جلس غسان في المقهى وهو يحتسي كوباً من الشاي في ذلك الحي الشعبي الذي يقطنه منذ نعومة أظفاره حيث تعود أن يمكث بعيد صلاة المغرب مع مجموعة من زملائه في العمل ، يحتسون الشاي ويلعبون الدومينو والبعض يدخن الشيشة بعيداً عن أعباء العمل ومشاغل البيت ويتبادلون أخبار العمل ويستمعون إلى اَخر نكتة يرويها سامي ، حيث اشتهر بخفة دمه وسرعة بديهيته وقدرته على انتزاع ضحكات المستمع بغض النظر عن حالته النفسية .
غسان يعمل كموظف أرشيف في مصلحة النقل ، شاب يناهز الثلاثين من عمره ، مستدير الوجه ، واسع العينين يغلب عليه الخجل ، وخصوصاً عندما يتعرض لموقف محرج حيث تراه يحمر خجلاً ويتحول إلى حبة طماطم حتى أن نظراته تصبح كمن يبحث عن شئ أضاعه . يكره الخوض في المواضيع السياسية ويؤثر السلامة وعلى رأي جدته " يمشي الحيط ، الحيط " ولايتدخل بشؤون أحد ، ولكن بالمقابل على درجة عالية من الثقافة ويؤمن بمبدأ الحوار .
خرج من المسجد بعيد صلاة المغرب كعادته ويمم وجهه شطر المقهى كما يفعل كل يوم ، وقد ألفه صاحب المقهى لذا حالما يجلس ويعتدل في كرسيه تأتيه طلباته ، في ذلك اليوم الذي صادف عيد الثورة علقت الأعلام واللوحات التي تمجد المسيرة مع صور الحاكم حيث توزعت على كل زوايا الحي وقد كان لغسان دور في خط لافتة جميلة حرص أن ينجزها بإتقان .
وبينما كان ينتظر وصول بقيىة الشلة ، كما يحب أن يسميهم أثار فضوله نقاش محتدم بين مجموعة من الزبائن ، وسرعان ماتعالت الأصوات وارتفعت القبضات ، وتطور الأمر إلى استخدام الكراسي ، لم يمض وقت طويل حتى وصلت سيارات الشرطة وتم اقتيادهم إلى المخفر وبضمنهم غسان ،
لحظة وصولهم إلى المخفر ، تم القبض على مجموعة من الشباب الذي عرف غسان لاحقاً أنهم ينتمون لتيار معارض للحكومة ، الضابط المناوب ليلتها كان حاد المزاج ولم يكلف نفسه بالاستماع لدفاع غسان وأدخلوا إلى الزنازين جميعاً .
- ولكن يا سيدي أنا لم أفعل شيئاً غير قانوني ، أنا كنت جالس ........
- اخرس ، حيوان .. من سمح لك بالكلام ؟ تريدون إسقاط الحكم ! خونة .
- يا سيدي ، أتوسل إليك هناك لبس وسوء تفاهم ... بالعكس أنا مع الحكومة وقد قمت بخط لافتة .......
- كذاب ، اعترف قبل أن أجعل هذا السوط يتذوق طعم جلدك المسلوخ .
كاد غسان أن يغيب عن الوعي من الخوف وقد اصطكت أسنانه وشعر بأنه مثل الخرقة ، بدأ يتأتأ عند رؤية أدوات التعذيب ، تقدم نحوه شخص ضخم البنية ، مفتول العضلات ، عريض المنكبين وذو ملامح قاسية وأنف أفطس وشرع يجلده بوحشية ، انغرز السوط عميقاً في اللحم ناثراً خيطاً من الدم مع صراخ يقطع القلوب ، ولكن الوحش لم يتوقف ، بل بدا وكأنه يستمتع بعمله ،
- أحضروا أسلاك الكهرباء !! سنري هذا المتاَمر
امتقع وجه غسان ونشف ريقه ولم يعد يقوى على الصمود فأغمي عليه .
- رشوه بالماء ، لانريده أن ينام !! الحفلة لم تبدأ بعد .
لم يقو على النهوض ، تقرحت قدماه من شدة التعذيب وبدأت تنزف ، عيون زائغة تغطيها الكدمات والهالات الزرقاء والبنية الداكنة وكأنه خاض مباراة ملاكمة ، أما ظهره فكان يشبه خريطة طمست معالمها واَثار الجلد جلية ، حتى أن أحد أظافره اقتلع من مكانه في لحظة سادية ، شعر فيها الجلاد بتفوقه فبدأ يمارس عقد نقصه .
صباح اليوم التالي ، فتح باب الزنزانة واقتيد غسان إلى غرفة الضابط ، غرفة أنيقة مفروشة بسجادة بنية وستائر معتمة ومكتب أنيق وكراسي جلد وثيرة , خلف المكتب يجلس شاب طويل تخفي وجهه نظارات شمسية ، يرتدي بدلة أنيقة ، كان ممسكاً بسيجار وعند روية غسان شرع ينفث الدخان في وجهه بغية استفزازه ,
- اسمع يا حيوان ! لقد اكتشفنا أنك لست الشخص المطلوب ، هناك سوء تفاهم ، بإمكانك أن تخرج ، ولكن أياك أن تنبس ببنت شفة ، ماحصل هنا في هذا الشهر تنساه ، أنت لم تكن هنا ، مفهموم !
السويد – 29 / 6 / 2016
غسان يعمل كموظف أرشيف في مصلحة النقل ، شاب يناهز الثلاثين من عمره ، مستدير الوجه ، واسع العينين يغلب عليه الخجل ، وخصوصاً عندما يتعرض لموقف محرج حيث تراه يحمر خجلاً ويتحول إلى حبة طماطم حتى أن نظراته تصبح كمن يبحث عن شئ أضاعه . يكره الخوض في المواضيع السياسية ويؤثر السلامة وعلى رأي جدته " يمشي الحيط ، الحيط " ولايتدخل بشؤون أحد ، ولكن بالمقابل على درجة عالية من الثقافة ويؤمن بمبدأ الحوار .
خرج من المسجد بعيد صلاة المغرب كعادته ويمم وجهه شطر المقهى كما يفعل كل يوم ، وقد ألفه صاحب المقهى لذا حالما يجلس ويعتدل في كرسيه تأتيه طلباته ، في ذلك اليوم الذي صادف عيد الثورة علقت الأعلام واللوحات التي تمجد المسيرة مع صور الحاكم حيث توزعت على كل زوايا الحي وقد كان لغسان دور في خط لافتة جميلة حرص أن ينجزها بإتقان .
وبينما كان ينتظر وصول بقيىة الشلة ، كما يحب أن يسميهم أثار فضوله نقاش محتدم بين مجموعة من الزبائن ، وسرعان ماتعالت الأصوات وارتفعت القبضات ، وتطور الأمر إلى استخدام الكراسي ، لم يمض وقت طويل حتى وصلت سيارات الشرطة وتم اقتيادهم إلى المخفر وبضمنهم غسان ،
لحظة وصولهم إلى المخفر ، تم القبض على مجموعة من الشباب الذي عرف غسان لاحقاً أنهم ينتمون لتيار معارض للحكومة ، الضابط المناوب ليلتها كان حاد المزاج ولم يكلف نفسه بالاستماع لدفاع غسان وأدخلوا إلى الزنازين جميعاً .
- ولكن يا سيدي أنا لم أفعل شيئاً غير قانوني ، أنا كنت جالس ........
- اخرس ، حيوان .. من سمح لك بالكلام ؟ تريدون إسقاط الحكم ! خونة .
- يا سيدي ، أتوسل إليك هناك لبس وسوء تفاهم ... بالعكس أنا مع الحكومة وقد قمت بخط لافتة .......
- كذاب ، اعترف قبل أن أجعل هذا السوط يتذوق طعم جلدك المسلوخ .
كاد غسان أن يغيب عن الوعي من الخوف وقد اصطكت أسنانه وشعر بأنه مثل الخرقة ، بدأ يتأتأ عند رؤية أدوات التعذيب ، تقدم نحوه شخص ضخم البنية ، مفتول العضلات ، عريض المنكبين وذو ملامح قاسية وأنف أفطس وشرع يجلده بوحشية ، انغرز السوط عميقاً في اللحم ناثراً خيطاً من الدم مع صراخ يقطع القلوب ، ولكن الوحش لم يتوقف ، بل بدا وكأنه يستمتع بعمله ،
- أحضروا أسلاك الكهرباء !! سنري هذا المتاَمر
امتقع وجه غسان ونشف ريقه ولم يعد يقوى على الصمود فأغمي عليه .
- رشوه بالماء ، لانريده أن ينام !! الحفلة لم تبدأ بعد .
لم يقو على النهوض ، تقرحت قدماه من شدة التعذيب وبدأت تنزف ، عيون زائغة تغطيها الكدمات والهالات الزرقاء والبنية الداكنة وكأنه خاض مباراة ملاكمة ، أما ظهره فكان يشبه خريطة طمست معالمها واَثار الجلد جلية ، حتى أن أحد أظافره اقتلع من مكانه في لحظة سادية ، شعر فيها الجلاد بتفوقه فبدأ يمارس عقد نقصه .
صباح اليوم التالي ، فتح باب الزنزانة واقتيد غسان إلى غرفة الضابط ، غرفة أنيقة مفروشة بسجادة بنية وستائر معتمة ومكتب أنيق وكراسي جلد وثيرة , خلف المكتب يجلس شاب طويل تخفي وجهه نظارات شمسية ، يرتدي بدلة أنيقة ، كان ممسكاً بسيجار وعند روية غسان شرع ينفث الدخان في وجهه بغية استفزازه ,
- اسمع يا حيوان ! لقد اكتشفنا أنك لست الشخص المطلوب ، هناك سوء تفاهم ، بإمكانك أن تخرج ، ولكن أياك أن تنبس ببنت شفة ، ماحصل هنا في هذا الشهر تنساه ، أنت لم تكن هنا ، مفهموم !
السويد – 29 / 6 / 2016