طيبة فاهم ابراهيم - تثبيت وقاضية!!

قليلات من يمارسن أكثر من لعبة قتالية، والاشمل هن من يكتفين بلعبة واحدة سرعان ما يتركنها لأسباب عدة، لا ادرك الكثير منها حتى وان ابدعن فيها، لتخلو الحلبة من بطلة وتلجها بطلة أخرى.
كنت من القليلات اللواتي يجمعن بين المصارعة والملاكمة والقتال الحر والادب والمحاماة، حتى كانت صويحباتي يطلقن علي تحببا موسوعة القتال والادب!!
بعينيها الخضراوتين، ووجهها المستدير الذي يميل نحو البياض، وسحنة وجهها الجميلة، اصبحت أفياد واحدة منا نحن منتخب المصارعة.
لم اك اكثر من الكلام كعادتي، ولا أميل لتلك الجلسات التي تخلو من كل نفع، بل كانت المواظبة على التمارين هاجسي الاول اكتسابا للقوة، والاحتكاك مع اللاعبات على البساط كي اطور قدراتي على المواجهة.
كنت اشعر بنظرات غريبة منها، افياد التي أبدت قوة كبيرة على البساط، وصرعت جميع الفتيات المماثلات لوزنها، دون ان تخالط احدا عقب النزالات وهي تغادر البساط نحو دارها الذي نجهل موقعه!!
كانت مسالة غريبة ان سلمت علي بحرارة صباح احد الايام، وعرفتني بنفسها بصيغة اعمق، لتعيد علي ما اعتدته من باقي صريعاتي، انها لم ولن تخسر نزالا واحدا في حياتها.
اجبتها : ان لم تخسري فهذا ما تستطيعين قوله، أما انك لن تخسري فهو ما لا يعلمه سواه تعالى، ولا ادرك كيف تجزمين بأمر يكمن في علم الغيب.
نظرت نحوي بشي من الحدة، وبادلتها النظرة ببسمة زادتها حنقا، ثم غادرت وهي تتمتم بكلمات غير مفهومة.
لم اكد ادخل القاعة بعد ايام ، حتى وجدتها بانتظاري تدعوني للنزال، قالتها كمن يود الخلاص من واجب ثقيل بسرعة ولهفة..
لم اشأ ان ابطيء لها تنفيذ رغبتها العارمة وهي تنظر نحو قدراتي بشيء من الاستخفاف ، وقد آليت على نفسي ان القنها ما لم يخطر لها على بال.
ثم وما ان كنت بمواجهتها حتى حاولت استفزازي بقولها:
أعلم انه نزال غير متكافيء، فوزني يفوق وزنك، وخبرتي تجعلني اشفق عليك!!
اجبتها ببسمة وهدوء: لنتصارع، فقد اعتدت تفجير البالونات الفارغة!!
حولتها كلمتي هذه الى وحش كاسر، وحاولت الهجوم علي محاولة تطبيق مسكة الميزان عبر اسقاطي ارضا وتثبيتي، الا اني لم امكنها مني، ومنعتها من تطبيق أية مسكة وانا ابتسم، فزادها الامر غيظا واشتعلت عيناها بالغضب، بينما قررت حسم النزال عبر رفعها عاليا والقائها على البساط، فكان صوت ارتطامها بالارض مدويا، وقد بقيت متسمرة في مكانها مثل صنم طربح، فثبتها عبر تقييدها تماما وتحقيق الصرعة التامة عليها.
نهضت افياد بعدما شئت انا انهاء التثبيت، وغادرت القاعة منكسرة وهي تجر اذيال الخيبة والهزيمة المرة، وغابت اياما قبل ان تعاود التدريب وهي لا تجرؤ على النظر نحوي، وقد كتمت أمر خسارتها لاكتفائي بقدراتي وقوتي دون حاجة لمديح صويحباتي.
استغربت للغاية من جواب مستودع اسراري الحبيب، أمي الغالية حين كانت تتكلم بثقة تامة وهي تقول :
ستنازلك تارة اخرى!!
الححت على امي بالسؤال عما دفعها لهذا الرأي الغريب، فقد لقنت خصمتي درسا مرا على البساط وهي لا تجرؤ على النظر نحوي، فكيف ستواجهني ثانية؟ عندها تبسمت أمي وضمتني اليها وهي تهمس بحنان بالغ:
الحياة علمتني الكثير، انا واثقة من فوزك، لكن احذري شر من تتوهم نفسها هي الاقوى والأجمل، وقد كسرت أنت شوكتها!!
استسلمتُ لنوم عميق وصحوت صباحا والعقل مزدحم بافكار تتقافز ولا استطيع حصرها، تذكرت ان علي التوجه نحو القاعة لأجلب كراس محاضراتي الجامعية، بل علي ان اسرع لئلا افقده للابد وقد يتلفه من لا يعرف قيمته لدي، اتجهت من فوري صوب المكان الذي يضم بساط امالي وجبال أمنياتي، فوجئت بها تنتظرني عند المدخل، أديت التحية على عجل ودخلت القاعة فتبعتني واوضحت لي رغبتها في ملاكمتي، كونها بطلة ودربها متخم بعشرات من فاقدات الوعي جراء ضرباتها القاضية..
حاولت الاعتذار لعدم جاهزيتي، لكن نظراتها كانت تتهمني بالانسحاب قبل انسحابي، فسألتها عما تبتغيه لتؤكد انها تبغي ملاقاتي في نزال ملاكمة عاجل لا يقبل التأخير، ضحكت قبل أن أجيبها:
جميع أمورك متعجلة يا حبيبتي..
لم تدعني اكمل حديثي حتى سحبتني نحو البساط وضمت قبضتها استعدادا لملاقاتي، فوجهت نحوها وعلى الفور لكمة مستقيمة اعقبتها باخرى واخرى واخرى حتى كانت خلال ثوان معدودة ملقاة على البساط بلا وعي ولا حراك!!
شعرت بشي من الشفقة نحوها، فجلست قربها محاولة ايقاظها، ومن ثم مساعدتها على النهوض، فنهضت بشيء من الصعوبة وهي غير مدركة لما حدث ، ولم اغادر القاعة الا بعد ان استردت وعيها تأففت من قوة اللكمة الأشبه بطوربيد، ثم شكرتني لمساعدتي إياها راجية كتمان الامر..
عندها تبسمت وقلت لها: صدقيني لم اتفوه بحرف حين صارعتك، ولن اتفوه بحرف حين لاكمتك..
احتضنتني بشدة وهي تقول: استعجلتك الصراع واستعجلتك اللكم فكانتا اسرع صرعة وقاضية، كنت أظن انني الاقوى والاسرع والأثقل وزنا، واذا بي الاسرع خسارة ..
ضحكنا معا وقلت لها:
الحياة لا تمنح سرها بيسر، فكم ذقنا من مرارات حتى ذقنا حلاوة النصر، وانت يا افياد مصارعة ممتازة، لكنك استهانتك بالخصم، وتعجلك اليقين بالفوز، يقلب الامر خسارة وعذابا، اعملي ما عليك ودعي الباقي لمشيئة السماء .
احتضنتني مرة أخرى وهي تقول :
لنفطر سويا، خسرت مرتين وربحتك صديقة كريمة وانسانة بحق، وذلك والله فوز عظيم..

تعليقات

جميل ان نقرا هذه القصة الميدانية الجميلة لاحدى بطلاتنا العربيات الجسورات.. وجميل اكثر ان نجد بطلة على هذه الدرجة من المعرفة والموهبة.. مبدعة القلم والمضمار. التي تتحفنا بهذا الفيض من العطاء والابداع.. وشكرا على ثقتها بانطولوجيا السرد العربي ومشاركتنا هذا الجمال
 
أعلى