وعلى الوسادة نفسها التي كنت أتوسّدها كانت تغطّ في نومٍ عميق ، تأمّلْتُ وجهَها المكسوّ بعرق الدفء ، كملاكٍ مستحمّ بقطر الندى الصباحيّ ، تلتصق على جبينه خصيلات شعرها المتناثرة كالإكليل الفوضويّ ، وكأنّ تلك الخُصيلات ضرَباتٌ مُستعجَلة من ريشة فنّان غير مهتمّ لتصفيف شعرها بعد أن بذل كلّ الجهد في رسم تقاسيمها المتقَنة .
والأجفان في نصف إطباقة ، لتُبقي جزءاً من بياض العين مرئياً ، إنها العيون الحذرة ، تلك التي توحي لك بأنها تراك بالرغم من استغراقها في النوم . فلا تؤتها بما يزعج من صوت ، وإلا فستتقلقل الأجفان ، وترتكس ، وتخفق الرموش المهدودبة الكحيلة ، وكحل المساء الذوّاب ذاب بعضه كذيولٍ منسابة في أخاديد المآق .
أقاتلها قبل النوم إذ أنها تريد أن تغفو على ضوء ، والنور الوضّاء يجعلني أدفن رأسي ، لكني أفقت الآن ، واكتشفت روعتها تحت الضوء .
ابتسامة الرضى مرتسمة على وجهها النائم ، وكأنها ترى الآن حلماً جميلاً . دعها مسترسلة ، ولا تؤتها بما يقطع حلمَها الرضيّ ، وإلا فسيتأتّى عليك ما يتأتّى من عتب ، وسيصعب عليك الإتيان بما يُغني عن جوع .
ويلي من وجهكِ إن أفقتِ ، وكيف أبرّر ما آتيتك به !
وما آتيتكِ إلا بما نضحَتْ به روحي في لحظات اندفاع الوجدان وانفقاء الكتمان وتشظّي العاطفة رذاذاً ، سأعتذر من شطآنكِ الرملية التي اكتسحَتْها أمواجي المزبدة . ما أنا الذي فاضت سواقيه على ضفّتيك ، بل الذنب على الريح التي عصَفَتْ بأعطافي ، وجرَفت صفحة مياهي الراكدة ، وأثارت بأمواهي زوابع الهدير ، حتى ارتجّ من تحتنا السرير ، كزلزالٍ تفيق من ارتجاجاته على نشوة الطنين .
ويلي من وجهكِ الصّبوح إن أصبح علينا الصباح معاً ، لم لا أغادر هرباً من وجهك الذي لن أقوى على مواجهته ؟ لم لا أنسحب من سريرك متسللاً الآن ؟ وعلى رؤوس أصابعي أشدّ رحالي بعيداً عن وجهك الذي أخجل من براءته الملائكية.
كيف ركّبوا وجهك الطفوليّ على جسدكِ الناضج ؟ كأنّي أواجه امرأة ذات زمنين ، فالوجه محتفظٌ ببراءة الأطفال ووداعتهم وطهرهم ، والجسد قنبلةٌ موقوتة من الإثارة ، فإمّا أن تهرب منها أو تترك نفسك بين يديها لتنفجر فيك أو تنفجر فيها !
أيتها الدُّمْية الجميلة ، كنتِ ليلة البارحة ألعوبةً بيد طفلٍ شقيّ ، مطواعة بلا رفض لكلّ ميوله ونزعاته وشيطنته ، وكم من الأطفال أتلفوا ألعابهم وشدّوا منها الشعور ونزعوا عنها الثياب الرقيقة المَخيطة من قماشاتٍ مخمليّة ، لماذا يخرّب الأطفال ألعابهم ودُماهم ثم يبكون لفقدها ؟
أنا الشقيّ لعبتُ معكِ لعبة الكبار ، لأني كنت أرى جسدكِ الناضج فقط ، ونسيتُ وجهك الطفولي في زحمة انفعالاتي ؟
أعدكِ منذ الآن بأني لن آتيكِ ـ إن أتيتكِ ثانية ـ إلا كفنّان عاشق للوحته فاعتبرها إيقونته المقدّسة ، أو كنحاتٍ نحَتَ جسد فينوس ، وعندما اكتملت بين يديه سجد لها كإلهة للحب والجمال .
وتململَتْ من رقدتها ، ثم استفاقت ، وتثاءبت ، وتمطمطت وتأوّهت ، فبدت لي كبيرة وعظيمة كالمارد يخرج من قمقمه ، فوضعتُ وجهي في الأرض ، ولو قدِرْت لدفنته تحت أغطية الفراش هرباً من وجهها ، لكنّها انتشلتني كمن ينقذ غريقاً من سحيق يمّه ، وسحبَتْ وجهيَ الغائر من بين كتفيّ .
وا للعجب ! كانت سعيدة كما يبدو ، وراضية ، بل وكأنها ممتنّة لحبّي الجارف العشوائيّ المجنون ، وغير مكترثة لإتياني لها أنّى شئت ، وأنّى شاء ليَ الطّواف ببيتها الحرام .
ودارت ساعة الصباح كأيّ صباح ، وكأنّ ما جرى ليلة أمس كان من منسيّاتها ، وكنت صغيراً وصاغراً كالتلميذ المذنب أمام معلّمته التي غفرت أخطاءه كما يبدو ، بل واستحسَنَتْها !
وشارَكتْني قهوتي العجولة ، وعيونها المفتوحة أقوى من عيوني الذليلة التي تتّقي الالتقاء بعيونها .
وبعد أيام ليست بالكثيرة ، دبّ فيّ الحنين إليها ثانية ، ولم أكن لأجرؤ على الاتصال بها ، وكم كنت سعيداً عندما فاجأتني بلا موعد ، كاللص يأتيك ، وأتتني كالأتيّة ، وأتيتها وآتيتها .
*************
والأجفان في نصف إطباقة ، لتُبقي جزءاً من بياض العين مرئياً ، إنها العيون الحذرة ، تلك التي توحي لك بأنها تراك بالرغم من استغراقها في النوم . فلا تؤتها بما يزعج من صوت ، وإلا فستتقلقل الأجفان ، وترتكس ، وتخفق الرموش المهدودبة الكحيلة ، وكحل المساء الذوّاب ذاب بعضه كذيولٍ منسابة في أخاديد المآق .
أقاتلها قبل النوم إذ أنها تريد أن تغفو على ضوء ، والنور الوضّاء يجعلني أدفن رأسي ، لكني أفقت الآن ، واكتشفت روعتها تحت الضوء .
ابتسامة الرضى مرتسمة على وجهها النائم ، وكأنها ترى الآن حلماً جميلاً . دعها مسترسلة ، ولا تؤتها بما يقطع حلمَها الرضيّ ، وإلا فسيتأتّى عليك ما يتأتّى من عتب ، وسيصعب عليك الإتيان بما يُغني عن جوع .
ويلي من وجهكِ إن أفقتِ ، وكيف أبرّر ما آتيتك به !
وما آتيتكِ إلا بما نضحَتْ به روحي في لحظات اندفاع الوجدان وانفقاء الكتمان وتشظّي العاطفة رذاذاً ، سأعتذر من شطآنكِ الرملية التي اكتسحَتْها أمواجي المزبدة . ما أنا الذي فاضت سواقيه على ضفّتيك ، بل الذنب على الريح التي عصَفَتْ بأعطافي ، وجرَفت صفحة مياهي الراكدة ، وأثارت بأمواهي زوابع الهدير ، حتى ارتجّ من تحتنا السرير ، كزلزالٍ تفيق من ارتجاجاته على نشوة الطنين .
ويلي من وجهكِ الصّبوح إن أصبح علينا الصباح معاً ، لم لا أغادر هرباً من وجهك الذي لن أقوى على مواجهته ؟ لم لا أنسحب من سريرك متسللاً الآن ؟ وعلى رؤوس أصابعي أشدّ رحالي بعيداً عن وجهك الذي أخجل من براءته الملائكية.
كيف ركّبوا وجهك الطفوليّ على جسدكِ الناضج ؟ كأنّي أواجه امرأة ذات زمنين ، فالوجه محتفظٌ ببراءة الأطفال ووداعتهم وطهرهم ، والجسد قنبلةٌ موقوتة من الإثارة ، فإمّا أن تهرب منها أو تترك نفسك بين يديها لتنفجر فيك أو تنفجر فيها !
أيتها الدُّمْية الجميلة ، كنتِ ليلة البارحة ألعوبةً بيد طفلٍ شقيّ ، مطواعة بلا رفض لكلّ ميوله ونزعاته وشيطنته ، وكم من الأطفال أتلفوا ألعابهم وشدّوا منها الشعور ونزعوا عنها الثياب الرقيقة المَخيطة من قماشاتٍ مخمليّة ، لماذا يخرّب الأطفال ألعابهم ودُماهم ثم يبكون لفقدها ؟
أنا الشقيّ لعبتُ معكِ لعبة الكبار ، لأني كنت أرى جسدكِ الناضج فقط ، ونسيتُ وجهك الطفولي في زحمة انفعالاتي ؟
أعدكِ منذ الآن بأني لن آتيكِ ـ إن أتيتكِ ثانية ـ إلا كفنّان عاشق للوحته فاعتبرها إيقونته المقدّسة ، أو كنحاتٍ نحَتَ جسد فينوس ، وعندما اكتملت بين يديه سجد لها كإلهة للحب والجمال .
وتململَتْ من رقدتها ، ثم استفاقت ، وتثاءبت ، وتمطمطت وتأوّهت ، فبدت لي كبيرة وعظيمة كالمارد يخرج من قمقمه ، فوضعتُ وجهي في الأرض ، ولو قدِرْت لدفنته تحت أغطية الفراش هرباً من وجهها ، لكنّها انتشلتني كمن ينقذ غريقاً من سحيق يمّه ، وسحبَتْ وجهيَ الغائر من بين كتفيّ .
وا للعجب ! كانت سعيدة كما يبدو ، وراضية ، بل وكأنها ممتنّة لحبّي الجارف العشوائيّ المجنون ، وغير مكترثة لإتياني لها أنّى شئت ، وأنّى شاء ليَ الطّواف ببيتها الحرام .
ودارت ساعة الصباح كأيّ صباح ، وكأنّ ما جرى ليلة أمس كان من منسيّاتها ، وكنت صغيراً وصاغراً كالتلميذ المذنب أمام معلّمته التي غفرت أخطاءه كما يبدو ، بل واستحسَنَتْها !
وشارَكتْني قهوتي العجولة ، وعيونها المفتوحة أقوى من عيوني الذليلة التي تتّقي الالتقاء بعيونها .
وبعد أيام ليست بالكثيرة ، دبّ فيّ الحنين إليها ثانية ، ولم أكن لأجرؤ على الاتصال بها ، وكم كنت سعيداً عندما فاجأتني بلا موعد ، كاللص يأتيك ، وأتتني كالأتيّة ، وأتيتها وآتيتها .
*************