محمود عرفات

وقف أمام الباب متهيبًا. ثم دخل بخطى بطيئة. فاجأه عدد المنتظرين. همس بالتحية فصدح المكان برد مفعم بالود. جلس على أقرب مقعد يتأمل الجالسين في صفوف متوازية متقابلة. رأى أطفالًا وعجائز وشيوخًا وشبابًا وفتياتٍ. الصمت الذى صاحب دخوله تبدد سريعًا.. ودارت مطحنة الكلام فتطايرت الحروف والكلمات والهمسات...
أدخل الحجرة الضيقة بخطوات بطيئة. أحاول رسم ابتسامة عريضة على وجهي. لكن المرآة فضحت محاولتي. رأيتها راقدة على السرير ساكنة. اقتربت ولثمت جبهتها الباردة. تمتمت بأدعية السلامة والشفاء. لمستُ شعرها في رقة فتحركت عيناها بلمعة خاطفة تؤكد أنها انتبهتِ وعرفتني. أشرتُ لابنيها بالخروج فخرجا في هدوء وواربا...
بعد نصف ساعة.. فتحوا الباب ورأيتهم ينقلونها إلى غرفتها. فتحتْ عينيها في وهن.. فقلت وأنا أمسح جبينها برفق: حمدًا لله على سلامتك. ردت بهمهمة خافتة لم أتبينها. انصرف العمال بالتروللي وتركوا الممرضة التي أحكمت الغطاء عليها. لاحظت أنها وضعت لفافة صغيرة بالقرب من قدميها فظننت أنها عبوة دواء أو حقنة...
يجلس على دكة خشبية بثلاثة أرجل. يلقط النفس بصعوبة. يفكر في شربة من جهاز الاستنشاق لتفك كربه. ينظر إلى المكواة الرابضة على الطاولة الأرضية بحسرة. يراها كوحش خرافي يصعب ترويضه.. وهو الذى كان يلوي عنقها تحت قدمه.. فتتحرك بليونة على قطع الجلابيب الكبيرة فتفردها وتبسطها. يضغط خيوط القِطَان المشغولة...
رأتنى أمي فوقعت من طولها. لم أستطع أن أسرع نحوها. تصلبت فى مكاني على الكنبة بجوار أبي الذى هم بالنهوض. أخواتي البنات كنَّ يتحسسنني غير مصدقات. تركنني وقفزن لنجدة أمي التى أفاقت بعد ثوانٍ من الرعب. قمت نحوها. أحطتها بذراعي فتدفق نهر دموعها. تمتمات الحمد والدعاء الشاكر تخللت فيض الدموع. همت...
أجلس بالمقهى والنهار يستأذن فى الانصراف. أضع ساقا على ساق، وجسدي مسترخٍ فى مقعد البامبو المريح. أمسك فنجان القهوة بإصبعين.. الفنجان أقرب إلى فمي.. وعيني فى اتجاه الباب الزجاجى الذى فتح ببطء لتخرج منه سيدة تضخ عطرا وتسبقها هالة من ضياء. لا أذكر ماذا فعلت بالفنجان؟ ولا أدرى إن كنت رشفت القهوة أم...
أنظر من الشرفة. النهار يعطيني ظهره ويمضي. أعمدة الإنارة تصحو. والمصابيح تضيء فتلقي على جدران المنازل ظلالا مراوغة. النوافذ المغلقة تخفي حكايات. أنتظر أن تصحو أمى من النوم لأحكي لها. كيف أبدأ؟ هل أحدثها عن حسين المُحمَّدي.. زميلي الذى يكبرني بعشر سنين.. ستسمعني بهدوء.. ثم تتسع عيناها دهشة من عصف...
حسم أمره وكتب وصيته وأودعها بيده في خزانته. لا يعرف من الذي سرب مُحتواها. سمع أولاده يتهامسون، وزوجته تسمعهم وتبتسم، ثم تنهاهم عن الثرثرة. لا يذكر أنه تحدث مع أصدقاء النادي في هذا الأمر. ربما دارت حوارات حول أهمية الوصية وضرورة الوفاء بها. من حقه أن يكتب وصيته، وعلى الورثة تنفيذها ما دامت لا...
على النوتة يشترون طلبات البيت، المندوه البقال ذمته لامعة كالرخام، والولد الصغير الممصوص الوجه، ناجي، يتهجى الحروف والأرقام بصعوبة. يكتب على اللوح الإردواز بالطباشير حروفًا يمسحها، ويحاول طول اليوم أن يتذكرها. يجري بأعوامه القليلة وخطواته القصيرة ليحضر الحاجات لأمه، يطبق على النوتة بشدة، يجري إلى...
صحا شحته وحلمه اليومي المعتاد يكاد يكتمل. أربعون عامًا والحلم يصاحبه في المنام والصحو، يحتويه ليلًا فترف على وجهه ابتسامة مترددة. قبل زواجه كانت أمه تقوم من عز النوم فتغطيه وتراقب ابتسامته فيهتز فرحًا. بعد زواجه أوصت فايقة أن تأخذ بالها منه وتتركه لحلمه اليومي حتى تفرش وجهه ابتسامة الأمل. سألتها...

هذا الملف

نصوص
10
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى