عبد الرزّاق بوتمزّار - يوم ذبحتُ دجاجاتي الخانعة.. قصة قصيرة

لي بضع دجاجات أربّيها في السطح. أحرص تمام الحرص على أن أوفّر لها الأمن والأمان! أسرق بيضها كلّ يوم. أقليه أو أسلقه، وقد أشربه، أخضرَ، في كأس الصّباح. أرمي به أحد المارة، أحيانا، ثم أختبئ وراء نافذتي، لطرد الملل والضّجر. دجاجاتي لا تتذمّر أو تحتجّ حين أسرق بيضها، فأنا أوفر لها الأمن والأمان.

أحيانا، أنحر إحداها. أفعل ذلك أمام البقية. أفصل رأسها عن جسدها وأتركها، لحظات، تفركل في دمها. وحين تخفت حركة رجليها الكريهتين وتتراجع دهشة الدجاجات وذعرها، ألقيها، أمام البقية، في برمةِ ماء مغلّى، ثم أشرع في نتف ريشها. لا يعترض واحد من دجاجاتي ولا واحدة؛ فأنا أوفر لها الأمن والأمان، والحمد لله!

لا أسمح لها -أبدا- بأن تخرج إلى الحديقة الواسعة. خُمّ البيت فسيح بما يكفيها ويزيد. أُحكم الإغلاق عليها في ذلك القفص العملاق، في الجهة اليمنى لسطح المنزل. ما حاجتها إلى مكان آخر وهي هنا، في هذا الخمّ الواسع، حيث تشعر بالأمن والأمان؟!

يحدُث أن أتكرّم عليها، من حين إلى آخر، بفُتات خبز يابس أو مهمَل، تتسابق عليه. يبزق بعضها على بعض وينقر ويرفس. سترضى الواحدة منها بنصيبها، حتى لو لم يلتقط منقارها غير فرتيتة صغيرة، ويرضى الفرّوج؛ ألستُ أوفّر لها، جميعا، الأمن والأمان؟!

اليوم، لطرد ضجرٍ انتابني، ذبحتُها كلها. بلا رحمة ولا تأنيب ضمير، أجهزتُ عليها دجاجةً تلو أخرى وفرّوجاً بعد فرّوج. مللتُ خنوعها وقدَريتها، ثم إنّ فكرة أخرى عنّتْ لي. نحرتُها، أمام أنظار البقية، تباعا. فصلتُ رؤوسها الخانعة، المثيرة الامتعاض والشفقة، عن أجسادها البائسة وتركتُها، لحظات، تُفركل، يائسةً، في دمائها، إلى تتوقف حركة أرجلها الضعيفة المقرفة. حين تتراجع دهشة ما بقي منها حيا وذعرُها، ألقيها في برمةِ ماء مُغلّى، فوق جثث سابقاتها، المتورّمة الباعثة على الاشمئزاز، ثم أشرع في نتف ريشها.

حين أذبح إحداها في السابق، كنت أطبخها وأعدّ منها غداءً شهيا أو عشاء، لكني اليوم رميتها، كلها، للكلاب المشرّدة. لم أدرِ، في الحقيقة، ما جعلني أقرّر رميها لِ قوانعْ الشارع الجائعة هناك، عند ساحة واسعة في مدخل الإقامة.

فتحتُ عينيَ، اليوم، في وقت متأخر كالعادة، وقد اقتنعتُ تماما بالفكرة. سأربّي حيوانات أشرسَ. سأحرص على أن تكون كائناتٍ لا تشعر بالأمن والأمان فيما واحدةٌ منها أو واحد يُسرَق ويتعرّضَ للنحر والنتف والسّلخ أمام عيونها الخنوعة المستسلمة.
يا القرف! كم هي مقرفة، تلك الدجاجات المستسلمة، قلت في نفسي، عائدا من ساحة الكلاب.
الكلاب؟... الكلاب... لمَ لا أربّي كلابا؟ بدت لي تجربة تستحقّ العناء بعد هذه التجربة المخزية في تربية الدجاج... أين أجد جِراء أو كلبة ولوداً؟ أين؟!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى