عسل يا جوافيه.....
بهذا النّداء المقتضب يسيل لعاب من استقروا خلف الأبواب ، يمرّ صاحبه يقطع بصوتهِ صمت المكان ، بوجههِ الأخرس المُشرب بحمرتهِ ، يسير الهوينة بجوارِ حمارهِ العالي ، الذي يتبدى شامخا في اعتدالٍ ، يوزع نظراته على المارةِ في كبرياءٍ غير معهودٍ لحمار مثله ، يلوح لمن يخاله ، كمن زادَ...
عاشَ النّاس في كنفهِ سنين لا يُعرف عددها، يلتمسوا من بركتهِ، ويستجدوا عونه و مدده، هناك يرقد الشيخ حسين في ضريحه الطاهر ، تحتضنه الحقول الشاسعة الممتدة ، في فضاءاتها السندسية ، تتماوجُ في ابتسامٍ ، بين ماء بحر يوسف وترعة سري، تشيعه عيون الفقراء عن بعدٍ بنظراتِ الاكبار والتوقير، و مع مطلعِ كُلّ...
ما تكاد بنات الشّمس تلتصق بالجدرانِ ، وتفيضُ الحياة في جنباتِ الزقاق ، حتى ينساب صوت راديو الأفندي العتيق ، تتماوج أنغامه ، وتجلجل موسيقاه في صخبٍ لا يُقاوم ، وفي داخلِ البيتِ ينشط الأفندي يستقبل في همةٍ ؛ بوادر النّهار الجديد بحيويتهِ المعهودة ، وكأنّ الحياة اهتاجته ، فشرعَ يعافرها كشابٍ في...
لايزال صدى صوت الأفندي يتردد في أذنيّ ، وقد تربّع فوق كرسيهِ الخيزران القديم ، يهرش كعب قدمهِ فرِحا نشوانا ، وهو يحكي لي حكايته المُعادة لعشراتِ المرّاتِ ، والتي استجلى منها حكمتهِ المشحونة بالتوريةِ : ماتَ العليل وماء اللّفت له دواء ، يغيب الأفندي في ضحكتهِ التي تناثرت نهنهتها فيما يُشبه البكاء...
ما إن يؤذَّن للصّلاةِ ؛ حتى يتعكّر مِزاج الأفندي ، بعد أن شرعَ في إدارةِ يد " طولمبة" المياه التي تتوسط بيته العامر ، يُحرِك يدها في عصبيةٍ زائدة ، وقد احمرّ وجهه ، وانتفخت أوداجه ، يظلّ في برطمتهِ لدقائقٍ ، حتى بعد انتهاءِ الأذانِ..
يقبض كفه على حفنةٍ من الماء ، ينثرها فوقَ وجههِ...
تُشرِّقُ الشّمس في كُلّ صباحٍ على القريةِ ، وما أكثرَ إشراقها ، لا شيء يتغيّر تحتَ قبةِ السّماء ، في هاتهِ السّاعة ينهض القوم من مخادعِ أحلامهم الوردية، على عصا الخولي ، يدكّ ألواح أبوابهم القديمة التي شاخت ، بعدما رتعت من أثداءِ الفقرِ قرونَ طوال.
يجوب الدّروبَ ، وينعطف في الأزقةِ ، فوقَ حمارهِ...
ما إن يؤذَّن للصّلاةِ ؛ حتى يتعكّر مِزاج الأفندي ، بعد أن شرعَ في إدارةِ يد " طولمبة" المياه التي تتوسط بيته العامر ، يُحرِك يدها في عصبيةٍ زائدة ، وقد احمرّ وجهه ، وانتفخت أوداجه ، يظلّ في برطمتهِ لدقائقٍ ، حتى بعد انتهاءِ الأذانِ..
يقبض كفه على حفنةٍ من الماءِ ، وفي عفويةٍ ينثرها فوقَ وجههِ...
ما إن تشقّق الأرض عن شجيراتِ القُطن ، فتخرج ضاحكة للوجودِ تداعب وجه التربة ، يبزغ نجمه ، يُصبح مقصود الفلاحين ، حتى وإن كرِهوه، يجري اسمه على كُلّ لسانٍ ، فهو مورّد الأجرية من عمالِ "اللطعة" ، ورث المهنة عن أبيهِ ، الذي خدمَ الدوائرِ عُمرا.
ظلّ على فقرهِ المتقع ، فكفّه المخروم لا يسعفه ،...
عالم الأرواح عالمٌ غريب، يضجّ بما يُثيرُ العقول ، ويُحفِّز الخيال ، ويبعثُ على الدهشةِ ، يفق عنده المرء مدهوشا محتارا ، لا يمكنه أن يجزم برأيٍ البتّة ، يطيش العقل الذي لا يقنع بهذا المتّّسعِ الفضفاض أمامه ، يسرح ويجول في مشاهداتٍ الجزم بماهيتها ضربٌ من الجنونِ .
وفي الرِّيف ، وفي أيامهِ الخوالي...