السي حاميد اليوسفي

جلس العربي بمفرده فوق العشب الأخضر، يتحدث مع نفسه في كل شيء، ولا شيء. الكرة في أدغال افريقيا.. ورطة إسرائيل في قطاع غزة.. نفاق أروبا العجوز.. تهديد جارة كندا بأن تمحو من الخريطة كل من سولت له نفسه الاعتداء على إسرائيل، أو الدفاع عن خصومها.. برم العربي ثالث سيجارة محشوة بالحشيش.. بدت له الأضواء...
يعتقد حسن بأن النحس يطارده.. بمجرد ما حصل على الإجازة، وقضى سنتين في الخدمة المدنية، تم الاستغناء عنه، ولم تستجب وزارة التربية لطلب إدماجه.. حدث ذلك في النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي.. جرائد المعارضة فسرت المشكل بالتقويم الهيكلي الذي فرضه البنك الدولي على المغرب لتخفيض كثلة الأجور، وإعادة...
السماء صافية، لا يعكر زرقتها سوى غمامة بيضاء قادمة من الشمال لا يبدو أنها تحمل مطرا. رغم الصلاة والدعوات والوعود التي قطعها سكان القرية لضريح الولي الصالح، بقي الجفاف يتوالى يوما بعد آخر، حتى دبّ اليأس إلى النفوس.. العلف ارتفع ثمنه، ولم يعد في متناول صغار الفلاحين.. ما تبقى من رؤوس الماشية لا...
قال الصديق الذي يجلس بجانبك: ـ من يراك تتناول قهوتك على عجل، يعتقد بأن وراءك شغل أو مهمة ستنهض إليها، لكنك تُخيّب ظنه! نظرتَ إليه مبتسما وأجبت: ـ أنت تعرف بأنه ما دمتُ قد انقطعت عن التدخين، فأنا لا أحتاج إلى القهوة كل الوقت الذي أقضيه في المقهى.. وأتذكر دائما تشبيه مهدي (الكسّال)* بأن القهوة...
اليوسفي قاص مغربي، دائم التأهب لمتابعة الأحداث والتعليق عليها، من منطلق قناعاته التقدمية، بعد الابتعاد عما أسميه "الغطس السياسي". ومردُّ هذا النعت يعود إلى العادة السيئة المتمثلة في تسرع بعض السياسيين في تحاليلهم المهزوزة، وانحسارهم في سطح المجريات، دون امتلاك رؤية ثاقبة للوصول إلى عمق الأمور...
كل الناس يتحدثون عني هذه الأيام.. لكن لا أحد يعرف من أين جئت، وكيف كبرت بسرعة. قلبي أبيض وطيب. كل ما تسمعون عني من الكلام الساقط مجرد باطل لتلويث صورتي، والحط من كرامتي.. والدي مثلكم مواطن بسيط من القاع الشعبي.. يعمل بيديه لنأكل.. كان يقول لنا دائما: ـ يا أولاد.. البطنة تُذهب الفطنة.. الطعام...
اختفى يوسف عن الأنظار سنوات طويلة.. بعد عودته أصبح يزور أصدقاءه القدامى بين الفينة والأخرى في المقهى. لقاءات حميمية يسترجعون فيها ذكريات الطفولة والشباب. علي وأحمد بحكم الصداقة القديمة، يتجرآن أكثر من غيرهما، ويطرحان معه الموضوع الذي أصبح مثل الطابو. يتبادلان الأدوار كممثلين بارعين، يدغدغان...
جلست عائشة تنتظر مسلسلها المفضل.. لم تصدق ما سمعته في الأخبار.. بقيت تحملق في شاشة التلفاز.. منظمة فلسطينية صغيرة تمتلك أسلحة بدائية، تفعل كل هذا بأقوى جيش في الشرق الأوسط.. الجيش الذي سمعت بأنه يحارب وهو نائم فوق الفراش، أو يشرب القهوة في الصالون، تقع له كل هذه البهدلة.. رغم ذلك لم تُخف...
"أم البدايات أم النهايات. كَانَتْ تُسَمَّى فِلِسْطِين. صَارَتْ تُسَمَّى فلسطين"(1) *** أمام فظاعة ما يجري في فلسطين المحتلة، تجد نفسك عاجزا عن فعل أي شيء.. تجلس أمام التلفاز، تبلع الأخبار ممزوجة برائحة الرصاص.. غبار المباني المقصوفة بأحدث أسلحة الدمار يغطي الشاشة. امرأة تحمل رضيعا، وتجري في...
الغالية لم يسبق لها أن ظهرت في شريط فيديو.. لأول مرة ستقف أمام الكاميرا، وتُدلي بتصريح.. لم تسمع سؤال الرجل الذي قدم لها الميكروفون.. اعتقدت أنه يعمل في التلفزيون.. وأن الشريط سيمر في نشرة الأخبار، ورسالتها ستصل إلى العالم أجمع.. بعد الزلزال الذي ضرب المدينة، تفقّدَ رجال السلطة مصحوبين ببعض...
خرجت هنية وابنتها رجاء ليلة الزلزال الذي ضرب مدينة مراكش في حالة من الذعر والرعب، يجريان بلا عقل.. هرعا إلى الخارج حافيتا الأقدام، وبثياب النوم فقط.. قضيا الليلة مثل باقي الناس في شارع أحد الأحياء الفقيرة.. قلب هنية على البيت، لم تفكر في إغلاقه بالمفتاح.. سمعت من قبل بأن اللصوص ينشطون في وقت...
تعب عبد الله العجوز من التنقل ببن المنازل التي دمرها الزلزال في القرية.. كل شيء تحول إلى دمار.. الجبل وأشجار الجوز وحدهما بقيا شامخين. جلس فوق هضبة مرتفعة بجانب الطريق يتأمل الخراب الذي سوى بيته مع الأرض.. لم يستيقظ بعد من الصدمة.. أغلب من سلم من نسله، أنقذته فرق الإغاثة صباح اليوم الموالي. لقد...
يومان بعد الزلزال، لم تبارح امي الباتول نشرات الأخبار في المذياع. ترفع صوت الجهاز، وإذا فاتها خبر، تقلب الموجة، وتبحث عنه في إذاعة أخرى. وفي المساء تشاهد التلفزيون رفقة زوجها السي عبد الله كما تحب أن تناديه.. تسأله وتُعلّق بين الحين والآخر على ما تتابعه.. عندما يبيت عندها ياسر حفيدها، تطلب منه...
بعد تناول القليل من الطعام، جلس عبد السلام أمام التلفاز رفقة أسرته الصغيرة. فجأة مادت الأرض، دوّى صوت مثل الرعد لا أحد يعرف مصدره، هل قدم من أعلى أم من أسفل؟؟ اهتزت الجدران، وانقطعت الكهرباء.. احتمت به الزوجة والأبناء.. الجميع يطلب اللطف من الله.. بعض الأواني سقطت وتكسرت في المطبخ، وزاد صوتها...
ذهبت لينا إلى صالون الحلاقة، وقررت أن تحلق شعرها حتى يلمع رأسها مثل حبة البصل. لم تفكر في العواقب. هي حرة تفعل في نفسها ما تشاء. تعرف بأن زمن الشعر الأسود الطويل موضة قديمة، ذهبت إلى غير رجعة. كل شيء يمكن اليوم تعديله أو تزويره بالمال. لون الشعر وطوله، الوجه والبشرة، الشفتان والمؤخرة... لو عاش...

هذا الملف

نصوص
187
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى