وجد أيوب نفسه، ينفرد بامرأة منقبة، يجلس معها في غرفة شبه مظلمة، داخل فندق من الدرجة العاشرة، لا يعرف كيف أمسى معها في هذه الغرفة.
البارحة بعد منتصف الليل، سافر من مدينة سكناه الى هذه المدينة، حيث توجد فيها القنصلية العراقية، لاستخراج وثيقة " شهادة الحياة " التي يصادف الشهر الثامن من كل سنة موعدا لتجديدها، كي يستمر راتبه التقاعدي، فإن لم يزود دائرة التقاعد بهذه الوثيقة، يتم قطع الراتب باعصاب باردة، تحت مزاعم،أن المتقاعد قد يكون متوفيا، كان يجب عليه الذهاب في شهر تموز لاجراء هذه المعاملة، حتى لايتم إيقاف راتبه في الشهر الثامن، لكن كسله، وانزعاجه من السفر، لمدة سبع ساعات، جعله يركن الى فكرة، أنهم ربما لا يقطعون راتبه بعد هذا الشهر، وأن الموظف المسؤول عن " شهادات الحياة " قد يرأف بحاله، ولن تمتد يده الى زر الحاسبة أمامه ليقطع الراتب، غير أن الرحمة والرأفة التي افترضها في قلب ذلك الموظف، لاوجود لها، كما يبدو، وهكذا سافر ليلا ليصبح في المدينة، في اليوم التالي، ويتجه الى القنصلية، فوجد زحاما بشريا عند الباب في الساعة التاسعة صباحا.
عندما دخل مع المراجعين الى باحة مبنى القنصلية، تم استقبالهم بابتسامات مفتعلة، من قبل موظفي استعلامات البعثة الدبلوماسية، يحمل أوراقه الثبوتية، ينظر الى وجوه الحاضرين، وهم يجلسون على كراس جلدية سود، لا يعرف، في تلك اللحظات من الترقب والانتظار، كيف تعلقت أنظاره بعيني منقبة، لا يظهر من وجهها، سوى عيناها العسليتان الكبيرتان، زاد من جمالهما، خيط من الكحل الأسود يحيطهما، تفصح جلستها عن هدوء وسكينة، وجد نفسه يتماهي مع العينين، ينظر لهما بتمعن وشغف، فجأة ألتقت عيناهما، فارتبكت المرأة، حل القلق بدلا من سكينتها وهدوئها، ظلت تهرب منه بنظرات مبعثرة، تلقيها هنا وهناك، لكي تتخلص من دبق نظراته المعجبة، لاحظ هروبها منه، حتى وصل به الامر أن يحتقر نفسه، لانه تسبب باستبدال هدوئها وسكينتها الى قلق، فانصرف ينظر الى شاشة التلفاز، التي تبث أخبارا عن الوطن من قناة مثيرة للقرف، تعيد اخبارها بين دقيقة وأخرى، بشكل فج لا ترحم أعصاب المشاهدين .
لملم أحد الموظفين اوراقهم الثبوتية، وسجل في سجل خاص، سبب المراجعة، علم أيوب الذي يقترب عمره من الستين عاما، أن المنقبة مثله، تطلب تزويدها بوثيقة " شهادة الحياة"، وعلم فيما بعد ان الوثيقة، تخص راتب زوجها المتقاعد المتوفي.
بعد ساعة، أعلن أحد الموظفين بانه سيتم تأخير المعاملات، ربما الى نهاية الدوام في الساعة الخامسة عصرا، بسبب عطل طارئ في "سستم" الحاسبات، وانهم ينتظرون عاملا من الخارج لتصليحه.
أستغرق الامر حتى الساعة الرابعة عصرا، ولم يتم تصليحه، فقال أحد الموظفين "يمكن أن يتم التصليح في صباح الغد، وطلب من المراجعين العودة الى الديار أو المبيت في فنادق المدينة الى اليوم التالي .
كانوا بحدود عشرين مراجعا ، اندمج بعض الرجال مع بعضهم الاخر، والنساء مع بعضهن البعض، وبقيا هو والمنقبة يتبادلان النظرات، كانت نظراتهما تقول أشياء كثيرة، لا تخفى عن بصيرته، وحين خرجا من مبنى القنصلية، اقتربت المنقبة منه، سارت معه، كأن بينهما ودا قديما، قالت له بصوت ناعس جميل ، " ما هو الحل برأيك " ، ألتفت أيوب الى الخلف، لا أحد هناك تخاطبه المراة سواه ، قالت مع ضحكة خفيفة " نعم أنت، أقصدك أنت بكلامي " ، أنجذب بشدة الى صوتها الناعس الجميل، تسارعت نبضات قلبه، رأى أن المراجعين، تفرقوا في الشوارع العديدة المحيطة بالقنصلية، ولم يبق في الشارع سواهما، فقال لها " هل ستبقين هنا الى الغد، ام تسافرين الى منطقة سكناك ؟ " ، بعد صمت، تمنى فيه أن تقول له انها ستبقى، قالت له " كلفة الذهاب الى البيت والعودة ثانية الى هنا، ستكون اضعاف مضاعفة مقارنة بالبقاء والمبيت في فندق"، أيقن إنها تمتلك حكمة في الرأي، وثقة لا حدود لها، تصورها وهي تخفي وجهها الابيض، لابد أن يكون وجها جميلا، كما أن قامتها وطريقة مشيتها المثيرة الواثقة حفزته للقول " هل تريدين أن نبحث، انا وانت، عن فندق قريب؟ "، شدد على قوله " انا وانت " كي لا يضيع في متاهة الأوهام، فقالت خجلة، بصوتها المثير المتفجر بالانوثة " ياريت " ، كاد قلبه ينفجر فرحا، سأل أحد المارة من شباب أبناء المدينة، بصعوبة بالغة أراد افهامه عن مكان فندق قريب، لانه لم يتقن لغتهم طوال تسع سنوات أمضاها هنا، لم يفهم الشاب عليه، بادرت هي، سألته بطلاقة، اثارت أعجابه، أشار لهما الشاب عن وجود فندق قريب، اقل مستوى من فنادق الدرجة الأولى ، فقالت له بالعربي " هذا هو المطلوب " شكرته بلغته، وصلا الى الفندق، دخلاه، بادرت هي الى التحدث مع موظف الاستعلامات بحثا عن وجود غرفتين، فاعتذر لهما قائلا: " لدينا غرفة واحدة شاغرة فقط "، التفتت اليه، ترجمت ما تكلم به موظف الاستعلامات، لاحظ أيوب أن في عينيها، ضحكة مستترة، قالت ضاحكة" يطلب منا أن نبيت في غرفة واحدة " أرتبك، ثمة هسهسات تصاعدت بسرعة في مسامات جسده، لاحظته المرأة قد بلع ريقه مرات عديدة، قال لها " لا أعرف ماذا أقول " تداركت هي احراجه، فقالت " لم لا ، لنسكن في غرفة واحدة " ثم صمتت، بعدها قالت بثقة" الحرمة بشارب الزلمة الخير "، أختفت الهسهسات بسرعة، وحل محلها إحساس آخر .
قدما للشاب الموظف اوراقهما الخاصة بالاقامة في هذا البلد، سجل المعلومات في دفتره، احتفظ بهوياتهما عنده، ثم منحهما مفتاح الغرفة رقم " 58 " فاخذته هي، صعدا بالمصعد الى الطابق الخامس، تقع الغرفة على يسار المصعد، فتحت الباب ثم دخلت قبله، بقي هو مترددا في مكانه، يقدم خطوة ويرجع خطوتين، ثمة نداء خفي بدأ يتصاعد في داخله، بانه يجب الا يلوث تقواه وعبادته، كان يرى نفسه يهبط الى العالم السفلي، أراد أن يغادر الغرفة، والخروج من الفندق، الا أن عبارة المرأة كانت تدوي في داخله، ماحية كل السفالات التي مرت بذهنه " الحرمة بشارب الزلمة الخير ". دخل خلفها، الغرفة باضاءة خافته صفراء، سرير لنفرين، منضدة بمرآة كبيرة، مع دولاب ملابس، براد صغير الحجم.
لما رآى الاريكة شعر بالراحة قليلا، اذ يمكنه أن يتقاسما المنام، هي على السرير وهو على الاريكة، دخلت الى الحمام، لما خرجت منه قالت " ادخل أغسل وجهك، تبدو حقول الرماد كلها اجتمعت في وجنتيك" سحره تعبيرها وطريقتها بالقول، حتى زوجته لا تستطيع أن تخاطبه بصيغة آمره مثلما فعلت هذه المرأة، ازداد شعوره بالحميمية، دخل الى الحمام، وجد بانيو، مغسلة، مقعد تواليت، مرآة كبيرة ، مناشف معلقة خلف الباب، خاطب نفسه "ليس وقت السبح الان يا هذا "، برودة الغرفة ستصيبه بالزكام، خرج من الحمام، وجدها تجلس على حافة السرير، تضع ساقا فوق الأخرى، رفعت النقاب عن وجهها الأبيض الجميل المدور، هبطت ذرات الندى فوق احاسيسه، وهو ينظر الى جمال الوجه، والساقين المبرومين، والفخذين المترعين، والى العينين العسليتين، وفمها الصغير بشفتيه الورديتين، لم تضع عليهما الاصباغ، قمع في داخله كل الهسهسات،" الحرمة بشارب الزلمة الخير " هذا هو الصوت الذي أخذ يتصاعد في داخله، مع آذان الظهيرة، كان قد توضأ، وفي الموبايل ثمة برنامج لتحديد مكان القبلة باتجاه الكعبة، فاستعان به، أشار السهم الى جهة النافذة، وهو يصلي أخذت تراقبه، كان يشعر بنظراتها الفضولية المتطلعة .
ولما انتهى من الصلاة، وجدها تتحدث الى موظف الاستعلامات، عبر تلفون داخلي ، فقالت " اوصيت على الغداء، طلبت دجاجة مشوية واحدة، اظنها تكفينا " ، تناولا الغداء، تصاعدت بينهما الحميمية اكثر، كانت تقدم له اللقيمات، كأنه زوجها، طلبت منه بصيغة الامر " كل لا تستح مني " فاكل بشهية ومرح، لكنه كتم إحراجا وقلقا عجيبا من مصير هذه الحميمية التي تبديها المرأة له .
بعد الغداء، تناولا الشاي، قالت له " لدينا وقت طويل الى الليل، ما رأيك بجولة في المدينة " أراد ان يقول لها انه متعب من سفر ليلة البارحة، يحتاج الى قيلولة، غير انه وجد ذلك سخيفا لا يتماشى مع روح المرأة المرحة.
خرجا من الفندق، مشيا في الشوارع النظيفة، دخلا الى مول قريب، تجولا فيه، استراحا في مقهى يزدحم بالنساء والشبان، حدثته عن حياتها كثيرا وكيف قتل زوجها بسبب سيجارة، خرج يبتاع علبة سجائر فاصابته رصاصة طائشة، اذ انه كلما أراد ان يشعل واحدة، تأخذها من بين شفتيه وتكسرها، " دعك منها فهي سبب البلاء ". حدثها عن حياته، وانه أصيب في حرب ايران بشظية كادت تقتله، حل الغروب، عادا الى الفندق، تناولا العشاء، مضى الليل سريعا، بين الممازحات والضحك على مواقف مرا بها في حياتهما، ثم قال لها " انا انام على الاريكة وانت على السرير " فهزت رأسها موافقة ضاحكة ، تمدد على الاريكة، غلبه النعاس، وهي على فراشها تتقلب، جافاها النوم، كانت قد خلعت الثوب الأسود، وبقيت بملابس خفيفة، تضع رأسها تحت كوعها، تنظر اليه وقد بدأ يشخر، فانزعجت من شخيره ، نهضت اليه، ايقظته، فز مرعوبا، قالت له " تعال لتنام على السرير، حتى لا تشخر " ، نهض محرجا، تسارعت دقات قلبه، تمدد بجانبها، سألته عن جرح الشظية، فقال لها، انها في ذلك المكان الحساس، ثم ضحك بخجل ، فقالت له " يعني أنا وأنت الآن على سرير من الهواء ، مثل الاخوان لا حس ولا نفع ".
البارحة بعد منتصف الليل، سافر من مدينة سكناه الى هذه المدينة، حيث توجد فيها القنصلية العراقية، لاستخراج وثيقة " شهادة الحياة " التي يصادف الشهر الثامن من كل سنة موعدا لتجديدها، كي يستمر راتبه التقاعدي، فإن لم يزود دائرة التقاعد بهذه الوثيقة، يتم قطع الراتب باعصاب باردة، تحت مزاعم،أن المتقاعد قد يكون متوفيا، كان يجب عليه الذهاب في شهر تموز لاجراء هذه المعاملة، حتى لايتم إيقاف راتبه في الشهر الثامن، لكن كسله، وانزعاجه من السفر، لمدة سبع ساعات، جعله يركن الى فكرة، أنهم ربما لا يقطعون راتبه بعد هذا الشهر، وأن الموظف المسؤول عن " شهادات الحياة " قد يرأف بحاله، ولن تمتد يده الى زر الحاسبة أمامه ليقطع الراتب، غير أن الرحمة والرأفة التي افترضها في قلب ذلك الموظف، لاوجود لها، كما يبدو، وهكذا سافر ليلا ليصبح في المدينة، في اليوم التالي، ويتجه الى القنصلية، فوجد زحاما بشريا عند الباب في الساعة التاسعة صباحا.
عندما دخل مع المراجعين الى باحة مبنى القنصلية، تم استقبالهم بابتسامات مفتعلة، من قبل موظفي استعلامات البعثة الدبلوماسية، يحمل أوراقه الثبوتية، ينظر الى وجوه الحاضرين، وهم يجلسون على كراس جلدية سود، لا يعرف، في تلك اللحظات من الترقب والانتظار، كيف تعلقت أنظاره بعيني منقبة، لا يظهر من وجهها، سوى عيناها العسليتان الكبيرتان، زاد من جمالهما، خيط من الكحل الأسود يحيطهما، تفصح جلستها عن هدوء وسكينة، وجد نفسه يتماهي مع العينين، ينظر لهما بتمعن وشغف، فجأة ألتقت عيناهما، فارتبكت المرأة، حل القلق بدلا من سكينتها وهدوئها، ظلت تهرب منه بنظرات مبعثرة، تلقيها هنا وهناك، لكي تتخلص من دبق نظراته المعجبة، لاحظ هروبها منه، حتى وصل به الامر أن يحتقر نفسه، لانه تسبب باستبدال هدوئها وسكينتها الى قلق، فانصرف ينظر الى شاشة التلفاز، التي تبث أخبارا عن الوطن من قناة مثيرة للقرف، تعيد اخبارها بين دقيقة وأخرى، بشكل فج لا ترحم أعصاب المشاهدين .
لملم أحد الموظفين اوراقهم الثبوتية، وسجل في سجل خاص، سبب المراجعة، علم أيوب الذي يقترب عمره من الستين عاما، أن المنقبة مثله، تطلب تزويدها بوثيقة " شهادة الحياة"، وعلم فيما بعد ان الوثيقة، تخص راتب زوجها المتقاعد المتوفي.
بعد ساعة، أعلن أحد الموظفين بانه سيتم تأخير المعاملات، ربما الى نهاية الدوام في الساعة الخامسة عصرا، بسبب عطل طارئ في "سستم" الحاسبات، وانهم ينتظرون عاملا من الخارج لتصليحه.
أستغرق الامر حتى الساعة الرابعة عصرا، ولم يتم تصليحه، فقال أحد الموظفين "يمكن أن يتم التصليح في صباح الغد، وطلب من المراجعين العودة الى الديار أو المبيت في فنادق المدينة الى اليوم التالي .
كانوا بحدود عشرين مراجعا ، اندمج بعض الرجال مع بعضهم الاخر، والنساء مع بعضهن البعض، وبقيا هو والمنقبة يتبادلان النظرات، كانت نظراتهما تقول أشياء كثيرة، لا تخفى عن بصيرته، وحين خرجا من مبنى القنصلية، اقتربت المنقبة منه، سارت معه، كأن بينهما ودا قديما، قالت له بصوت ناعس جميل ، " ما هو الحل برأيك " ، ألتفت أيوب الى الخلف، لا أحد هناك تخاطبه المراة سواه ، قالت مع ضحكة خفيفة " نعم أنت، أقصدك أنت بكلامي " ، أنجذب بشدة الى صوتها الناعس الجميل، تسارعت نبضات قلبه، رأى أن المراجعين، تفرقوا في الشوارع العديدة المحيطة بالقنصلية، ولم يبق في الشارع سواهما، فقال لها " هل ستبقين هنا الى الغد، ام تسافرين الى منطقة سكناك ؟ " ، بعد صمت، تمنى فيه أن تقول له انها ستبقى، قالت له " كلفة الذهاب الى البيت والعودة ثانية الى هنا، ستكون اضعاف مضاعفة مقارنة بالبقاء والمبيت في فندق"، أيقن إنها تمتلك حكمة في الرأي، وثقة لا حدود لها، تصورها وهي تخفي وجهها الابيض، لابد أن يكون وجها جميلا، كما أن قامتها وطريقة مشيتها المثيرة الواثقة حفزته للقول " هل تريدين أن نبحث، انا وانت، عن فندق قريب؟ "، شدد على قوله " انا وانت " كي لا يضيع في متاهة الأوهام، فقالت خجلة، بصوتها المثير المتفجر بالانوثة " ياريت " ، كاد قلبه ينفجر فرحا، سأل أحد المارة من شباب أبناء المدينة، بصعوبة بالغة أراد افهامه عن مكان فندق قريب، لانه لم يتقن لغتهم طوال تسع سنوات أمضاها هنا، لم يفهم الشاب عليه، بادرت هي، سألته بطلاقة، اثارت أعجابه، أشار لهما الشاب عن وجود فندق قريب، اقل مستوى من فنادق الدرجة الأولى ، فقالت له بالعربي " هذا هو المطلوب " شكرته بلغته، وصلا الى الفندق، دخلاه، بادرت هي الى التحدث مع موظف الاستعلامات بحثا عن وجود غرفتين، فاعتذر لهما قائلا: " لدينا غرفة واحدة شاغرة فقط "، التفتت اليه، ترجمت ما تكلم به موظف الاستعلامات، لاحظ أيوب أن في عينيها، ضحكة مستترة، قالت ضاحكة" يطلب منا أن نبيت في غرفة واحدة " أرتبك، ثمة هسهسات تصاعدت بسرعة في مسامات جسده، لاحظته المرأة قد بلع ريقه مرات عديدة، قال لها " لا أعرف ماذا أقول " تداركت هي احراجه، فقالت " لم لا ، لنسكن في غرفة واحدة " ثم صمتت، بعدها قالت بثقة" الحرمة بشارب الزلمة الخير "، أختفت الهسهسات بسرعة، وحل محلها إحساس آخر .
قدما للشاب الموظف اوراقهما الخاصة بالاقامة في هذا البلد، سجل المعلومات في دفتره، احتفظ بهوياتهما عنده، ثم منحهما مفتاح الغرفة رقم " 58 " فاخذته هي، صعدا بالمصعد الى الطابق الخامس، تقع الغرفة على يسار المصعد، فتحت الباب ثم دخلت قبله، بقي هو مترددا في مكانه، يقدم خطوة ويرجع خطوتين، ثمة نداء خفي بدأ يتصاعد في داخله، بانه يجب الا يلوث تقواه وعبادته، كان يرى نفسه يهبط الى العالم السفلي، أراد أن يغادر الغرفة، والخروج من الفندق، الا أن عبارة المرأة كانت تدوي في داخله، ماحية كل السفالات التي مرت بذهنه " الحرمة بشارب الزلمة الخير ". دخل خلفها، الغرفة باضاءة خافته صفراء، سرير لنفرين، منضدة بمرآة كبيرة، مع دولاب ملابس، براد صغير الحجم.
لما رآى الاريكة شعر بالراحة قليلا، اذ يمكنه أن يتقاسما المنام، هي على السرير وهو على الاريكة، دخلت الى الحمام، لما خرجت منه قالت " ادخل أغسل وجهك، تبدو حقول الرماد كلها اجتمعت في وجنتيك" سحره تعبيرها وطريقتها بالقول، حتى زوجته لا تستطيع أن تخاطبه بصيغة آمره مثلما فعلت هذه المرأة، ازداد شعوره بالحميمية، دخل الى الحمام، وجد بانيو، مغسلة، مقعد تواليت، مرآة كبيرة ، مناشف معلقة خلف الباب، خاطب نفسه "ليس وقت السبح الان يا هذا "، برودة الغرفة ستصيبه بالزكام، خرج من الحمام، وجدها تجلس على حافة السرير، تضع ساقا فوق الأخرى، رفعت النقاب عن وجهها الأبيض الجميل المدور، هبطت ذرات الندى فوق احاسيسه، وهو ينظر الى جمال الوجه، والساقين المبرومين، والفخذين المترعين، والى العينين العسليتين، وفمها الصغير بشفتيه الورديتين، لم تضع عليهما الاصباغ، قمع في داخله كل الهسهسات،" الحرمة بشارب الزلمة الخير " هذا هو الصوت الذي أخذ يتصاعد في داخله، مع آذان الظهيرة، كان قد توضأ، وفي الموبايل ثمة برنامج لتحديد مكان القبلة باتجاه الكعبة، فاستعان به، أشار السهم الى جهة النافذة، وهو يصلي أخذت تراقبه، كان يشعر بنظراتها الفضولية المتطلعة .
ولما انتهى من الصلاة، وجدها تتحدث الى موظف الاستعلامات، عبر تلفون داخلي ، فقالت " اوصيت على الغداء، طلبت دجاجة مشوية واحدة، اظنها تكفينا " ، تناولا الغداء، تصاعدت بينهما الحميمية اكثر، كانت تقدم له اللقيمات، كأنه زوجها، طلبت منه بصيغة الامر " كل لا تستح مني " فاكل بشهية ومرح، لكنه كتم إحراجا وقلقا عجيبا من مصير هذه الحميمية التي تبديها المرأة له .
بعد الغداء، تناولا الشاي، قالت له " لدينا وقت طويل الى الليل، ما رأيك بجولة في المدينة " أراد ان يقول لها انه متعب من سفر ليلة البارحة، يحتاج الى قيلولة، غير انه وجد ذلك سخيفا لا يتماشى مع روح المرأة المرحة.
خرجا من الفندق، مشيا في الشوارع النظيفة، دخلا الى مول قريب، تجولا فيه، استراحا في مقهى يزدحم بالنساء والشبان، حدثته عن حياتها كثيرا وكيف قتل زوجها بسبب سيجارة، خرج يبتاع علبة سجائر فاصابته رصاصة طائشة، اذ انه كلما أراد ان يشعل واحدة، تأخذها من بين شفتيه وتكسرها، " دعك منها فهي سبب البلاء ". حدثها عن حياته، وانه أصيب في حرب ايران بشظية كادت تقتله، حل الغروب، عادا الى الفندق، تناولا العشاء، مضى الليل سريعا، بين الممازحات والضحك على مواقف مرا بها في حياتهما، ثم قال لها " انا انام على الاريكة وانت على السرير " فهزت رأسها موافقة ضاحكة ، تمدد على الاريكة، غلبه النعاس، وهي على فراشها تتقلب، جافاها النوم، كانت قد خلعت الثوب الأسود، وبقيت بملابس خفيفة، تضع رأسها تحت كوعها، تنظر اليه وقد بدأ يشخر، فانزعجت من شخيره ، نهضت اليه، ايقظته، فز مرعوبا، قالت له " تعال لتنام على السرير، حتى لا تشخر " ، نهض محرجا، تسارعت دقات قلبه، تمدد بجانبها، سألته عن جرح الشظية، فقال لها، انها في ذلك المكان الحساس، ثم ضحك بخجل ، فقالت له " يعني أنا وأنت الآن على سرير من الهواء ، مثل الاخوان لا حس ولا نفع ".
Войдите на Facebook
Войдите на Facebook, чтобы общаться с друзьями, родственниками и знакомыми.
www.facebook.com