علي صالح المصري - ترميم مومياء

فكرة
فداء العجمي
قصة وحوار /
أ/ علي صالح المصري













الجرح الأول بعد المائة

صورة ضبابية تلوح أمام عينيها لامرأة ترتدي زيها الأبيض . تقف بجوارها . أصوات متداخلة لشاشة تلفزيون . رنة جوال .مع صوت شخص يتحدث بجوارها .
حركت نوف شفتيها بصرخة الم لمائة جرح تعصر جسدها .شهر انقضى تنتهي بجرح يعد الواحد بعد المائة في وريدها الأيسر حينما قامت الممرضة بحشر حقنة الفلتارين المسكنة.
ــــ أستأذنك -
تخرج الممرضة وتغلق الباب خلفها , تستسلم نوف لعقلها وأفكارها مرة أخري .
***
شهر انقضى وهي على تلك الحالة . وفي اليوم الواحد والثلاثون .استفاقت نوف من سبات طويل لتجد نفسها في غرفة ذات جدران بيضاء و على الجدار المقابل لسريرها شاشة تلفزيون تعرض صور للمستشفى و اسمه بصوت مكتوم
وعلى الجدار الآخر نافذة واسعة تطل على سماء زرقاء داكنة . ملبدة بالغيوم معلنة عن طقس سيئاً . شعرت نوف بلحظة عناد تلفت رأسها وهي ما زلت مقيده في سريرها لتبحر بخيالها عبر النافذة المفتوحة. تنظر إلى السحابة الذائبة في جوف السماء كصبية فقدت عذريتها و تبكي بحرقة ابتسمت نوف حينما لمست قطرات المطر الصغيرة وجهها و تركت الرياح تحرك تلك الأوراق التي تركتها الممرضة بجوارها وتحرك خصلات شعرها على وجهها . في تحدي وعناد وكأنها تقول لتلك الرياح الباردة . أنا نوف عاشقة للشتاء أنا نوف الفتاة التي لا تخاف لسعة البرد أنا الفتاة التي لا تنكسر ومهما كانت التضحية لن اسقط في معركة مع زوجي .
شردت قليلاً تتأمل بين البنايات المتزاحمة أين يقع منزلها الذي تركت فيه أبناءها وزوجها الخائن الذي طالما فرش لها الحياة أمل. حينما كانت تملك جسد كعود الخيزران . و لم ينبهها حينما غزت السمنة ذلك الجسد الذي طالما ذابت رجولته عند أطرافه . تدحرجت دمعه ساخنة على خدها وكأنها خرجت من رماد ذكرياتها حينما رأت زوجها يخونها مع فتاة سمراء ذات جسد ممشوق .
تطلق نهده عالية ثم تفر شفتيها بابتسامه صفراء صغيره تشعر إنها قريبة من الانتصار وتمتلك جسدها الساحر , ولكنها لن تمكنه منه بل ستجله يتمنى لمسها كل يوم .
تقطع شرودها علي صوت طرقات علي الباب لتلفت هامسة بصوت مشجوب
ـــ أدخل
تدخل الممرضة سارة قائلة :
ــ صباح الخير مدام نوف ... أتمني ان يكون حالك أفضل اليوم .
ــ إلي حد ما , ــ الحمد لله
تتجه الممرضة لتغلق النافذة ونوف لا تلتفت إليها ناظرة ثم تغلق شاشة التلفاز ونوف تبقى في مكانها بحالة من الشرود المصطنع ثم توجه سؤالاً للممرضة
ـــ أشعر بثقل جسدي ولا أستطيع تحريكه !! مع إني لم أتخيل أن يصل الألم لهذا الحد .
تجيب الممرضة وهي ترتب الأوراق التي بيديها :
- أنتي تتماثلين للشفاء جيدا ؟
لم ترد نوف على تعليقها وبعد صمت قصير سالت نوف :
ــ متى سيتم إزاحة هذه الأشياء الملفوفة على جسدي ؟
تجيب الممرضة وهي تنظر إلى عيني نوف المتورمة و تشعر بالشفقة عليها ثم تجيب :
ـــ ربما غدا ,الدكتور ميشيل يتابع حالتك بنفسه .
تهز نوف رأسها بشرود ثم تقول :
ـــ بعد كل هذه المعاناة . أتسأل كيف سأرى جسدي ؟!!
تضع الممرضة تلك الأوراق في مكانها بعد ان فحصتها ثم تعلق قائلة وكأنها تشاطرها الشعور :
ــ سيدتي . يجب ان تكوني قويه لتتقبلي النتيجة كيفما كانت .وو
قاطعتها نوف بذعر قائله :
ــ ماذا ؟؟
تنتبه الممرضة وكأنها صعقتها ثم قالت بتحايل :
ــ لا شيء يستحق الذعر سيدتي . لا اقصد إخافتك عمليتك ناجحة مائه بالمائة . و الدكتور ميشيل فخور بنفسه ويشعر انه حقق نجاح كبير في هذه العملية .
في نفس الوقت يرن جوال الممرضة فتخرج الجوال وتنظر إليه ثم تضيف وهي تنظر الى نوف :
ـــ هل تأمرين بشيء سيدتي ؟؟
لم تعلق نوف على كلامها واكتفت بالنظر إليها وهي تغادر المكان .
ولكن حالة من الخوف تملكت نوف و عشرات الأسئلة تدور في رأسها .
ـــ كيف سترى جسدها غدا ؟
وهل ستراه جسدا ممشوقا جميل كما تحلم به ؟؟
أم سيكون كجسد تلك الفتاه التي عرضه لها الدكتور ميشيل على شاشة حاسوبه المحمول .
ولكنها أيضا لم تعد تعتبر الدكتور ميشيل رجل صادق .لأنه حينما اخبرها عن مدى الألم لم يكن صادقا . وقد تساهل أمره . مع انه الم لا يطاق .
بقيت تحدث نفسها . بعد نهده مكتومة
ـــ كل هذا لا يهم . المهم ان تتخلص من ذلك الحجم الضخم الذي لم تستطع تحمله حينما يقوم زوجها بالحديث عنه . وتعود بجسم جميل . أغمضت عينيها تحاول عنوه ان تتخلص من تلك الأفكار التي أصبحت كابوس العن من كابوس السمنة التي تمقته .
أطلقت نهدة عالية وهي تتمايل في سريرها بقلق .تقطع أصابعها .تعظ شفتيها .تغطي وجهها .
شعرت وكأن بركان من الخوف تفخر بداخلها . لينفث حمم من الدموع تحرق خديها المنهكة .
أدركت نوف انه لا شيء سوف يخلصها من هذا العناء سوى الحقنة . رفعت سماعة الهاتف القابع بجوارها . وتوسلت إلى الممرضة تطلب الحقنة المنومة . ورغم ان تلك الممرضة لم تكن توافقها على الحقنة . ولكن شفقتها عليها سابقا جعلتها تشعر بحاجة نوف لهذه الحقنة .
أقبلت الممرضة و كطبيعتها . الفضولية و أردفت قائلة :
ــ سيدتي . من الأفضل ان تقاومي لتحصلي على نوم طبيعي .
ــ اشعر بالجنون . يا نرمين . وأريد ان أنام أريد ان اقتل مئات الأفكار اشعر إنها ستقتلني ان لم اقتلها أولا .





الهي العظيم ! ماذا عن بقية جسدي ؟؟؟
أعلنت شمس اليوم الثاني والثلاثون ميلاد يوم جديد .وأرسلت أشعتها الذهبية إلى الأرض لتبحث عن تلك الفتاة التي أحبت زوجها بجنون و قررت ان تنحت جسدها وتقدد جلدها من اجل ان ترضي عيون حبيبها . فتعيش في العذاب المهين ثلاثون ليلة .
وهبطت أشعة الشمس إلى الأرض تبحث عن تلك الفتاه التي خاطرت بحياتها وأسلمت عنقها لسيف الموت من جديد .
لتعرف من هي تلك الفتاة العاشقة المتيمة . ومن هو حبيبها الذي يستحق ان تفعل كل هذا من اجله .
من اجل ان يتجاوب لسحر جسدها وتستعيده لها وحدها .
مسحت أشعة الشمس تلك المدينة الواسعة و تفحصت تلك المباني.
واطلعت على أفئدتها . لتتوقف على سطح بناية شاهقة . تقبع على رأسها لوحة دعائية تحمل اسم مستشفى الدكتور ميشيل للتجميل .
غاصت أشعة الشمس في أغوار تلك البناية لتبحث عن نوف في الطابق التاسع الذي تحتله الصالة الرياضية . لتهبط بعد دقائق ثلاث إلى الطابق الثامن . تبحث بين تلك الحجرات الكبيرة الممثلة بالأزياء الساحرة التي صنعت لتخفي إسرار الخداع
تزداد توهج أشعة الشمس أكثر تشعل نورها في أرجاء الدور الثالث للبحث بين تلك الفتيات العاريات اللواتي يخضعن للمساج ولا تجدها بينهن .
و تواصل أشعه الشمس مسحها لأرجاء المستشفى
تشع بقوه كلما مرت دقيقة أخرى من سويعات الصباح وكأنها تبحث عن نوف .
في الدور الثاني لمحت أشعه الشمس من خلال النافذة رجل في الأربعين من عمره
يجلس أمام جهاز الكمبيوتر وبجواره فتاه أربعينية من العمر يبدوا إنها ضحية أخرى .
تطالع إلى شاشه التلفاز ذلك البرنامج ألإغرائي الذي سحر نوف إلي هذا العالم
توقفت أشعه الشمس علي نافذة الغرفة
وتسللت خلسة عبر نافذة كبيره لتطبع قبله دافئة علي جبين نوف المستلقية علي سريرها نائمة مع براءتها تحتضن حلمها الصغير في استعادت جسدها الجميل .
استفاقت نوف لتشاهد الدكتور ميشيل و ألممرضه نرمين يقفون بجوارها
وقف ميشيل بجوار النافذة بابتسامه الصغيرة التي يخفي خلفها أنياب الجشع وقال:
- صباح الخير مدام نوف
اعتدلت في السرير وقالت
- صباح النور دكتور .
ثم أضاف مستطرد :
- الحمد لله على سلامتك مدام اليوم ستودعين السرير
لم تعلق على كلامه و بقيت صامته لوقت قصير ثم سألت بشوق :
- هل اليوم ســ....
قاطعها الدكتور ميشيل
- نعم اليوم سوف تودعي هذا السرير وتتخلصي من هذي الضمادات
- لدي سؤال شخصي
هزت رأسها إيجابا وهو يضيف
- هل قطعتي وعدا والتزمي به ؟
أطلقت نهده صغيره وقالت :
- ما ألقيت بنفسي بين يديك لتقطع جسدي كيف تشاء إلا لأجل وعدا قطعته لزوجي إني سأعود أفضل من تلك الساقطة التي يخونني معها .
- أنا فخور بك, ولكن عديني ان ٍتنفذي تعليماتي لبقية الإجراءات الخاصة .
هزت رأسها . بإيجاب شعور بالخوف يتملكها .
- أعدك .
ثم ابتسم وأضاف قائلا :
ـ نرمين ستقوم بنزع الضمادات .
ثم يمسك الدكتور بيدها لتقوم من السرير ويأخذها إلى زاوية الغرفة حيث يوجد ميزان لقياس وزن الجسم تضع أقدامها على الميزان وهي تغمض عينها حسب طلب الدكتور
ثم تفتح عينها والدكتور يقول بفرح :
- مدهش . خسرت ثلاثون كيلو .
تبتسم نوف وهي تشعر بخفه جسدها .
ربت الدكتور ميشيل على كتف نوف و هو يبتسم بارتياح و قال وهو ينظر إلى نرمين وقال :
ــ نرمين . انزعي الضمادات . و لا تبقي السيدة نوف لوحدها . هاه ؟
ثم يغادر المكان . و قامت نرمين الممرضة بإزالة الضمادات . تصبح نوف عارية تماما
وقفت نوف أمام مراه كبيره لتري نفسها ثم ترى جسدها أصبح خفيفا .
ابتسمت نوف . وهي تشاهد صدرها أصبح مشدود ارتكزت نهودها .
تحسست بيدها تحت ثديها الأيمن. وجدت . وجدت أشياء غريبة تنبت تحت الثدي . بقايا جروح ذات صلة بألم سحيق يطفو على صفحة قلبها الحزين . حركت يدها بسرعة باتجاه ثديها الآخر ندبات محفورة تحت ثديها الأيسر. تتلمسها بقلق واضح وكأنها تعزف قيثارة حزينة نبتت أوتارها في حنايا ضلوعها التي تحبس قلبا ينتفض خلفها . وكأنها تشعر بضربات قلب يتقطع حيثما تقف يدها تماما
أحست بحرقة تغزو عينيها . نظره إلى عينيها في المرآه الطويلة التي تشاركها الحزن ذاته . تقول في نفسها
ــ الهي العظيم . ماذا عن بقية جسدي ؟؟؟ ماذا حل بجسدي الذي كنت قد أحسنت خلقه .
تذكرت إطراء زوجها خالد حينما رأى جسدها لأول مره وقال ان كل النساء خلقت من طين إلا جسدك يا نوف خلق من ياسمين ألجنه .
دمعة ساخنة سقطت على صدرها و شقت طريقها المتعرج لتصل إلى وسط جذعها لتختفي دمعتها بين خرشات خيوط مدببه. انتشرت كحبات رمل ملتهبة زرعتها عفاريت المرض .
غصت حلقها لتبتلع ألف دمعه حزينة و ذرفت ألف دمعة يتيمة لتقف على ألف قبر مفتوح دفنت فيه نعومة جسدها .
كل الجروح التي خلفتها تلك العملية تراها قبور راقدة على جسده على جسدها . أرادت نوف ان تتفقد ماذا حل بفخذيها . وجدتها هي الأخرى لم تكن في سلم من العذاب. رأتها ناعمة من البعيد ولكنها محروقة باكية عن قرب .
جفت دموع نوف وعينيها تتسع باندهاش . وهي تكيل لنفسها اللعنات . لا تصدق ما الذي راءته على جسدها للتو ؟!
هل هذا هو جسدها ؟؟ الذي خلق من ياسمين الجنة ؟ لم يعد احد يرغب برؤيته . ولم اعد احتمل ان أراه . ترفع رأسها إلى السماء تقول من تحت غصة :
ــ الهي أردت جسدا جميلا لأغيض به عيون من احرقني بخيانة . فلسعتني ناري قبل ان تلسعه .
أغمضت عينها تتمنى ان يكون كابوسا لعين . ثم فتحتها ببطء . ولكنها
رأت جسدا مشوها وكأنه جسدا لمومياء محروقة .
تسارعت ضربات قلبها . وانفجرت باكية تقول في نفسها :
ــ احترق جسدي . احترقت أحلامي كأوراق كتاب تشتت أوراقه الرياح.
صعقت نوف نوبة جنون و صاحت تلطم وجهها . حاولت نرمين ان تمسك بها لكنها دفعتها بعيدا و تحركت تجوب الغرفة عارية ترمي بكل ما وجدته على المرأة و على زجاج النافذة مرة أخرى . و تكيل اللعنات لذلك الطبيب المخادع
تجمعن حولها الممرضات وامسكن بها وهي تتشبث بالنافذة تحاول القفز عبر النافذة للتخلص من ذلك الجسد العاري المشوه . انهارت قواها تحت قبضتن ثلاث نساء و جثت على الأرض محطمه تنعي جسدها .
أسرعت نرمين وجهزت حقنة منوم وحقنتها . وهي تنتفض بين أيديهن وتصيح كطير لم يحسن ذبحه لحظات ويخفت صراخها رويدا . رويدا . ثم حملنها إلى السرير لتغرق في نوم عميق
يغادرن الممرضات المكان ما عدا نرمين تبقى بجوارها . تتوقع صدمة قاتله لحياة نوف .
تنظر إليها بإشفاق يتملكها شعور بكراهية للدكتور ميشيل الذي أوهم هذه المسكينة بجسد جميل ممشوق ولكنها تفاجئ بجسد مشوه . فقررت نرمين ان على الدكتور ميشيل ان يعلم بما حدث ليشعر بذنب ما اقترفت يداه .
اتصلت به نرمين وأخبرته بحالة الانهيار الحادة التي وصلت إليها نوف ٍ
اخبرها الدكتور ميشيل بدوره ان تبقيها تحت تأثير المنوم حتى ينتهي من عمليه اخرئ . وبقيت نوف بحالة نفسيه حرجه تعتدل من نومها فجأة
تبكي وتصيح ثم تعود إلى النوم
لم يكترث الدكتور ميشيل للصدمة والانهيار العصبي الذي حدث لنوف
فهو يتوقع ان ذلك سيحدث ولكنه يعرف ان نوف سوف تتجاوزها
وتعمد الدكتور ميشيل ان يتشاغل خارج المستشفى حتى تهدأ تلك النوبة .
في اليوم الرابع والثلاثين اتصل الدكتور ميشيل بنرمين وسأل عن نوف وحالتها النفسية
فأخبرته نرمين إنها قضت ليله سيئة جدا ولكنها أصبحت هادئة الآن .
فاخبرها انه قادم لرؤيتها
***
دخل الدكتور ميشيل على نوف بابتسامه عريضة وجلس إلى جوارها . يسألها عن حالها . ولكنها لم ترد .وبقيت تنظر إلى الأرض بصمت سحيق .
أعطى الدكتور ميشيل إشارة لنرمين بالمغادرة .وامتثلت نرمين لآمره و بقي هو إلى جوار نوف يقول بثقة :
ـــ لا تهولي الأمور يا مدام نوف .. ان التغيرات ما زلت حديثه بعد إجراء العملية ومن الطبيعي انك تعتبرينها تشوهات جسديه ولكنها ستختفي قريبا.
نظرت إليه نوف بعين تشع بالكراهية وقالت :
ــ بل هي تشوهات حقيقية . ولن تختفي إلا باختفاء جسدي تحت التراب .
يهمهم .ثم يستطرد قائلا .
ــ امممم . مدام نوف يجب ان تعرفي انك خضعت لثلاث عمليات . الأولى عملية لزالت الدهون ومن ثم عملية تكتيم . ومن ثم عملية جراحية لشد الترهلات .ولهذا السبب ظهرت بعض التجاعيد .
علقت نوف بحقد قائلة :
ــ لقد كنت غبية حينما تركت لك جسدي تتاجر فيه بعملياتك الفاشلة . ولم أكن اعرف ان عدد العمليات التي تتباهى باجراها يوميا , ليس إلا لكسب المال وليس لأنك ماهر في عملك .
يطلق الدكتور ميشيل ضحكه قصيرة عالية . ثم يمد يده لها قائلا :
ــ مدام نوف نحن لم ننتهي بعد . تعالي معي الآن وستعرفين إني نجحت فعلا وانك حصلت على الجسد الذي تحلمين به .
اخذ بيدها ونزل بها إلى حجرة الأزياء الواسعة .
***
كانت نرمين والسيدة توش المصممة للأزياء بانتظارها وهي تحمل الفستان الذي اعتنت بتصميمه ليناسب جسدها الجديد .
ترك الدكتور ميشيل ذراع نوف أمامها ثم ابتسم كعادته وقال :
ــ حان دورك سيده توش . مدام نوف لم تقتنع بعد إنها عادت شابه . وتملك جسدا مثير .
ابتسمت ألسيده توش وهي تمسك بيد نوف وقالت :
ــ سأشكرك أنا نيابة عنها .لان مدام نوف بعد ان أصبحت بهذا الجسد سوف تتخلص من ملابسها القديمة و تصبح زبونتي المفضلة
***


الجسد الذي تحت هذا الفستان ليس جسدي !
ساعدتها توش في ارتداء فستانها الجديد وانتعال احذيه مناسبة لوزنها الجديد . وساعدتها نرمين أيضا في ربط شعرها .
ووقفت نوف أمام المرأة الطويلة لتظهر فيها بكامل جسدها .
ورأت نوف نفسها بجسد ممشوق وخصر مثير وصدر مشدود .
ابتسمت نوف حينما رأت جسدها الذي اختفي منذ سنوات الشباب . ولكنها حينما تذكرت تلك التشوهات تدرك في قرارة نفسها إنها لا تملك هذا الجسد المثير إلا حينما يكون تحت هذا الزي فقط .

***
على طبق الحياة
لم تعد نوف امرأة تبتسم كثيرا في وجوه من حولها .
عادت نوف إلى منزلها . وكأنها لم تعد , لن تعد تهتم بطباخة أشهى الصحون .ولم تعد تهتم بمن يأكل ومن لا يأكل لم تعد تسأل عن مذاق الطعام الذي .
وتساءل الجميع أين نوف التي كانت مولعة بان تسمع إطراء الجميع على ما تقدمة على طبق الحياة . لكل من حظر على مائدة الحب التي تفرشها للجميع .
أين نوف التي يتوق كلمن يعرفها ليذوق وجبه واحده على مائدتها . أين تلك ألنحله التي توزع العسل على الصحون .لكل ضيوفها .
***

أصبحت نوف تهتم بارتداء الأزياء أكثر من أي شيء أمست نوف تنام بكامل زينتها . كل شيء تغير في حياة نوف حتى جدران غرفتها التي كانت تتراقص عليها اللوحات الفنية . أمست لوحات من المرايا فقط .
أصبح اهتمامها بجمال جسمها كل شيء . لم تعد ترغب بان يراها احد غير تلك المرايا فقط . التي أفرطت في حبها . لأنها الوحيدة التي تعرف أسرارها .
***

المرايا العاشقة !!
شعرت نوف بالحياة ترقص من حولها وهي تلاحظ اهتمام زوجها خالد بها . يتودد إليها , ويتقرب إليها بعسل الكلام مره . ويتوسل إليها بالهدايا الثمينة مرة أخرى . ولكنها تترك هداياه على أريكة الطعام التي تجمعهم لمرة واحدة في اليوم فقط .
قبل ان تستجيب لنداء قلبها وتتجاوب معه . ولكن الوعد الذي تحملت العذاب لأجله يهمس في أذنها . بان التجاوب لنداء القلب قد يكشف المستور .
***
لم يعد حال نوف هو حالها ولا أهلها أهل لها !!! تقضي معظم أوقاتها مع صديقاتها الأنيقات الكسيرات أمثالها . لقد حدث ما تأمل ان يحدث أغاضت زوجها . الذي أغاضها واشتكى أمرها لامها و أخوتها . ولكنها حينما تدرك إنها سوف تهزم أمام احدهم تسرع إلى غرفتها وتغلق الباب على نفسها و تقف أمام المرآه تنظر إلى جسدها الممشوق و قوامها الأنيق . تمسح بدلال كل منطقه في جسدها . تتحرك بإغراء لتلك المرايا . وفجأة تسمع صوت المرايا يهمس بإعجاب . تسمع صوتا ذكوري يتردد صداه في كل زاوية من الغرفة . صوتا يذوب هياما , يردد اسمها بشهوة كبريتيه تحرك نشوتها بجنون:
ـــ نوووووف . نووووف . حبيبتي نوف ؟ هل استطيع ان أرى ثدييك .
فترخي نوف الرداء عن صدرها . وتضل تتأمل فيهما .
ثم تسمع ذلك الصوت يهمس وكأنه عاشق اذلله الهيام .
ـــ نووووف . أرخي أكثر يا نوف أريد ان أرى خصرك الجميل يا نوف
فترخي ثوبها أكثر وتبقى تنظر إلى خصرها وتمرر يديها برفق .
ثم تسمع اهتزاز ذلك الصوت يدغدغ نشوتها وهو يهمس من بين تلك المرايا .
ــــ نوووووووف . ارحميني يا نوف أريد رؤيتك يا نوف .
لا تستطيع نوف إلا ان تسحب ثيابها وتتركه يسقط على الأرض . لتبقى عارية تنظر طويلا إلى نفسها . ثم تستدير تحدث تلك المرايا بصوت ذائب كذلك الصوت الذي تسمعه وتقول .
ــ هاااااه ؟؟؟ أين أنت ؟ أنا فاتنة الآن ؟؟ أين اختفيت ؟لماذا تصمت هكذا كل مره ؟؟ أحب اسمع همسك هذا ؟؟
ثم تصمت لبرهة وهي تستدير لتواجه كل المرايا ثم تضيف بحزن .
ــــ الم يعجبك جسمي ؟ لا تخف . إنها ندوب بسيطة. خلفتها العملية .
تبقى صامته ثم تقول في نفسها :
ــ لا بأس سأرتدي ثيابي وأنت اذهب إلى الجحيم .لن اريك جسدي مرة أخرى.
ترتدي ثيابها وتنثر شعرها على كتفيها و ترش على صدرها عطرها . وفجأة تسمع همسات المرايا الذكورية تدغدغ نشوتها من جديد . وحينما تصبح عارية يختفي الصوت .
تغتاظ نوف و ترمي بكل ما حولها لتحطم المرايا وتحطم نفسها ثم تنتحب بياس عقيم . لتغرق في دموع حزينة لينبت في قلبها حزن سقيم كخنجر من جحيم .
***

وفي صباح اليوم الثاني . تنهض متحمسة تجمع حطام نفسها المتناثر بين حطام المرايا . و تتصل بمحل الديكور ليجلب مرايا جديدة. ويصلحها من جديد .بينما هي ترتدي ملابس أخرى وتضع المساحيق المناسبة لثوبها الجديد ويومها الجديد .
روتين ممل . وأمل كليل بلا قمر .
عادت مع ابنها الأكبر ذات السنوات العشر. من مدرسته . ودخلت تتأبط يده إلى البيت . و خلعت عبايتها بدلال مفتعل . كان زوجها يراقب كل تفاصيل جسدها . اقترب منها امسك بيدها وطبع عليها قبلة عاشق ذليل . وبقي ينظر بشوق إلى عينيها . احتضنها إلى صدره . تقاوم رغبة عارمة في شده إلى صدرها . دهر من الثواني المعدودة ثم سحبت نفسها بسرعة وأسرعت إلى غرفتها . وأغلقت الباب خلفها .
ولحق بها خالد وقف خلف الباب . يطرق الباب ولكنها تجاهلت وجوده . وبقيت تبتسم لمراياها كالعادة .
بقي خالد إلى جوار الباب يراقبها من ثقب الباب الصغير . وهي تتحرك أمام المرايا . تسأل خالد بقلق ما الذي تفعله نوف. لماذا تتعرى أمام المرآة.
خبط خالد على رأسه وهو يسمع نوف تكلم نفسها. وتقول بصوت عالي وكأنها تتحدث مع احدد :
ـــ لماذا تصمت فجأة ؟ لماذا تفعل كهذا كل مره ؟؟ أين أنت ؟ أين اختفيت ؟
اظهر أيها المخادع.
يذهل خالد وهو يسمع صوتها يتفتت كزجاج المرايا التي حطمتها.
أدرك خالد ان نوف التي كانت تتمتع بعقل كبير يزن الجبال حلما . قد اصبحت مجنونه .
النهاية
قصة
علي صالح المصري

تعليقات

أعلى