هشام ناجح - ابجدية الشهوة

كانت " رقية بنت الحمداني " مدرستنا الأولى التي تعلمنا أبجدية الشهوة ، وإدراك أسرار اللذة. يشدنا الشوق الى كوخها عندما يخيم الظلام المخملي على كل البيوت المسلوبة للنوم هروبا من أعباء النهار الكاشف للنصب والتعب .
الطريق إليها مسكونة بالهواجس و روح المغامرة التي تغري باكتشاف منبهات الرجولة المبكرة . نتسلل خفية مدركين كوخها المصنوع من القش على حافة الوادي الذي يبعد بكيلومتر تقريبا ، كقبة ولي صالح تستقطب العباد المملوكين لنوبات عبور الذات والمعاشرة الروحية المبهمة ، حتى هذا البعد يعطي رحابة شاسعة لتأوهاتنا خاصة عندما تتعتع الأنفاس المخمورة بصيحاتها النشوى التي لا تقاس إلا بنقيق الضفادع المتعاقب على الآذان.
امرأة مكتنزة تحمل سمات الجمال (الكحلي ) بعينين كبيرتين ملتفة بحواجب غزيرة كأشواك العوسج ، يحس الناظرإليها بوخز في القلب ، وبشفتين مكتنزتين ترتسم عليهما أثار الزهو من فرط الأصباغ الحمراء المغرية . يتهادى كفلها الكبير الراقص يمينا وشمالا كبطيخة صيفية انشطرت لقسمين ، متعمدة ذلك بلباس (التحتية ) لوحدها لتوقظ أشباح الهمة الميتة . تخفق قلوب شباب الدوار بحبها قبلي وبحري .فلا أحاديث لنا إلا عن جلسة من جلسات " رقية " وبعدها يقع ما يقع. إننا نعلم جميعا أنها عاشقتنا الوحيدة . وجسدها ملك الجميع . فنحس بالانتماء إلى عالم واحد . هذه هي قناعتنا حتى تستمر الطريق إلى الكوخ بدون عناء ومشاكل.
كان الآباء يعلمون أن أبناءهم يبحثون عن غرفة من ينبوع واحد إلا انه يختلف رأيهم بين مؤيد ومعارض .
يقول " ادريس بوغابة " لزوجته " يامنة بنت مبارك " التي تولول دائما عندما تتفقد فراش ابنها " حسن " الذي يضع بدله جلبابه الاشخم المملوء بالتبن بغية توهيمها :
" هكذا هو الفحل الحر، انه يشرب من الينبوع رغم ضحالته " .
يثير غيظ زوجته التي تخاف على ابنها من ( الثقاف) فتقول :
" أخاف أن تلحقه إحدى المكاره ويصبح معرة للرجال في هذا الدوار (الصكع) "
يطلق " بوغابة " قهقهته الصاخبة الخارجة من كرش مملوء بالطعام ، وفم حاف ببقايا أسنان مسوسة من فرط تدخين (الكيف) :
" دعيه يتعلم و يكتشف حتى يدرك أن بداية الطريق هي الخطوة الأولى " .
كم كانت مشكلتي كبيرة في الحصول على المال الكافي لزيارة عاشقتنا ، فأضطر إلى سرقة ديك أتربص به طيلة النهار أو بكيس من الذرة لأبيعهما خلسة ل " ولد الغزواني" فهو يعلم ذلك ، ليرغمنا على قبول ثمنه الذي لايتعدى النصف فيقول :
" فلوس الحرام تمشي في الحرام "
اجيبه في قرارات نفسي :
" نبعو الحرام لولاد الحرام "
سرعان ما تنمحي هذه التفاهات التي لا يسعهاالوقت مادام البال مشغولا بالبحث عن اللذة في أسرع وقت .
اطوي الطريق مدركا رعشات الضوء بين فجوات الكوخ . أحس بالدم يفور في جسمي بسرعة متناهية ، انه نفس الإحساس ينتابني عندما أكون في ضيافة رجال الدرك .
كانت لها طريقة خاصة في استقبال صيحات روادها . مميزة كل واحد بمنبهه . الفت انتباهها بأغنيتي المعتادة : " الواد ، الواد اللي داك مخلاني " .
تخرج بدلالها المعهود وهي تحرك فكها مطرطقة علكتها بطريقة جذابة :
" مرحبا بلي جا أو جاب "
اعلم أن المال هو الوسيلة الوحيدة لغزو جسدها ، هذا لا يهم مادمت أريد أن اشفي غليلي ، واقتل سهاد النزوة الذي يربك حساب الذات باستجابة طبيعية غير مسؤولين عنها . تجري فينا مجرى الدم . أتذكر مثل والدي دائما :
" الفروج المسبلة من مورثات البلا"
لا يبدو لنصائح والدي قيمة عندما تنتشر النار في الهشيم . اتبعها بخطوات سريعة من الخلف ، وأتمعنها بفحش . نلج إلى كوخها المفروش بحصير من نبات السمار عليه أثار حروق أعقاب السجائر ، وقذفات (الكيف) إنها مخلفات الذين مروا من هنا . ويشدك منظر أواني بائسة عجوزة موضوعة في الطاقة الكبيرة .تحس بأن صاحبتها مستعدة للرحيل في أي وقت .
لا أعود إلى بيتنا إلا عند أبواب الفجر عندما يفصل الفقيه " سي ابراهيم ولد السايب" بين الخيط الأبيض والأسود بندائه إلى الصلاة . يتلقاني كلبنا الأبيض بنباحه قبل أن يكشف عن هويتي فاضحا قضاء ليلتي خارج الحدود .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى