السيد حافظ - مقاطع من حوار أشجار الصنوبر.. قصة

- 1 -

- لم يداعب الفجر أنفى

- وانتظرت حتى الصباح

- والصاعدون مع الفجر

- حاملين على وجوههم ابتسامة

- هازئين بالمشاق

- مكبلين بقيود خوف الوالى

- لم يتصل بى أحد فى الصباح

- ومكتب الأمن

- لم يتصل

- حاول أن تشترى لى ثوباً وردياً أتزين به

- سأحاول يا صديقتى

- 2 -

بانوراما

لأن الرب لا يرغب فى جوع البشر ولأنك يا حلوة الحديث تنامين فى سريرى ممسكة يدى تقبليها وأنفى تداعبيه.. وعينى أعمر بدمعك سنين شقائى.. منذ عامين ونحن لم نلتق ولم نتصافح والغابة يكسوها الجليد.. كانت مثل طفلة عجوز.. وكنت تقفين عند باب الباردة وتقبل عيناك شمس الشرق بهجة أفريقيا.. وكنا تحت شجرة الصنوبر ندغدغ رحلة العمر لقريتنا المهزومة فى معركة الرغيف وسجلات البوليس السرى وكنا نرتدى عناد المستحيل يدانا تتشابك فى التحدى ونعبر جسر الممنوع فى منزل الشيخ العجوز لنأكل البيض والجبن ونسمع من ارغوله القديم نغمات الحلم بالمستقبل.

- 3 -

- اشتريت الجرائد

- لم تفهم سر السياسة

- وسرت ثلاث ساعات

- أفهم

- أحاول

- أقرأ

- أحاول

- أحاول .. أحاول.. أحاول

- 4 -

ســــتار

فى الحارة الضيقة كان أبوك الترزى يصنع ثوباً لرئيس الشرطة ويداه تهتز والتفت لى وسألنى عنك وقال أجعله يهرب إلى خارج البلاد.. لم يعد الأمان فى الداخل.. وأين يهرب وكيف المدينة قد اغتسلت بقدميها المدنسة فى نهر التلوث.. ورغم أنه يرش رئيس الشرطة إلا أن الأمر القادم.. ابحثوا عن كل من يحمل فى وجهه علامة استفهام وغسل أبوك وجهه عشرين مرة ولم يفلح فى إزالة علامة الاستفهام من على وجهه وأنت يابنى هنا على الشاطئ تلقى بالحجارة فى باطن البحر والبحر كم أكل الأحجار وكم غرقت فيه سفن وكم وكم.. وكل الناس تخافه.. حاول أن تفر.. على سحابة.. على فرس.. على مركب.. على مجلة.. على شجرة حاول أن تفر على دابة حاول أن تخرج خارج الحدود وغطى وجهك بعباءة جدك العجوز.. وهى دعها فلن تنساك وقد تنساك وتتزوج غيرك وتنسى حبك وتنجب طفلاً مطيعاً وديعاً مثل الآخرين وأنت حاول أن تعمل بالتجارة ودعك من قذف الحجارة فى البحر من إلقاء الشعر وأحاديث الأصدقاء والحوار حول ما هو كائن وما ينبغى أن يكون فالكون هو الكون.. لكن عقلك لا يؤمن بهذا.

- 5 -

- هل نقيش بيض البطة

- ما نهاية أحلامك البيضاء الحمراء

- ما نهاية الحياة والصراع والجدل

- البطة فقست سبع بطات

- الحلم الأحمر يصنع خبز السنوات العجاف والحلم الأبيض يصنع مليون سندباد فى كل البلاد تحت راية النهار.

- نهاية الحياة الجنة والنار.. ونهاية الصراع التطور ونهاية الجدل حتمية التطور.

- سفسطائى انت

- مثقف فاسد.

- صه.

- فلتقل اسكت بدلا من صه يا غبى.

- الأشياء تصنع الأشياء.

- 6 -

الفعل

فى السوق سار الأبن التائه يبحث عن أمه.. يبكى.. أخذ بائع الخضار جابنه يتفحص وجه النسوة اللاتى يسرن فوق جثث الرجال المغفلين.

وينادى الرجل من ضاع له ابن.. والعربات تزدحم والسوق تملأ والطفل يبكى وشمس الظهيرة تلفح بائع الخضار والنساء يساومنه فى الأسعار والطفل يبكى والمرأة وقفت أمامه تصرخ حافظة نقودى سرقت والطفل ينادى أمى وأنت هنا فى داخل السوق بلا هوية ما اسمك من أى مدينة ولم جئت وجلدك المتسخ وشعرك المبلد بالأتربة الرمادية.. والحرارة الكافرة تتحدى ايمانك بالصمود وصوت شيخ عجوز ينادى بقرة للبيع من يد العجوز يصرخ سكين يخرج السوق كله بالسكاكين… يذبحون البقرة والنساء تهرع للحم لتشتريه وأنت من يشتريك ومن يبيعك ليتهم يطعنونك بسكينهم.. ليتهم يقتلوك ليتهم يعرفون والطفل يبحث عن أمه.. لا أحد يعرف أحد.

- 7 -

- هل تعرف دستوفيسكى

- الأسعار مرتفعة بشكل مفزع

- هل تدرى ما سر الموسيقى الأوربية.

- جوربى ممزق والمدينة بطنها خاوية.

- يا جاهل الحوار معك شئ مؤسف.

- هل تعرف كم إيجار الشقة الآن.

- 8 -

عن مدرس التاريخ.. عن المفتش الأول.. عن رئيس القسم.. عن مدير التربية والتعليم.. عن كل النظار.. عن وكيل أول النظار.. عن الوزير.. عن رئيس الوزراء.. قال الخديوى عباس ذات يوم الأمة الجاهلة أسلس قيادة من الأمن المتعلمة.

والقرية التى يؤمها شيخ الكتاب الضرير ويعلم.. زرع.. حصد.. أكل. لم يعلمنا من الذى رزع ومن الذى حصد ومن الى آكل.. وتنامى يا عروسة المولد فى حضنى.

"ياسمين" ابنة أختى وابنى الذى عاد من المولد حزين.. لأن المركب غرقت عند سيدى ابراهيم الدسوقى.. وأنا الذى بم أفهم إلى الآن من الذى يزرع ومن الذى يحصد ومن الذى يأكل والقرية كلها تفهم معنى هذه الكلمات حتى الآن.. من أمى.. عن جارتنا.. عن زوجة أخى.. عن أختى.. عن جيراننا.. عن كل النسوة. لم يعد فى السوق البصل ولم يعد هناك النوم ولم يعد هناك غير الفول المدمس.. تسلقت فوق سطح المنزل وقذفت الكلب بحجر.

لم ينس الكلب هذا.. كان دائماً يتربص بنا.. حتى وجدنى وحدى فى الحقل فأخذ ينبح وأخذت أقذفه بالحجارة وجدت الكلب له ألف رأس.. كل الرؤوس تمتد من حولى.. كانت تنبح.. سقطت فى مصرف الماء وأنا أجرى اتسخت ملابسى وضربنى يومها عمى الحاج عطية علقة ساخنة.. آه يا ذكريات الأيام العابرة.. كيف أعيش فى منفى وكنت يا وطنى جرحى الغائر.. وكنت يا ساعة تحملين لى ذكرى.. أفقت على يد رجل.. إلى أين.. ممنوع أن تمر من هذا الطريق سرت فى الطريق الآخر وصوت الكلب من بعيد ينبح.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى