ما انتابنِي وقتها شعور بالحاجة!
كنت صغيرا على التعبير آنذاك ولا زلت، لكن، مُذ دخلت تلك المدرسة الإعدادية وأنا أذرّع الساحة بعينيّ الصغيرتين، أختزِل الوجوه بحثا دون جدوى، كان يوما شاقا ومُتعِبا للغاية.
ما الذي أتعبني؟ !!!
لست أدري.
لكنه استمر عقدا من الزمن . وأظنني سأسرد ما لم أسرده يوما هكذا
...........
انقضَت ثلاث سنوات بالبدء
فانغمستُ فيها سعيا من المكتبة لغرفة الرسم، لمعمل الأحياء
كنت حينها صَمُوتا، أخاف من ساحة المدرسة ومن الاختلاط بتلك الوحوش
أذكر حين حاول أحدهم إقحامي، فانكسرت يدي جرّاء ركضي خلفه
ثم كالناسك صرتُ أقضي الوقت بالفصل لا أخرج بسبب إصابتي، ويالها من راحة.. راحةٌ تُطلّ بشغف للساحة من الأعلى تُلقي عليها السلام وعلى وجوهٍ لن ترَ تلويحة يدي، لكن لا شك ستشعر، رغم أني ما كنت أشعر، ما كنت أدري حتى أنّي مصاب بالوحدة، أختبئ من الوجوه، أشغل نفسي بالورق ولا أدري لمَ الورق تحديدا؟ لكنها انقضت...
............................
"كاد وجهك حين كنتَ تمشي وحدك من البيت أن يكون وجه عابد"
" صمتُك اللا مبرر، ...
خازوقا في أنف الأخصائي غيرَ أنه لا يشكي"
" مشاعرك المكبوتة... عصفورا لا ريش له "
اييييييه، تنهيدة عميقة تجوب المدارس في غيابك اليوم
............................
يا إلاهي، مضى الوقت كالكهل، وأثقلَ كاهلي بهمٍّ ما كنت أدريه سوى تعبا!
وإذ بي بالثانوية!!!
عقدت العزم على ألا أكون ذاك المنطويَ على ذاته المنغلقَ بشراهة على البؤس
يلتحف الجدران الرمادية ويحملق في ورق يكاد يكون فارغا!
مدرسة جديدة يا هذا
وهذه المرة لا أحد البتة...
لا حمزة، ولا خالد ولا أبوبكر ، ستكون هذه السنين أكثر غربة
.................
"لكن
هيهات
فالحزن المُدوي لا زال في جوفك
كجنين!
ينازع الطفل الذي كنتَه
...................
عند سارية العلم، باعتزاز أقف، رائدُ الإذاعة ذو الصوت الجهور والسنوات الثلاثة تكاد تنقضي
أشرفت على معارضَ ومسابقات، كنت أحتفظ بكلّ مفاتيح غرف الأنشطة بالثانوية، ، كنت أبحث عن شيء ما، لكن ماهو؟ ما كنت لأدري
أعلم جيدا بأني بهذا كنت أهرب من أمر ما .
تحَملق حولي الكثيرون ولازلت وحيدا بل فقد كانت الوحدة آنذاك في أشُدها
وأتت الطامة ، أذكر جيدا ذلك عام ألفين وأحد عشر حين غادرت الثانوية وساقتني قدماي للقرطاسية، فاشتريت دفترا له قفل صغير، لمَ؟ لا أدري، وكأن العمر يكيد بي
وكانت تلك بداية الصمت
مرّ وقت طويل والدفتر على حاله، والمدارس مغلقة عقب الثورة ، ولا شيء يشغلني ! لا توجد أنشطة
كم أنت وحيد يا هذا!
تشبه النجمَ ينفجرُ ليضيء في سديم لا متناهي ومع هذا لا أحد يحتضنك! ينظرون إليك عن بعد بانبهار ولا يدرون أنك تحترق أو أنك لست سوى بقايا انفجار ورماد كوني !
.....................
قبل زمن
كنت أضحك
لكنني لليوم أضحك ملء أشداقي
غير أن القلب خاو
إلى أن حضر طيفكَ ، جاعلا من عيني غيمة، سقت وسادتي الخشنة فأزهرت أحلاما!
أي نبوءة هذه التي رُزقت!
أي موتٍ هذا الذي تجلى أمامي ملَكا دون أن يقبضني فاستيقظت إلى دفتري أكتب لأول مرة.... إلى صديقي الوحيد.
بعد التحية..
كيف حالك من دوني؟ هل آذيتك بغيابي؟ لماذا اختفيت فجأة؟ ألم نك أطفالا وقتها! كيف لنا أن نفقه أمورا كهذه!
أقسم لك أنني ما كنت أعلم شيئا
المرض!
لا علم لي به يا صديقي
لقد غادرت ذلك اليوم من بيتك طفلا .. وها أنا مذ ذاك رجل هرم
لا طاقة له لشيء
وجهك؟
كان لي بمثابة الدواء.. مُرّا
لكنني كلما شعرت بالحزن انتبذت إليه أهزه، فيسّاقط الحنين حُبّا، تُطلّ ابتسامتك فينجلي ما كان
وجهك الطفولي الذي احتفظت به منذ عامِ ألفين وخمسة أيقضَ بداخلي الطفل فنمى وتنامى فتَحجّم الحزن وتقلّص غير أنه لازال جزءا مني
ذكرياتنا؟ سألتزم الصمت هنا
......................
قصيدة!
لمَ كان أول ما أكتبه آنذاك شعرا؟
ما كنت أعلم وقتها
كنت طيلة الوقت مُسيّرا والحزنَ مغشيٌّ عليّ لا أرى، وأحدهم بداخلي يومِئُ لي، فأفعل
......
لكن الحزن أمسك وأخيرا بيدي، راح يسوقني كل ليلة بالحلم إلى الأمس البعيد.. أنظر لطفلين شاكسا الحياة بضحكاتهما
كانا يلحنان الشعر سرا
يغادران الصف معا
يسرقان من العمر بهجته ويدسّانها في جيبيهما
كم كنا . !
فبدرَ لذهني يا صديقي أن أكتبَك
أعتذرَ لك
أخبركَ أن شيئا طيلة تلك السنوات ظلّ بصدري قانطا
لقد كان أنا
وبهذا صرت أكتب شيئا أشبه بالشعر
لكنني ياصديقي مذ غادرتك ولا صديق لي سوى جدران غرفتي الأربع، حتى حين حاولت، كانوا حولي .. والبرد لازال مُحدقا
وحين ملأني الله بالعزم، وبعد توالي الأحلام والقصائد والشعور بالذنب
جمعنا اللقاء المرتقب ، غير أنك لم تعد ذلك الطفل ولا أنا كنت، صار لك رفاق سوء، فبات مابي يعتصر
اللوم يقع علي! وكأنني لو لم أغادرك يومها لما حدث ما حدث
ومذ ذاك وأنا أكتب
علّ اللحن يجمعنا..
......
علّ اللحن يجمعنا!
مذ ذاك وأنا أسير بالطريق وحدي أُحملق بالوجوه، أمدّ يدي كالمتسولين، أمِن صديق؟
يأتون إلي على استحياء ويهرعون خوفا !!!
هنالك وحش بصدري
وحش صغير للغاية
جعل لي هالة على عيني
يأتون طلبا للذي في يدي! ثم يغادرون
واحد فقط
أتى للوحش الذي بداخلي، وأسكته
وأسمعني
دون أن نرقص.. لحنا آخر.
أنا لم أخسر عمري في الوحدة أتجرع مرار الفقد أسفا، لقد خلق الله بداخلي على مرّ هذا العمر... ما أنا عليه اليوم من صدق. لهذا لازلت أكتب... لعلّ اللحن يجمعنا ياصديقي
#محمد_ساسي
كنت صغيرا على التعبير آنذاك ولا زلت، لكن، مُذ دخلت تلك المدرسة الإعدادية وأنا أذرّع الساحة بعينيّ الصغيرتين، أختزِل الوجوه بحثا دون جدوى، كان يوما شاقا ومُتعِبا للغاية.
ما الذي أتعبني؟ !!!
لست أدري.
لكنه استمر عقدا من الزمن . وأظنني سأسرد ما لم أسرده يوما هكذا
...........
انقضَت ثلاث سنوات بالبدء
فانغمستُ فيها سعيا من المكتبة لغرفة الرسم، لمعمل الأحياء
كنت حينها صَمُوتا، أخاف من ساحة المدرسة ومن الاختلاط بتلك الوحوش
أذكر حين حاول أحدهم إقحامي، فانكسرت يدي جرّاء ركضي خلفه
ثم كالناسك صرتُ أقضي الوقت بالفصل لا أخرج بسبب إصابتي، ويالها من راحة.. راحةٌ تُطلّ بشغف للساحة من الأعلى تُلقي عليها السلام وعلى وجوهٍ لن ترَ تلويحة يدي، لكن لا شك ستشعر، رغم أني ما كنت أشعر، ما كنت أدري حتى أنّي مصاب بالوحدة، أختبئ من الوجوه، أشغل نفسي بالورق ولا أدري لمَ الورق تحديدا؟ لكنها انقضت...
............................
"كاد وجهك حين كنتَ تمشي وحدك من البيت أن يكون وجه عابد"
" صمتُك اللا مبرر، ...
خازوقا في أنف الأخصائي غيرَ أنه لا يشكي"
" مشاعرك المكبوتة... عصفورا لا ريش له "
اييييييه، تنهيدة عميقة تجوب المدارس في غيابك اليوم
............................
يا إلاهي، مضى الوقت كالكهل، وأثقلَ كاهلي بهمٍّ ما كنت أدريه سوى تعبا!
وإذ بي بالثانوية!!!
عقدت العزم على ألا أكون ذاك المنطويَ على ذاته المنغلقَ بشراهة على البؤس
يلتحف الجدران الرمادية ويحملق في ورق يكاد يكون فارغا!
مدرسة جديدة يا هذا
وهذه المرة لا أحد البتة...
لا حمزة، ولا خالد ولا أبوبكر ، ستكون هذه السنين أكثر غربة
.................
"لكن
هيهات
فالحزن المُدوي لا زال في جوفك
كجنين!
ينازع الطفل الذي كنتَه
...................
عند سارية العلم، باعتزاز أقف، رائدُ الإذاعة ذو الصوت الجهور والسنوات الثلاثة تكاد تنقضي
أشرفت على معارضَ ومسابقات، كنت أحتفظ بكلّ مفاتيح غرف الأنشطة بالثانوية، ، كنت أبحث عن شيء ما، لكن ماهو؟ ما كنت لأدري
أعلم جيدا بأني بهذا كنت أهرب من أمر ما .
تحَملق حولي الكثيرون ولازلت وحيدا بل فقد كانت الوحدة آنذاك في أشُدها
وأتت الطامة ، أذكر جيدا ذلك عام ألفين وأحد عشر حين غادرت الثانوية وساقتني قدماي للقرطاسية، فاشتريت دفترا له قفل صغير، لمَ؟ لا أدري، وكأن العمر يكيد بي
وكانت تلك بداية الصمت
مرّ وقت طويل والدفتر على حاله، والمدارس مغلقة عقب الثورة ، ولا شيء يشغلني ! لا توجد أنشطة
كم أنت وحيد يا هذا!
تشبه النجمَ ينفجرُ ليضيء في سديم لا متناهي ومع هذا لا أحد يحتضنك! ينظرون إليك عن بعد بانبهار ولا يدرون أنك تحترق أو أنك لست سوى بقايا انفجار ورماد كوني !
.....................
قبل زمن
كنت أضحك
لكنني لليوم أضحك ملء أشداقي
غير أن القلب خاو
إلى أن حضر طيفكَ ، جاعلا من عيني غيمة، سقت وسادتي الخشنة فأزهرت أحلاما!
أي نبوءة هذه التي رُزقت!
أي موتٍ هذا الذي تجلى أمامي ملَكا دون أن يقبضني فاستيقظت إلى دفتري أكتب لأول مرة.... إلى صديقي الوحيد.
بعد التحية..
كيف حالك من دوني؟ هل آذيتك بغيابي؟ لماذا اختفيت فجأة؟ ألم نك أطفالا وقتها! كيف لنا أن نفقه أمورا كهذه!
أقسم لك أنني ما كنت أعلم شيئا
المرض!
لا علم لي به يا صديقي
لقد غادرت ذلك اليوم من بيتك طفلا .. وها أنا مذ ذاك رجل هرم
لا طاقة له لشيء
وجهك؟
كان لي بمثابة الدواء.. مُرّا
لكنني كلما شعرت بالحزن انتبذت إليه أهزه، فيسّاقط الحنين حُبّا، تُطلّ ابتسامتك فينجلي ما كان
وجهك الطفولي الذي احتفظت به منذ عامِ ألفين وخمسة أيقضَ بداخلي الطفل فنمى وتنامى فتَحجّم الحزن وتقلّص غير أنه لازال جزءا مني
ذكرياتنا؟ سألتزم الصمت هنا
......................
قصيدة!
لمَ كان أول ما أكتبه آنذاك شعرا؟
ما كنت أعلم وقتها
كنت طيلة الوقت مُسيّرا والحزنَ مغشيٌّ عليّ لا أرى، وأحدهم بداخلي يومِئُ لي، فأفعل
......
لكن الحزن أمسك وأخيرا بيدي، راح يسوقني كل ليلة بالحلم إلى الأمس البعيد.. أنظر لطفلين شاكسا الحياة بضحكاتهما
كانا يلحنان الشعر سرا
يغادران الصف معا
يسرقان من العمر بهجته ويدسّانها في جيبيهما
كم كنا . !
فبدرَ لذهني يا صديقي أن أكتبَك
أعتذرَ لك
أخبركَ أن شيئا طيلة تلك السنوات ظلّ بصدري قانطا
لقد كان أنا
وبهذا صرت أكتب شيئا أشبه بالشعر
لكنني ياصديقي مذ غادرتك ولا صديق لي سوى جدران غرفتي الأربع، حتى حين حاولت، كانوا حولي .. والبرد لازال مُحدقا
وحين ملأني الله بالعزم، وبعد توالي الأحلام والقصائد والشعور بالذنب
جمعنا اللقاء المرتقب ، غير أنك لم تعد ذلك الطفل ولا أنا كنت، صار لك رفاق سوء، فبات مابي يعتصر
اللوم يقع علي! وكأنني لو لم أغادرك يومها لما حدث ما حدث
ومذ ذاك وأنا أكتب
علّ اللحن يجمعنا..
......
علّ اللحن يجمعنا!
مذ ذاك وأنا أسير بالطريق وحدي أُحملق بالوجوه، أمدّ يدي كالمتسولين، أمِن صديق؟
يأتون إلي على استحياء ويهرعون خوفا !!!
هنالك وحش بصدري
وحش صغير للغاية
جعل لي هالة على عيني
يأتون طلبا للذي في يدي! ثم يغادرون
واحد فقط
أتى للوحش الذي بداخلي، وأسكته
وأسمعني
دون أن نرقص.. لحنا آخر.
أنا لم أخسر عمري في الوحدة أتجرع مرار الفقد أسفا، لقد خلق الله بداخلي على مرّ هذا العمر... ما أنا عليه اليوم من صدق. لهذا لازلت أكتب... لعلّ اللحن يجمعنا ياصديقي
#محمد_ساسي