كما بالعنوان فقد ضبطهما في حالة تلبس.. نظرا نحوه بهلع، فتراجع ببطء متحاشيا النظر مغلقاً الباب وراءه.
وقف وباب غرفة الجريمة خلفه. وقف وأغمض عينيه ليستطيع أن يفكر بهدوء.. لم يكن أمامه سوى مغادرة المنزل.
شمس الظهيرة حارقة، وكل أصدقائه بالعمل.. وإذ لم يكن من مكان يلوذ به، فقد ترك لقدميه حرية الحركة دون هدى...
تحمم جسده بالعرق، ولكنه لم يتوقف إلا أمام مدرسة ابتدائية متهالكة البناء.. فدلف إليها بخطوات بطيئة واستقبله ضجيج الصبية..
عرض التطوع لتدريس التلاميذ، فوافق الناظر مرحباً، بل وسلمه مقررات خمس من المواد.
قال الناظر: لن أثقل عليك، يمكنك تدريس مواد قليلة، فقط اللغة العربية والرياضيات والعلوم والتاريخ والجغرافيا.
بتردد سال الناظر عن ميس المعلمين، ( هل يمكنني البقاء في الميس لبضعة ايام؟). وافق الناظر وقاده للميس.
كانت رائحة الميس عطنة، كانت هناك رائحة بول وخمر بلدية. لكنه نسى كل شيء حين تمدد على السرير الحديدي الصدئ. هناك أربعة من المدرسين يلعبون الورق، وخامس يقرأ القرآن وسادس يلعب بهاتفه المحمول.
غير أن مشهد الخيانة ظل عالقاً ببصره ، مع ذلك فقد كان عقله معطلاً تماماً. (هناك شيء مقيت في ذلك المشهد) ؛ يقول لنفسه محاولاً طرد المشهد من ذاكرته.
يصيح التلاميذ خلفه: ( ألف.. باء.. تاء.. ثاء...)..فيقفز قلبه من بين ضلوعه حين يتبدى له المشهد كشيطان الموت... الشيء المقيت كرائحة الميس العفنة.
بصعوبة يحرك تلميذ الجرس فيجلجل، يحمل هو كتابه ويجمع طبشوره بسرعة ويغادر.
هناك شيء مقيت في ذلك المشهد..يقول وهو يحتسي كوب شايه ساهماً..
يسمع رنين هاتفه ويتأمل رقم زوجته بفزع.. ماذا تريد؟.. يتجاهلها..فترن عليه مرات عدة أخرى.. يفتح الخط ويبقى صامتاً فيأتي صوتها خشنا كصوت مصارع:
- عباس.. اسمعني يا عباس... ألو.. هل انت معي على الخط.. أرجوك قل ألو...
يكفهر وجهه ولكنه يشعر بخجل شديد، كان يفضل لو تجاهلت كل شيء ولم تتصل به، لكنها حاسمة كما عرفها دائماً؛ فتواصل:
- عباس..ما رأيته شيء عادي بين النساء يا عباس... النساء مثليات بطبعهن.. نعم أنا مثلية ورضيَّة جارتنا أيضاً.. لا توجد امرأة لا تعشق جسد المرأة ..
ظل صامتاً، فاستمرت:
- عادي بين النساء أن يمارسن الجنس مع بعضهن.. وهذا لا يقلل من قدرات الرجل.. ولكن لأن المرأة تفضل ألا تخون زوجها مع رجل آخر... هذا كل شيء.. رضيَّة تحبني وأنا أحبها.. لكن هذا لا يقارن طبعاً بحبي لك... لا تجبرني على الخيار بينكما.. أرجوك.. ولكي تدرك وفائي لك سأخبرك بأنها قررت ترك زوجها.. زوجها الطبيب الغني لنعيش انا وهي سوياً لكنني رفضت... رفضت من أجلك.. ضحيت بسعادتي الأبدية من أجلك وأجل طفلتنا الصغيرة أيضاً... ألو.. ألو.. أين أنت.. أنت لا تصدقني.. لكن صدقني.. لو خيرتني بينك وبينها سأختارك أنت.. إن..
أبعد الهاتف عن أذنه وتركها تتكلم وهو يرشف القطرة الأخيرة من كوب الشاي...
لم يرَ جسد امرأته بكل ذلك الزخم كما رآه مع زوجة الطبيب.. كان جسد المرأتين ساخناً ورطباً...كان مشهداً فجر فحولته، رأى الجنس بعين مختلفة. النعومة الشاملة، الإنسيابية، قطرات ندى على الجلد الناعم تلمع، أبراج شاهقة في مدينة صاخبة ومحتشدة بالتحضر وغلالات الغمام تحيط بقممها... داهمه ذلك الشعور المقيت عندما فتح باب الغرفة ورآهما... تراجع ببطء كضبع يتضور جوعاً من فريسة تحيط بها اللبؤات...
أدرك أن هناك نقصاً حاداً في علاقته الحميمة بزوجته.. فهو ما كان ليبلغ معها هذا الحد من الكمال. كمال اللوحة الفنية لجسدين أنثويين ناعمين في التحام الأفاعي الملونة...
كان مشهداً مقيتاً، فرفع السماعة مرة أخرى، وسمع صوتها:
- عباس.. المسائل لا تؤخذ بهذه الحدة.. ماذا تريد يا عباس.. اخبرني فقط..قل أي شيء ولكن لا تصمت هكذا....
قال بصوت مرتعش:
- أريد أن أراكما مرة أخرى...
صمتت قليلاً ثم قالت:
- لم أفهم؟
قال بذات النبرة:
- أريدكما أن تفعلا ذلك مرة أخرى..
ابتلع غصة جافة ككومة تراب، فقالت بدهشة مصحوبة ببكاء مكتوم:
- ماذا تقصد يا عباس؟..
قال:
- أقصد ما قلته بالضبط... هيا.. سأعود وأجدكما كما تركتكما...
قالت بخوف:
- ماذا تريد أن تفعل؟
همس:
- لا تخافي...لن أفعل شيئاً...
همست باكية:
- أرجوك..
فأغلق الخط..
على الزاوية المظلمة كان جسده يرتعش، وعضلاته تتمدد، كان يشاهد اللوحة الفنية وهي بكامل أناقتها... كان يراقب الكمال المطلق.. محلقا في نشوة لم يعهدها من قبل..
(تمت)
وقف وباب غرفة الجريمة خلفه. وقف وأغمض عينيه ليستطيع أن يفكر بهدوء.. لم يكن أمامه سوى مغادرة المنزل.
شمس الظهيرة حارقة، وكل أصدقائه بالعمل.. وإذ لم يكن من مكان يلوذ به، فقد ترك لقدميه حرية الحركة دون هدى...
تحمم جسده بالعرق، ولكنه لم يتوقف إلا أمام مدرسة ابتدائية متهالكة البناء.. فدلف إليها بخطوات بطيئة واستقبله ضجيج الصبية..
عرض التطوع لتدريس التلاميذ، فوافق الناظر مرحباً، بل وسلمه مقررات خمس من المواد.
قال الناظر: لن أثقل عليك، يمكنك تدريس مواد قليلة، فقط اللغة العربية والرياضيات والعلوم والتاريخ والجغرافيا.
بتردد سال الناظر عن ميس المعلمين، ( هل يمكنني البقاء في الميس لبضعة ايام؟). وافق الناظر وقاده للميس.
كانت رائحة الميس عطنة، كانت هناك رائحة بول وخمر بلدية. لكنه نسى كل شيء حين تمدد على السرير الحديدي الصدئ. هناك أربعة من المدرسين يلعبون الورق، وخامس يقرأ القرآن وسادس يلعب بهاتفه المحمول.
غير أن مشهد الخيانة ظل عالقاً ببصره ، مع ذلك فقد كان عقله معطلاً تماماً. (هناك شيء مقيت في ذلك المشهد) ؛ يقول لنفسه محاولاً طرد المشهد من ذاكرته.
يصيح التلاميذ خلفه: ( ألف.. باء.. تاء.. ثاء...)..فيقفز قلبه من بين ضلوعه حين يتبدى له المشهد كشيطان الموت... الشيء المقيت كرائحة الميس العفنة.
بصعوبة يحرك تلميذ الجرس فيجلجل، يحمل هو كتابه ويجمع طبشوره بسرعة ويغادر.
هناك شيء مقيت في ذلك المشهد..يقول وهو يحتسي كوب شايه ساهماً..
يسمع رنين هاتفه ويتأمل رقم زوجته بفزع.. ماذا تريد؟.. يتجاهلها..فترن عليه مرات عدة أخرى.. يفتح الخط ويبقى صامتاً فيأتي صوتها خشنا كصوت مصارع:
- عباس.. اسمعني يا عباس... ألو.. هل انت معي على الخط.. أرجوك قل ألو...
يكفهر وجهه ولكنه يشعر بخجل شديد، كان يفضل لو تجاهلت كل شيء ولم تتصل به، لكنها حاسمة كما عرفها دائماً؛ فتواصل:
- عباس..ما رأيته شيء عادي بين النساء يا عباس... النساء مثليات بطبعهن.. نعم أنا مثلية ورضيَّة جارتنا أيضاً.. لا توجد امرأة لا تعشق جسد المرأة ..
ظل صامتاً، فاستمرت:
- عادي بين النساء أن يمارسن الجنس مع بعضهن.. وهذا لا يقلل من قدرات الرجل.. ولكن لأن المرأة تفضل ألا تخون زوجها مع رجل آخر... هذا كل شيء.. رضيَّة تحبني وأنا أحبها.. لكن هذا لا يقارن طبعاً بحبي لك... لا تجبرني على الخيار بينكما.. أرجوك.. ولكي تدرك وفائي لك سأخبرك بأنها قررت ترك زوجها.. زوجها الطبيب الغني لنعيش انا وهي سوياً لكنني رفضت... رفضت من أجلك.. ضحيت بسعادتي الأبدية من أجلك وأجل طفلتنا الصغيرة أيضاً... ألو.. ألو.. أين أنت.. أنت لا تصدقني.. لكن صدقني.. لو خيرتني بينك وبينها سأختارك أنت.. إن..
أبعد الهاتف عن أذنه وتركها تتكلم وهو يرشف القطرة الأخيرة من كوب الشاي...
لم يرَ جسد امرأته بكل ذلك الزخم كما رآه مع زوجة الطبيب.. كان جسد المرأتين ساخناً ورطباً...كان مشهداً فجر فحولته، رأى الجنس بعين مختلفة. النعومة الشاملة، الإنسيابية، قطرات ندى على الجلد الناعم تلمع، أبراج شاهقة في مدينة صاخبة ومحتشدة بالتحضر وغلالات الغمام تحيط بقممها... داهمه ذلك الشعور المقيت عندما فتح باب الغرفة ورآهما... تراجع ببطء كضبع يتضور جوعاً من فريسة تحيط بها اللبؤات...
أدرك أن هناك نقصاً حاداً في علاقته الحميمة بزوجته.. فهو ما كان ليبلغ معها هذا الحد من الكمال. كمال اللوحة الفنية لجسدين أنثويين ناعمين في التحام الأفاعي الملونة...
كان مشهداً مقيتاً، فرفع السماعة مرة أخرى، وسمع صوتها:
- عباس.. المسائل لا تؤخذ بهذه الحدة.. ماذا تريد يا عباس.. اخبرني فقط..قل أي شيء ولكن لا تصمت هكذا....
قال بصوت مرتعش:
- أريد أن أراكما مرة أخرى...
صمتت قليلاً ثم قالت:
- لم أفهم؟
قال بذات النبرة:
- أريدكما أن تفعلا ذلك مرة أخرى..
ابتلع غصة جافة ككومة تراب، فقالت بدهشة مصحوبة ببكاء مكتوم:
- ماذا تقصد يا عباس؟..
قال:
- أقصد ما قلته بالضبط... هيا.. سأعود وأجدكما كما تركتكما...
قالت بخوف:
- ماذا تريد أن تفعل؟
همس:
- لا تخافي...لن أفعل شيئاً...
همست باكية:
- أرجوك..
فأغلق الخط..
على الزاوية المظلمة كان جسده يرتعش، وعضلاته تتمدد، كان يشاهد اللوحة الفنية وهي بكامل أناقتها... كان يراقب الكمال المطلق.. محلقا في نشوة لم يعهدها من قبل..
(تمت)