارس لزاوية وسددت بالأخرى بقوة لترتطم بالقائم، تسللت من الملعب في زي عامل غرفة الملابس؛ لقد كسبتْ اليوم قضية الخلع، تحت البيت نسيبي يُحْكِم ربط الحقائب على ظهر سيارته، من خلف النافذة ألقت ابنتي صوبي نظرة غاضبة ثم خبأت وجهها بعباءة أمها.
حملتني قدماي لشقة مدربي، وكأنه بانتظاري، صوته متهدج كأنه يهذي : الطبال خلق الطبلة بث فيها روحه تبكي لبكائه، تضحك لضحكه، آمن بها، كفر بالراقصة، نحن نخلقُ ويبقى الله أحسن الخالقين، فبالكاف والنون كان الوجود، أما نحن فقد عجزنا أن نجعل مخلوقاتنا تعبدنا؛ فعبدناها ، توقف فجأة، أنزل صورة ابنته مسح عنها التراب، قبلها واحتضنها باكيا .


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى