وارد بدر السالم - أدب الحرب

يعود أدب الحرب بقوة إلى واجهة الثقافة العراقية لكن من الباب السردي الروائي على وجه الخصوص والتميز، فوجود العشرات والمئات من الروايات التي صدرت منذ 2003 وحتى اليوم تشترك جميعها في هذا التصنيف.

يعود أدب الحرب بقوة إلى الحياة الثقافية العراقية من بابها السردي، وهو الأدب الذي واجه في ثمانينات القرن الماضي موجة صامتة من الاحتجاج النقدي لم تكن فاعلة كليا بقدر ما أشّرت حالة من حالات الرفض لهذا النوع الأدبي، الذي يستخلص من الحرب العراقية – الإيرانية موضوعاته ونماذجه البشرية والإنسانية تحت عنوان “الأدب التعبوي”.

وهذه تسمية موارِبة ليس فيها هاجس نقدي بقدر ما فيها من تعميم قصدي وقسري على كتابات شعرية وقصصية وروائية أُنتِجَت في الثمانينات، مواكِبة لسير المعارك الكثيرة على مدار ثماني سنوات طويلة.

الأدب التعبوي الذي تبنّته السلطة آنذاك أيضا بقصدية واضحة لضمّه إلى مساراتها الثقافية العامة وتكريسه كحالة من حالات التعبئة الاجتماعية السائدة في ذلك الوقت، وأبعد من هذا هو الإيحاء سياسيا بأن مثل هذه الكتابات تنتمي إلى حقبتها السلطوية، لذلك اشتغلت الماكينة الإعلامية على هذا النّفَس الطويل بطريقة مكشوفة، وصار من الصعب الإفلات من هذا التشويه المتعمد لكتابات لا تنتمي إلى السلطة بقدر انتمائها إلى الوطن وهو في حالة حرب.

مثل هذه الإشكالية جلبت معها آراء كثيرة باعتبار أن أدب الحرب لا يُكتب أثناء الحرب، بل بنتائج الحرب لاحقا، وما يُكتب أثناء المعارك يقع في باب التعبئة الضرورية لسلطة تريد الانتصار بأي ثمن حتى لو بالقصائد والقصص.

وفي عموم الموضوع فإن حيفا كبيرا وقع على جيل شاب، اتفق حضوره مع تلك الحرب كجيل عقدي جاء بعد جيل السبعينات، وهو مصادفة من مصادفات الحالة السياسية الواحدة التي كانت مهيمنة على أنساق الثقافة وتقاليدها ومستويات تعبئتها، والنظر إليها كسلعة جاهزة.

ومع شبه الرفض لأدب الحرب الذي ساد ثم باد، وبوجود نماذج قصصية جيدة على وجه الخصوص تم إغفالها نقديا بشكل متعمد نكاية بالسلطة، لم تكن التسعينات بأقل خسائر من ثمانينات السلطة، حينما أطبق الحصار الأميركي على العراق جوا وبرا وبحرا لثلاث عشرة سنة متواصلة، فانتشر أدب الرمز والقناع ومعطيات مختلفة مما خلفته الحرب العراقية – الإيرانية ببعض النماذج الأدبية، التي استشفّت طريقتها الفنية بتقديم أدب حرب نموذجي، وإذا كانت القصة الثمانينية هي المهيمنة على المشهد الأدبي فإن الشعر أعاد صلته بواقع الحصار رمزا وقناعا وتخفيا حتى سقوط النظام عام 2003.

لم يكن أدب الحرب بكل توصيفاته النقدية أدبا طارئا على الشعوب، فهذا أدب عالمي قديم لا يمكن تجاوز إنجازاته الفنية، وبيننا -حتى اليوم- أسماء كبيرة استخلصت رؤاها من الحرب ودمويتها وقسوتها وأخرجت شخصياتها القصصية والروائية من ذلك الجحيم الفظيع، وأمثلتنا كثيرة من الآداب الألمانية واليابانية والأميركية والعربية أيضا.

اليوم يعود أدب الحرب بقوة إلى واجهة الثقافة العراقية لكن من الباب السردي الروائي على وجه الخصوص والتميز، فوجود العشرات والمئات من الروايات التي صدرت منذ 2003 وحتى اليوم تشترك جميعها في هذا التصنيف الذي كان مرفوضا لأسباب أيديولوجية في ثمانينات القرن الماضي، كما لو أن الحرب اختلفت بين هذه وتلك، وأن وطنا ثانيا تم إنشاؤه بعد 2003 ليزداد عدد شهدائه ويتفوق على تلك الحقبة المضنية بلا شك.

نحن مع النماذج الأدبية الإنسانية الراقية التي توفّر الكثير من الفن والخيال وتأخذ من رصيد الواقع الكثير، وتعيد إنتاجه بطريقة سردية فيها من الفن الصارم أكثر مما فيها من ألم الواقع ومتشابهاته الحربية، التي لا تنتهي ليبقى أدب الحرب -بهذه التسمية- أنموذجا رافق ويرافق أجيالا غير قليلة في الحياة الثقافية العراقية.




* عن العرب و
[نُشر في 2016/07/28، العدد: 10348، ص(14)]

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى