زعيبل في السابعة والثلاثين، أهطل قليلاً، يجلس بين ركبتي أمه فتسأله:
- عاوز تبقى شنو لما تكبر يا حبيبي؟
فيرد بصوت غليظ وبطيء:
- عاوز ابقى.... دكتوووور..
فتمسح أمه شعره وتهمس باسمة:
- حتبقى دكتور كبير..
وينام زعيبل ويستيقظ وينام ويستيقظ كما ظل يفعل منذ سبعة وثلاثين عاماً.. وتمسح له أمه شعره كل مساء، وهما فوق السرير الموضوع في الحوش تحت حائط المنزل الشرقي وتسأله:
- عاوز تبقى شنو بكرة لما تكبر؟
فيشهق وتتراقص تفاحة حنجرته ويرد بصوته الحوتي:
- عايز أبقى ..دكتووور..
ثم تمضي الأيام، صباحا ومساء، مساء وصباحاً... فيبلغ الأربعين، ثم الخمسين وتشيخ أمه وتمرض... وفجأة يجد نفسه في الحوش وحيداً على السرير تحت الحائط الشرقي. عيناه جزعتان... والجو حار وصامت... فيتذكر أمه، وسؤالها المعهود، ويشعر بطيف اصابعها يمسح شعره، فيصيح:
- دكتوووور.... دكتووور...
ولكن الليل يهبط عليه بسرعة، ويظلم المنزل، ويغرق في السكون... فيزداد خوف زعيبل... ينكمش وسط السرير وعيناه مستديرتان على اتساع محجريهما... ويصيح:
- دكتوووور...
ثم يرفع صوته أكثر:
- دكتوووور...
ينسى ملامح تلك المرأة تماماً، فيتمسك بالكلمة الوحيدة التي تربطه بذكراها:
- دكتوووور...
يزوره جاره صباحاً ويعطه طعاماً قليلاً، فالقرية كلها تعاني من شظف العيش... ثم يزوره جاره ومعه ثلاثة رجال آخرين، يخرجون زعيبل من منزل والدته المتوفية، ويلقون به في الشارع... ليطوف القرية حافياً حاسر الرأس وهو يصيح:
- دكتوووور...
تخرج امرأة وتصيح بدورها وتطلب منه عدم إزعاج الناس أثناء قيلولة النهار الحار ... فيتوقف عن الصياح، ويأتي مساء ويأتِي صباح وهو مكوَّم في أي ركن من أركان منازل القرية، وينسى الكلمة... فيلطم خديه، ويهيم على وجهه، وقد يستخدمه أي شخص في أعمال بسيطة مقابل الطعام...
- تعال شيل..
يقول والد فتاة مريضة يحاول رفع ابنته على سيارة الأجرة، يرفع زعيبل الفتاة، فتشهق الفتاة، وتهبط بسرعة وهي مذهولة... تطيب الفتاة من المرض، وتتكرر المعجزة، إذ يُشفى كل من يلمسه زعيبل.. العُمي يبصرون، الصم يسمعون، البكم يتحدثون، يتحول زعيبل لمعجزة، فيقصده الناس بمرضاهم وهم يحملون التقدمات.
يمنحونه كل ما يملكونه ليشفي لهم مرضاهم، وحين يخاف من تجمهرهم حوله، يختفي في غرفة منزله القديم الذي أعاده له جاره اللص... يتجمهر الناس حول المنزل.. ويصيحون:
- دكتووووور....
يتذكر زعيبل الكلمة.. وطيف أمه.. فيخرج لهم وهو يصيح:
- دكتوووووور.....
ثم يباركهم بلمساته المقدسة...
-----ه------
أمل الكردفاني
- عاوز تبقى شنو لما تكبر يا حبيبي؟
فيرد بصوت غليظ وبطيء:
- عاوز ابقى.... دكتوووور..
فتمسح أمه شعره وتهمس باسمة:
- حتبقى دكتور كبير..
وينام زعيبل ويستيقظ وينام ويستيقظ كما ظل يفعل منذ سبعة وثلاثين عاماً.. وتمسح له أمه شعره كل مساء، وهما فوق السرير الموضوع في الحوش تحت حائط المنزل الشرقي وتسأله:
- عاوز تبقى شنو بكرة لما تكبر؟
فيشهق وتتراقص تفاحة حنجرته ويرد بصوته الحوتي:
- عايز أبقى ..دكتووور..
ثم تمضي الأيام، صباحا ومساء، مساء وصباحاً... فيبلغ الأربعين، ثم الخمسين وتشيخ أمه وتمرض... وفجأة يجد نفسه في الحوش وحيداً على السرير تحت الحائط الشرقي. عيناه جزعتان... والجو حار وصامت... فيتذكر أمه، وسؤالها المعهود، ويشعر بطيف اصابعها يمسح شعره، فيصيح:
- دكتوووور.... دكتووور...
ولكن الليل يهبط عليه بسرعة، ويظلم المنزل، ويغرق في السكون... فيزداد خوف زعيبل... ينكمش وسط السرير وعيناه مستديرتان على اتساع محجريهما... ويصيح:
- دكتوووور...
ثم يرفع صوته أكثر:
- دكتوووور...
ينسى ملامح تلك المرأة تماماً، فيتمسك بالكلمة الوحيدة التي تربطه بذكراها:
- دكتوووور...
يزوره جاره صباحاً ويعطه طعاماً قليلاً، فالقرية كلها تعاني من شظف العيش... ثم يزوره جاره ومعه ثلاثة رجال آخرين، يخرجون زعيبل من منزل والدته المتوفية، ويلقون به في الشارع... ليطوف القرية حافياً حاسر الرأس وهو يصيح:
- دكتوووور...
تخرج امرأة وتصيح بدورها وتطلب منه عدم إزعاج الناس أثناء قيلولة النهار الحار ... فيتوقف عن الصياح، ويأتي مساء ويأتِي صباح وهو مكوَّم في أي ركن من أركان منازل القرية، وينسى الكلمة... فيلطم خديه، ويهيم على وجهه، وقد يستخدمه أي شخص في أعمال بسيطة مقابل الطعام...
- تعال شيل..
يقول والد فتاة مريضة يحاول رفع ابنته على سيارة الأجرة، يرفع زعيبل الفتاة، فتشهق الفتاة، وتهبط بسرعة وهي مذهولة... تطيب الفتاة من المرض، وتتكرر المعجزة، إذ يُشفى كل من يلمسه زعيبل.. العُمي يبصرون، الصم يسمعون، البكم يتحدثون، يتحول زعيبل لمعجزة، فيقصده الناس بمرضاهم وهم يحملون التقدمات.
يمنحونه كل ما يملكونه ليشفي لهم مرضاهم، وحين يخاف من تجمهرهم حوله، يختفي في غرفة منزله القديم الذي أعاده له جاره اللص... يتجمهر الناس حول المنزل.. ويصيحون:
- دكتووووور....
يتذكر زعيبل الكلمة.. وطيف أمه.. فيخرج لهم وهو يصيح:
- دكتوووووور.....
ثم يباركهم بلمساته المقدسة...
-----ه------
أمل الكردفاني