شيماء عبد الناصر - ظل وسمكة وقطعة سحاب في حلم.. قصة قصيرة

ابتعدت قليلا كي أرى اللوحة بوضوح، لم تشر أي دلالات لي أنها انتهت، إنها صعبة ومليئة بالتفاصيل، لماذا أخاف هكذا من الفراغ، أعمد إلى ملأ كل مساحة في اللوحة، الخشب يكاد يئن.

بالأمس جاءني هذا الحلم، كانت الألوان هادئة والرؤية مشعة وواضحة تمامًا، والألوان تكاد تكون ناطقة، إنها تتحدث بلغة خاصة، ابتسمت صباحًا أمام فنجان القهوة وأخبرته أنني اليوم سأغدو مختلفة، سأضع الزينة على وجهي- القليل منها بالطبع- سأمشط شعري لأجعله حرير، وبعدها أرسم الحلم، لمحت وجه أبي الذي مرَّ سريعًا تاركًا فقط ابتسامة رجل شاب بوجه لامع مشدود وشارب فخم أنيق، هو أبي واستطيع أن أقسم على ذلك، لكن الرجل الذي ظهر في اللوحة أكد لي أنه ليس كذلك، ربما فارس أحلامي يشبه أبي نوعًا ما، أبي أسمر الوجه، السمرة الداكنة، الأنيقة، وأمي قمحية وودت لو أنجب بنتًا مثلها، ملامح وجهها تشبه ملكات الفراعنة طالما كانت فتاة ألواني ولوحاتي ورسمي.

لماذا يخبرني الجميع أني لم أرسم أمي أبدًا في أي لوحة رسمتها؟

ولماذا يصرون على أني أرى أعمالي بطريقة غير الحقيقة؟

لكن هذا الحلم لن يختلف عليه اثنان، وجه أبي بين طبقات من الألوان تجعله يكاد يكون مختفي، وجسد أمي الممشوق ومنضدة قديمة وسرير نحاس لامع، وعشاء، مكون من سلطة مطعمة بالثوم المطحون، ولحم طازج مشوي، وخضار، وأرز.

رائحة الألوان تخنقني، خرجت من المرسم إلى البلكونة، احتاج لقليل من الهواء وبضعة ذرات من التراب المحلى بالماء، رائحة الطين تنعشني، كأن هذا المزيج الخاص من الماء والتراب وتحويله إلى طين يصنع كيمياء جديدة تشبه روح البشر نتنفسها فنستعيد لحظة ميلادنا من جديد، في الحلم كنت هادئة، أمام اللوحة أشعر بالخوف، كيفية المزج ما بين عالمين أحدهما ينتمي للخوف والآخر للأمان كان مهمة عصيبة، أعرف أني دائمًا أفشل في مزج الأشياء، كيف لي أن أضع رائحة الطين أو طعم السلطة أو هدوء حلمي ما بين الألوان وقطعة خشب وربما فرشاة.

حينما انتهيت من تلك اللوحة وعشرات بعدها قررت عرضها، وأسميت المعرض ترانيم، كتبت أني حلمت حلمًا ما وأردت رسم الحلم، حلمت بأمي وأبي وغرفة بيتنا القديم، والطعام والسرير، كان الجميع ينظرون نفس النظرات، إن مفردات لوحاتي جميعًا لم تتخط كونها ظل، وسمكة، وقطعة سحاب.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى