حسن أبوبكر المغربي - ضجر

كيف تغشى عقولنا ونحن في أشد حالات اليقظة، بل في أشد أوقات النور؟ سؤالاً طالما أرقني خاصة حينما أفكر قليلا في اليومي وما ارتبط به من عناء وضجر ..كيف يمكن إحباط المحاولة التي تسعى إلى ارتكاس النفس وإذلالها.. إن قدرنا، قدر الناس جميعا، محكوم بأشياء تافهة، لحظة حاسمة، موقف عابر، سقطة من سقطات الحظ العاثر، ذلك الذي يرقب الأرواح دون الأجساد.. أليست أرواحنا في كل الأوقات مطاردة من وهم القلق؟.
إن الشعور بالامتلاء لحظة نحسها كلما حاولنا تحقيق السعادة على طريقة المتسولين، أولئك الذين ينفقون أكثر مما يدخرون.. أعلم جيداً أن استعمال اللغة بما فيها من بلاغة ومجاز لا تسعف عما يدور داخل النفس؛ لأننا دوما في خانة المذنبين، وذنبنا هو الإفراط في التعبير واللامبالاة في استخدم الألفاظ اللغوية، مثلما هو حال الشعراء الذين يحاكمون علانية باسم كلمة خاطئة أو تعبير غامض.. لكن ومع كل هذا، فإن الصوت، صوت الكلمة ونغمتها وجرسها له إيحاءات تشبه مطلع قصيدة وجدانية أو فيلم درامي! .ومن هذا المنطلق فإننا نزعم بأن اللغة كائن حي له روح وبنية ووظائف متعددة، وهي مثل جميع الكائنات تتعرض بين الفينة والأخرى للفشل.
أعتقد أن تبني أي فكرة مثل اعتناق ديانة جديدة، لا بد أن تُزيل عقبها الأفكار القديمة، إن تجدد الأفكار يلغي الإيمان المفرط، ويجدد مسائل التفكير في الوجود، وهذا بطبيعة الحال يماثل آراء ديكارت في الكيجتو، نعم، يجب أن نشك عبر الذات المفكرة نفسها، لأن من خصائص الذات هو الشك الذي يتجدد من خلاله الأفكار.
رغم تفاهة الحياة وتعقدها المضطرب، ورغم المرض والإقصاء ومواجهة الموت في كل لحظة، إلا أننا نبحث عن الراحة واللذة معا.. كما إن الإحساس بالابتهاج يغرينا كلما تحصل واحد منا على قسط من البهجة والفرح، هذه ليست حكمة أو رأي وجيه ؛ بل واقع، وحقيقة عالم يعج بالخرافة، عالم مسكون بالصمت الرهيب، حتى حينما نحاول مجاوزة الواقع نسقط في التيه، ومن ثم لا نملك في آخر الأمر سوى الاعتراف بأننا مجرد دمى في عالم نجهل كل تفاصيله وقواعده الأولى، ربما ندرك الحدث قبل حدوثه كما يفعل المنجمون، ونعود مرة ثانية إلى رفضه وانكاره، سواء أكان احترافا أم دجلا، لا يهمنا كثيرا المقدمات، بقدر ما يهمنا النتائج، الفكرة عندنا دائما مراقبة ومدانة، والسؤال عنها هو الطريق المحتمل الذي يُهرب إليه وقت الحاجة.. بالتأكيد كلنا في حال انتظار، كلنا نرقب لحظة الغروب، تلك اللحظة التي نشعر فيها بالانقباض كما لو أننا على مشارف الموت.. إن الشعور بالفناء شعور يومي يرتبط في عقولنا بانتهاء كل شيء، حفل شاي، زيارة لأحد الأصدقاء، ممارسة رياضة مفضلة، وأحيانا يرتبط عندنا حينما نقابل أحد المسنين أو نشاهد فيلما لممثل قبيح يلعب دور الدنجوان !.. يجب أن نعترف بأننا كثيرا ما نفكر في المستقبل ونكرس له كل الإمكانات من أجل مواجهة شيئا ما ، شيئاً في جوف النفس والوجدان، لكن ومع الأسف لا نعلم عن ذلك الشيء سوى القليل.!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى