المصطفى المحبوب - قصيدة النثر والمتلقي ..

كاتب قصيدة النثر يبذل مجهودا كبيرا لكتابة نصوصه
انطلاقا من اعتماد مفاهيم وتقنيات تساهم في تاصيل
تصور جديد للكتابة الشعرية يتعارض تماما مع النمادج الشعرية القديمة والتقليدية ..تصور فكري مخلص لطبيعة
الواقع الحالي بكل تناقضاته الاجتماعية والاقتصادية ..
طبعا قد يتساءل البعض ويطرح السؤال التالي : هل الكتابة
الشعرية القديمة لا تأخذ بعين الاعتبار الواقع التي انتجت وسطه..؟ بالطبع الجواب سيكون بالايجاب ، وسنكون بمنأى عن المزيد من الشروحات ، لكن الواقع الحالي له مايميزه ، لهذا يحتاج لكتابة او لجنس ادبي يميزه عن العصورالسابقة ..
بمعنى أوضح سنقول وداعا للأجناس الأدبية القديمة ومرحبا بقصيدة النثر التي تعتبر محطة تجتمع عندها
كل الكتابات الإبداعية ...لكن هذا لا يمنع من وجود
بعض الإشكالات حينما نستحضر القارئ او حينما تتحول العلاقة بين هذا الابداع وبين المتلقي إلى علاقة نفور
وعدم اهتمام ... ولكن وفي كل الحالات يمكن التأكيد على
أن قصيدة النثر تحتاج قارئا بموصفات فكرية خاصة :
أولا : الجرأة الفكرية :
جرأة فكرية تجعل القارئ قادرا على الارتقاء إلى مستوى الانتاج الشعري وهذا لن يتأتى إلا بتوفره على أسلحة فكرية وثقافة نقدية وشعرية ، طبعا هذا الشرط يذكرنا بمقولة الشاعر الحداثي أبي تمام حينما طرح عليه السؤال المشهور : لماذا تقول مالا يفهم ؟ فأجاب : لماذا لا تفهم ما يقال ..؟
ثانيا : القدرة على الهدم والتجديد :
المطلب الثاني الذي ينبغي أن يميز القارئ ليس بسيطا وسهلا ، بل مطلبا وخاصية لم يستطع الحصول عليها
الكثير من القراء والكتاب في العصر الحالي لأنهم لايتوفرون على جرأة فكرية قادرة على هدم الثقافة القديمة والمتخيل القديم ، جرأة قادرة على التخلص
من الثقافة المدرسية التي رسخت في أذهاننا نمودجا
معينا قائما على المعادلة التالية : " اقرأ هذا ولا تقرأ هذا.."
والقارئ الذي يستطيع التوفر على خاصية الهدم سيكون بإمكانه ممارسة القراءة من خلال متخيل جديد قادر على
استجلاء الجمالي والفكري الذي تختزله قصيدة النثر ..
ثالثا : التوافق التخييلي :
هنا نستحضر المتخيل و المساحة اللغوية والصورة الشعرية وغيرها من العناصر التي يتوفر عليها الشاعر او تلك التي تساهم في صنع وإنتاج جمالية النص الشعري ، طبعا هذه المؤشرات الجمالية لا قيمة لها إلا في إطار العلاقة التي تقيمها مع متخيل القارئ .. ، هذا مايٌصطلح عليه بالتوافق التخييلي أي أن غياب هذا العنصر يجعل النص الابداعي غريبا ويجعل القارئ تائها وغير قادر على استجلاء ماهو جمالي وماهو فكري ..
هذه بعض الشروط التي ترتقي بالقارئ الى مستوى قصيدة النثر وتجعله قادرا على استكناه خباياها وجوانبها الجمالية ، وفي نفس الوقت ترتقي بجوانية قصيدة النثر
لتجعلها بين أيادي قارئ متميز ..

المصطفى المحبوب
المغرب..

تعليقات

القصيدة التراثية عزيزي تطورت لقصيدة التفعيلة، ثم جاء هذا الشعر الذي كتبت عنه. وقفتُ كثيراً عند هذا النوع الأخير لمدة تقارب العقدين من الزمان بعد ان قرأتُ نصوص الراحل محمود درويش الاخيرة التي خرج بها للناس. بصراحة وصدق لم استطع هضم او إستيعاب قصيدة النثر مهما تفننَ حُداتها، ذلك ان الشِعر هو موسيقى داخلية وخارجية في الاساس والشاعرُ يأتي بالنصوص المتفردة بجرسٍ موسيقيٍ بديع فيدخل القلب دونما إستئذان. والى الآن بالرغم من كوني شاعرٌ يكتب التفعيلة حاولتُ كثيراً وعرضتها على الأصدقاء فلم يستسيغوها. تحياتي ومودتي لأهلي في المغرب التي درستُ فيها ومنها تعلمتُ الكتابة كشرقي آتى اليها فأكرمني هذا الشعب المضياف.
 
القصيدة التراثية عزيزي تطورت لقصيدة التفعيلة، ثم جاء هذا الشعر الذي كتبت عنه. وقفتُ كثيراً عند هذا النوع الأخير لمدة تقارب العقدين من الزمان بعد ان قرأتُ نصوص الراحل محمود درويش الاخيرة التي خرج بها للناس. بصراحة وصدق لم استطع هضم او إستيعاب قصيدة النثر مهما تفننَ حُداتها، ذلك ان الشِعر هو موسيقى داخلية وخارجية في الاساس والشاعرُ يأتي بالنصوص المتفردة بجرسٍ موسيقيٍ بديع فيدخل القلب دونما إستئذان. والى الآن بالرغم من كوني شاعرٌ يكتب التفعيلة حاولتُ كثيراً وعرضتها على الأصدقاء فلم يستسيغوها. تحياتي ومودتي لأهلي في المغرب التي درستُ فيها ومنها تعلمتُ الكتابة كشرقي آتى اليها فأكرمني هذا الشعب المضياف.
تحية طيبة لك أخي الأستاذ عبد الإله زمراوي:
أجدادنا الأفذاذ وضعوا للشعر قواعد وقوانين وشروطا حتى لا يتطفل عليه المتطفلون وينتهك حرماته الدخلاء ،ولو كان الأمر كما يزعم النثريون الذين لا قبل لهم بالشعر لكان أبسط شخص يعرف الأبجدية شاعرا ،وها أنت ترى في عموم مواقع التواصل الاجتماعي "شعراء" فاق عددهم الشعر نفسه ،لا تجد واحدا منهم يمكن أن يشار إليه بأنه كتب ولو شبه قصيدة شعرية.
ما يحيك في الصدر هو أن هؤلاء الدخلاء يلقون الترحيب والتشجيع من الجاهلين بالشعر إلى درجة أن البعض منهم صار يتخيل نفسه أنه شاعر بالفعل ،وأن الشعر أسهل منه مايكون كتابة.مع أن عالما به كالمفضل الضبي كان يخشى اقتحامه وهو من هو في حفظه ودرايته،والفرزدق كان أهون عنده من قرض بيت شعر قلع ضرس،وأنت تعرف الفرزدق ومكانته في الشعر العربي.
ما يدعو إلى التساؤل هو أن الشعراء الحقيقيين يرون ما يحاك ضد الشعر اليوم و لكنهم يستغشون ثيابهم ويضعون أصابعهم في آذانهم،والشعر أمامهم يعاني الأمرّين ولله الأمر من قبل و من بعد.
 
أعلى