علي بن مكشر - ليلة بألف ليلة و ليلة..

كنت ذات يوم من خريف سنة 2004 في مدينة دوسُّو بالنيجر ، لم اعد اذكر بالضبط هل كان الفصل خريفا ، ام شيئا آخر ، فالفصول في تلك المناطق لا تعني شيئا . كنت و مرافقي الليبي لا نملك من حطام الدنيا الا ما يسد الرمق ، و أذكر أني كنت أملك حذاء رياضيا من ماركة أديداس أهداه لي صديق لبناني ، كان الشيء الوحيد في حقيبة الظهر التي املكها ذَا بال .
لجأنا عند اشتداد الظهيرة لظل شجرة عملاقة ، تحكي قصة الارض القديمة و شموخ النسيان الذي يغمر المكان .
فترة الظهيرة هناك طويلة ، طويلة جدا ، بحيث تطوي في جوفها دهرا من الصمت الفاقع.
بعد انحراف الشمس و انجراف الظل ، سألنا عن المحطة التي منها تنطلق حافلات مدينة أغاديس ، قيل لنا إنها بعيدة ، ولا بد لنا من سيارة أجرة ، بعدها بقليل استوقفنا تاكسي . كان الشاب سائقها شديد السمرة ، ذو أنف دقيق ، شديد بياض المضحك ، وسيما ، هادئا . أوصلنا للمحطة ، نزلت أسال فقيل لي : هناك حافلة واحدة تنطلق الى أغاديس ، الثامنة صباحا ... أي ورطة ، و كيف سنقضي الليلة؟ رجعت للصديق الليبي الجاثم بعد في السيارة ، أخبرته ، احمر وجهه ، وقال لي ؛ تحدث مع هذا الشاب لعله يجد لنا حلا...
- اسمع يا اخانا ، نحن الاثنان لا نملك أوراقا رسمية لننام بفندق ، حتى وان كنا نملك الأوراق ، فلا نملك نقودا كافيه لذلك - فهل بامكانك المساعدة ؟
- قال الشاب : سبحان الله ، السنا مسلمين ؟ انتم ضيوفي الليلة ..
ترجمت لصديقي عرض الشاب النيجري ، تنهد قائلا:
الحمد لله فرجت .
انطلق بنا بسيارته ، وجدنا انفسنا بعد نصف ساعة في بيته ، غرفة من الطين ، مطلية بالجبس المحلي، واقفة في العراء ، بابها من الخشب المصنوع باليد
دون أثر لأي آلة .
ليس بعيدا أمامها ، بيت من القش ، خمنت أنه مطبخ.... خرجت منه إحدى البدور السمراوات تلبس فولارا أبيض على رأسها ، كان التعاكس بين البشرة السمراء ، و الخمار الابيض مذهلا ، لدرجة لا تنسى .
- هذه زوجتي، لا نزال بالشهر الاول من زواجنا ، قال مضيفنا .
داهمني حرج تعرقت منه أرنبة أنفي .
- المعذرة صديقي ، كنت أظن أن ببيتك متسع و الا ما أقدمنا على احراجك ، دعنا نمضي و لها مدبر حكيم .
- لا ، انتم ضيوفي الليلة ، و أنا و عروسي ننام عند اهلي، لا عليكم ..
قبلت بعد ممانعة محتشمة ، فبسط لنا فراشه ، فراش الزوجية اذ بدا لي أنه لا يملك غيره ....
ثم نصب فوقه ناموسية معطرة ونمنا كلانا .. في أمان ...
عند وداعنا في الصباح وضعت يدي على كتفه و قلت له : رغم أنك غني يا عصمان ، فإنني أهديك آخر ما أملك ، حذاء رياضي جديدا لم استعمله بعد.
قال بابتسامة موغلة في السحر والتهكم :
- قبلت هديتك ولكن : أنا غني !!!!؟
- نعم أنت غني ، اهديتني بيتك وكل ما تملك من حطام مع إبتسامة راضية، وهذا لا يقدر عليه الا الاغنياء الحقيقيون ... يا عصمان ...
كانت تلك الليلة أجل من ألف ليلة .


علي بن مكشر / تونس


علي بن مكشر  تونس.jpg

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى