وضعت لوحتي على طاولتي...كانت تستهويني لعبة القراءة منذ الصغر..قرأت الصبر في تجاعيد جدي الذي كانت ذكراه الضبابية تحتل مخيلتي. قرأت وجع أمي عندما حملت اخوتي وأرضعتهم حولين كاملين، وتقاسمت معها أجواء الحضانة. تبينت وقرأت عشق أبي للحياة عندما وجدته لا يهمّه الغد بل اليوم...قرأت بشغف تفاصيل أمومتي...
كانت حبات الطماطم ترتجف من ضيق الكيس الذي وضعت فيه. حملتها مسرعة إلى المطبخ. حررتها من قبضتي ومن سجن الكيس المطاطي. تناثرت على الطاولة، تركتها تتحرر، وتتعانق...ابصرت في وجناتها الحمراء انشراحا وراحة. لم تعبأ بي، هربت في اتجاهات عديدة، وكنت أخشى أن تمر تحتي فلا أراها فتركلها ساقي بعنف.
كانت...
كان نجمي يدعي الاختفاء. وكنت أمرح إذا اختفى. أراقب جنونه الطفولي في سماء مكفهرة. كنت أراه متقمصا أدوارا عديدة..نجمي المتلون لا يُتقن التمثيل..ولا يتقن لعبة الغميضة مثلي. لم أكن اهوى التخفي لأني أدرك أنني ساطعة كالشمس الحارقة..ولكن نجمي لا يملّ من المحاولات. حتى إذا نزل المطر لا يمكنه أن يختفي،...
لم أنصت لريحك...
لم أجد في نسائم الفجر
جزءا من وردنا المبعثر
كان الصيف ثقيلا بلا أمنية
وكان الربيع يستعد ليأخذ مني
قارورك عطرك الاخيرة..
أما الشتاء فاصطحبني معه
إلى البحر
نزع معطفي،وأطلق ضفائر شعري
ثم رماني للموج البارد
لا أحسن السباحة..في كل الفصول
لكنك فصلك لم ينتهي بعد.
تركتت له أقلامي على...
كانت يدي تمسك يدي الأخرى...وكانت عيني ترى عينها في بلور كأسي...ينتشي الفرح عندي مع فرح ارتسم امامه...كانت يدي اليمنى تسلم على يدي اليسرى بعد ان افتقدت السلام في الواقع..وكانت شفتي تقبل عصيرا باردا...كبرودة واقع وعناق بلا قبل...اما جسمي فكان يردد على نفسه ميثاق السلامة في غياب السلام...
لم تكن...
تقشّر نصي من لحمي...
قشّرته كما اقشر سمكة...
كان يرقص على موسيقى الألم الحاره
تقشر عني...ولكنه سكن لحمي وعظمي...
زعانفي تطرده...و أحداقي ترقبه...
كان نصي يأبى أن يرحل عني
التصق بي..
كان يراني حورية البحر الجميلة...
ولكني كنت.أراه تحتي يخرج من لحمي
كالدماء...
واطرده ليغتسل من اثم الكتابة...
انتصف الطريق...
لا مجال للعودة على الاعقاب..
واصل طريقك لا مفر...عتبات الطريق ايقظت فيك جراحك المنسية...
رفاقك هم اوجاعك....تستند على حرفك لتعيش
وتحظى بغيمة تظلل رأسك..
واصل مسيرك إلى لست أدري..ولكن نصك سيرسم في الأفق بوابة العبور نحو عالمك المنتظر...
لن تكون رحلتك ذات لون واحد، ولكنها ستغرز فيك...
صعدت أحلام إلى المركب. كانت تجدف رفقة عم حسونة، ضد التيار القوي، كان البحر جميلا رغم هيجانه. ولما أعياها التعب، تمددت في طرف المركب، ونامت مستمتعة بزرقة السماء ودفء الموج، ووهج الشمس. وظلّ عم حسونة يجدف بها، وكان قد فتح في الركن راديو قديما، انبعت منه أهازيج جميلة، ارتاحت لها أحلام. لم تكن...
الفرح قرار، والحزن قرار، وارادتك هي التي تختار...
ها قد مر يوم العيد. لقد حاول كل واحد على طريقته ان يتحدى البعد والغياب والمسافات، ان يتحدى ذكراه لمن رحل عن الدنيا. وثمة من تحدى أوجاعه، أو تحدى ظروفا عصيبة يمر بها...ذلك هو التحدي. أن نحارب اليأس وننشر الفرح. لقد ازدان الفضاء الازرق بصور الاطفال...
يذكر غادامار "الأعياد" كشكل من أشكال العروض أو الاحتفالات المتكرّرة تكرارا مربكا، فالعيد الذي يعود في كلّ مرّة ليس العيد الذي كان. لكن رغم ما يطرأ عليه من تغيير، فإنّه هو نفسه، وفي كلّ مرّة يحتفل به بطريقة قد تختلف عن سابقتها. يكتب غادامار: " ونحن ندعو ذلك بعودة العيد. ولكن العيد الذي يحدث مرّة...
نهضت احلام و انتفضت من رمادها. عانقت ألوان الحياة. فتحت الغرفة التي اغلقتها على نفسها منذ أيام.وسارت نحو الشاطئ، ملطخة ببريق موادها الملونة. كان كل من في البيت نائما. إلا قطتها، التي تبعتها. كان الوقت فجرا، بدأ الليل يتراجع
ويسحب سواده وكان النهار يسترق اللحظات ليمد شعاعه في الكون.
كان الطريق...
الجزء الخامس من قصة مجنون و باري
توقف الراوي ليومين عن الكتابة، وترك شخصياته في سراح من قيد حروفه . سعد في مغارته يعني العزلة والهروب ممن يبحثون عنه لارجاعه لمستشفى المجانين، أو لتسليمه للجهات المعنية. يخربش في أوراقه الكرتونية، يحاول تذكر ملامح أحلام، والطريق المؤدي إليها بعد غياب دام سنوات...
قد فاض مني
ما ليس منيّ وإنيّ وإنُّ إني ّ
لا يلتقيان
إني مريض وإنّ إنيّ سقيم
له برجه مثل السماء
وأرضي تراب
مرصّع بالقمح
يعلو ويعلو
بلا انحناء..
إنيّ تعالت
وإنّ إنيّ تضحك ملء الهواء
تُنصت لصمت السحاب
وتغرس وردا في طريق الضياع
تموت الورود
ويبقى شوكها في عنان السماء
يُقبّل إنّي شوكا وشوكا...
ويفيض...
إن النص إذا مات أبوه، صار مضغة في الأفواه. لا يستمد النص كيانه مقروءا، بل من وجوده الحي المسموع. لذلك فإن المحاضرات المسموعة، تكون أعمق من نفسها وهي مكتوبة. لعل الكتابة هي السم المتأرجح بين الداء والدواء. ترياق الفكر لا يتلاءم مع جميع النفوس. وقد تتقيؤه الأنفس الخبيثة. لأنها لا تتقبل إمكانية...
التصقت أحلام بأرضية الغرفة، والتصق جسدها بألوانها، واصلت لعبها مع الألوان، كانت الألوان تخاطب كل ركن من أركان روحها، وتمسح الغبار عن كل مساحة من جسمها. تنامت في جوفها رغبة في العناق، تلوت. وراحت تتمطّط تنصت لموسيقى جسمها الناعم. تجردت من الحضارة التي قمعتها، تجرّدت من ماضيها وانغمست في عشقها...