بيدين متشابكتين كان علي و فاطمة يسابقان الريح بين المروج الخضراء تارة و تارة أخرى فوق التلال المترامية تسبقهما ضحكاتهما المتوهجة , و في أحايين كثيرة يهرولان وراء قطيع الماشية لا يملان من الركض و الضحك ، و حين تختفي الشمس معلنة رحيلها يكون تعب اليوم قد سلب كل طاقتهما فيلوذان إلى حجر الجدة ينعمان بدفئه و هي تحكي لهما الأحاجي أو يغرقان في نوم مباغت و أحلام طفولية تعيدهما إلى حيث كانا طيلة النهار، متعانقين شبه عاريين إلا من ثوب خفيف بسبب حر الصيف .
كان ذلك ديدنهما كلما حلت العطلة الصيفية ، يعيش فيها عليفرحه الطفولي مع فاطمة ابنة عمه ، كان لهما عالمهما الخاص ما بين رعي الغنم و السقاء و الركض في المروج أو مباغتة الدجاج و بين الركض في البراري حتى ينقطع تنفسهما، و كلما أقبلت الظهيرة كانا يستلقيان ممددين على العشب يحكيان لبعضهما،هو عن حياته مع أقرانه في المدينة كان يبدو كرجل صغير مفتخر معتد بنفسه و هي تحدثه عن حياة البادية و جمالها رغم الشقاء ،بضفائرها الشقراء كانت فاطمة جميلة التقاطيع رغم لفحات الشمس المنعكسة على بشرتها تبدو كقطعة نفيسة سيقان متناسقة ،وجه مستدير، عينين سوداوين كبيرتين ، فم مكتنز أحمر ،خدين متوردين، و قوام ممشوق رغم صغر سنها كانت تبدو متميزة .
حين تتوسط الظهيرة ظليهما يسوقان القطيع إلى ظل ظليل و يفتحان صرة الطعام لقمة من يده لفمها و لقمة من يدها لفمه، لم يكن حس الجنس حاضرا في جولاتهما ، و لم تكن تطرأ تلك الأفكار الساخنة بخلدهما، فقط كانا سعيدين برفقة بعضهما، حتى فاجأته ذات يوم قائلة : - علي تعالى لأريك كيف يفعل الكبار ، و جذبته نحوها بشدة واضعة فمها على فمه .
كانت تلك أول قبلة يحصدها علي الصغير، رغم اندهاشه بما فعلته فاطمة إلا أنه أحس بسعادة عارمة تغمره.
مضت الأيام متتالية ليحل الخريف ثم الصيف ، دار الزمن دورته شب العود و استقام ، انشغل علي بدراسته و امتلأ جسد فاطمة لتصير فتاة يافعة قادرة على الاعتناء بالماشية و حلب الأبقار و الكنس و الطبخ و أتقنت الخياطة و التطريز لم يسمح لها والدها أن تحدو حدو علي فتدرس، كان عيبا أن تذهب الفتاة للمدرسة ، " كل فتاة هي امرأة بالمستقبل ووظيفتها في الحياة أن تعرف كيف تكون زوجة و ربة بيت " ، ذلك كان شعار والدتها التي كانت تردده على مسامعها كلما عبرت عن رغبتها في التعلم ،ثم ما فتئت أن انتقلت إلى بيتها الجديد زوجة راعية للزوج و الأهل ، بعدها تناسل الأولاد تباعا كل فصل صيف بطفل جديد تنجبه حتى تجاوزت ثمان ولادات، و غابت ملامح فاطمة التي كانت غالية على قلب علي ، الذي نسيها في غمرة حياة المدينة و بعده عن القرية ، صارت له أشياء أخرى يختبرها في معترك الحياة و مرافقة أقرانه بالمدينة ، كبر ليصير رجلا يافعا مثقفا ، جاب الحياة بطولها و عرضها و تعلم فن التقبيل و المشاغبة ، لكن الذاكرة دائمة ظلت وفية لطفولة و قبلة بريئة مازالت محفورة ككنز مرصود و إنغيبت متاهات الحياة كل ما يتعلق بها.
على أبواب الأربعين يسافر علي رفقة أسرته لتقديم العزاء في حق عمه الذي غادر الحياة ، كثرت الوجوه و تعددت الأشكال و عجز علي على التعرف على الكثير من أهله ، فالبادية صارت محطة قديمة قدم طفولته ، جلس بين الجموع يقدم التحيات لمن عرف و من لم يعرف ، فالواجب يحتم أن يصافح من تربطهم به صلة الدم و المصاهرة ، تفاجأ كثيرا من عدم قدرته على معرفة الجميع ، لكن حرجه ظل يتزايد حين صافحته امرأة مسنة و هي تناديه باسمه بلا تكلف:
والله زمان يا السي علي / واغبورات هذي,
ابتسم محييا المرأة و الأسئلة تطن في رأسه عن هوية هذه العجوز التي تعرفه و هو يجهلها، و كأنها قرأت ما يجول بخاطره ردت عليه مستنكرة:
- ويحك أنا فاطمة بنت عمك هل نسيتني؟
نظر إليها مستغربا وهو يردد:
- " سبحان الله كم تغيرت والله لم أعرفك"
و لسان حاله يقول لها مستنكرا ، "ويحك أيتها المرأة أين أضعت فاطمة النحلة الجميلة".
كان ذلك ديدنهما كلما حلت العطلة الصيفية ، يعيش فيها عليفرحه الطفولي مع فاطمة ابنة عمه ، كان لهما عالمهما الخاص ما بين رعي الغنم و السقاء و الركض في المروج أو مباغتة الدجاج و بين الركض في البراري حتى ينقطع تنفسهما، و كلما أقبلت الظهيرة كانا يستلقيان ممددين على العشب يحكيان لبعضهما،هو عن حياته مع أقرانه في المدينة كان يبدو كرجل صغير مفتخر معتد بنفسه و هي تحدثه عن حياة البادية و جمالها رغم الشقاء ،بضفائرها الشقراء كانت فاطمة جميلة التقاطيع رغم لفحات الشمس المنعكسة على بشرتها تبدو كقطعة نفيسة سيقان متناسقة ،وجه مستدير، عينين سوداوين كبيرتين ، فم مكتنز أحمر ،خدين متوردين، و قوام ممشوق رغم صغر سنها كانت تبدو متميزة .
حين تتوسط الظهيرة ظليهما يسوقان القطيع إلى ظل ظليل و يفتحان صرة الطعام لقمة من يده لفمها و لقمة من يدها لفمه، لم يكن حس الجنس حاضرا في جولاتهما ، و لم تكن تطرأ تلك الأفكار الساخنة بخلدهما، فقط كانا سعيدين برفقة بعضهما، حتى فاجأته ذات يوم قائلة : - علي تعالى لأريك كيف يفعل الكبار ، و جذبته نحوها بشدة واضعة فمها على فمه .
كانت تلك أول قبلة يحصدها علي الصغير، رغم اندهاشه بما فعلته فاطمة إلا أنه أحس بسعادة عارمة تغمره.
مضت الأيام متتالية ليحل الخريف ثم الصيف ، دار الزمن دورته شب العود و استقام ، انشغل علي بدراسته و امتلأ جسد فاطمة لتصير فتاة يافعة قادرة على الاعتناء بالماشية و حلب الأبقار و الكنس و الطبخ و أتقنت الخياطة و التطريز لم يسمح لها والدها أن تحدو حدو علي فتدرس، كان عيبا أن تذهب الفتاة للمدرسة ، " كل فتاة هي امرأة بالمستقبل ووظيفتها في الحياة أن تعرف كيف تكون زوجة و ربة بيت " ، ذلك كان شعار والدتها التي كانت تردده على مسامعها كلما عبرت عن رغبتها في التعلم ،ثم ما فتئت أن انتقلت إلى بيتها الجديد زوجة راعية للزوج و الأهل ، بعدها تناسل الأولاد تباعا كل فصل صيف بطفل جديد تنجبه حتى تجاوزت ثمان ولادات، و غابت ملامح فاطمة التي كانت غالية على قلب علي ، الذي نسيها في غمرة حياة المدينة و بعده عن القرية ، صارت له أشياء أخرى يختبرها في معترك الحياة و مرافقة أقرانه بالمدينة ، كبر ليصير رجلا يافعا مثقفا ، جاب الحياة بطولها و عرضها و تعلم فن التقبيل و المشاغبة ، لكن الذاكرة دائمة ظلت وفية لطفولة و قبلة بريئة مازالت محفورة ككنز مرصود و إنغيبت متاهات الحياة كل ما يتعلق بها.
على أبواب الأربعين يسافر علي رفقة أسرته لتقديم العزاء في حق عمه الذي غادر الحياة ، كثرت الوجوه و تعددت الأشكال و عجز علي على التعرف على الكثير من أهله ، فالبادية صارت محطة قديمة قدم طفولته ، جلس بين الجموع يقدم التحيات لمن عرف و من لم يعرف ، فالواجب يحتم أن يصافح من تربطهم به صلة الدم و المصاهرة ، تفاجأ كثيرا من عدم قدرته على معرفة الجميع ، لكن حرجه ظل يتزايد حين صافحته امرأة مسنة و هي تناديه باسمه بلا تكلف:
والله زمان يا السي علي / واغبورات هذي,
ابتسم محييا المرأة و الأسئلة تطن في رأسه عن هوية هذه العجوز التي تعرفه و هو يجهلها، و كأنها قرأت ما يجول بخاطره ردت عليه مستنكرة:
- ويحك أنا فاطمة بنت عمك هل نسيتني؟
نظر إليها مستغربا وهو يردد:
- " سبحان الله كم تغيرت والله لم أعرفك"
و لسان حاله يقول لها مستنكرا ، "ويحك أيتها المرأة أين أضعت فاطمة النحلة الجميلة".