ألف ليلة و ليلة مريم جمعة فرج - سلطة الحكاية

من أهم ملامح الحضارة العربية الإسلامية كتب التراث، التراث الشعبي سواء كان مكتوباً أم شفاهياً، وهي ثروة فكرية، أفرزها العقل البشري، ومن حق الأجيال أن تتداركها بروية وتضيف إليها. أحد أهم هذه الكتب كتاب «ألف ليلة وليلة»، وهو كتاب مجهول المؤلف، وأظن أن هذه واحدة من أهم ملامح الأدب الشعبي، ولا يمكن أن يحاسب عليها أحد إلى حد الإفراط والنفي، كما حدث عندما رسخت كتابات نقاد غربيين فكرة الاستمرار في البحث عن مؤلف ألف ليلة وليلة الحقيقي إلى اليوم، متناسين ما هو أهم فيه وهو سلطة الحكاية. سلطتها ليس على شعوبها فقط وإنما ما يتعدى ذلك إلى صدور أقدم الترجمات لها، وتعتبر الترجمة الفرنسية سنة 1704 التي قام بها غالان أقدمها، هذه الترجمة كانت لها هي الأخرى سطوتها على العقل الغربي، خاصة في فرنسا وبريطانيا. وفي كتابه «ألف ليلة وليلة في نظرية الأدب الإنجليزي: الوقوع في دائرة السحر» يقول د. محسن الموسوي: «... فعندما كان السير وولتر سكوت يشرح أسباب نجاح نسخة غالان، أكد هذا التكييف للمناخ الفرنسي». وفي (رسالة الإهداء).. أوضح أنه على الرغم من أن الحكايات كانت «شرقية أصلا في إعدادها الأول» إلا أنها «كانت متلائمة بشكل أحسن مع السوق الأوروبي، حائزة إعجاباً عاماً لا يبارى ولا يمكن أن تستحوذ عليه لولا أن الطباع والأساليب أعدت لتناسب مشاعر القارئ الأوروبي وعاداته». وهناك من الكتاب من اعترف بفضل هذا الكتاب عليه من فولتير وإدغار ألن بو إلى برنارد شو وماركيز، وحرضت الكثيرين من مؤلفين وعلماء اجتماع وانثروبولوجيا على إعادة قراءة تراثهم.

ولدى شعوبها وفي المرحلة التي صدرت فيها، لقيت الترحيب على المستوى الشعبي ولدى النخبة، وفي الدرجة الأولى بسبب أسلوبها الواقع في منطقة وسط بين اللغة الرسمية والعامية، كانت المرآة السحرية التي عكست صورة الحضارة العربية الإسلامية في العهد العباسي على وجه الخصوص، وما كانت عليه الحياة في الغالب في تلك المرحلة من التاريخ من بذخ. لقد دخلت قصور الخلفاء بجرأة الكاميرا الرقمية والتقطت التفاصيل الدقيقة. فهي لم تصور منها فقط هارون الرشيد وتحركاته في بغداد وإنما الفساد الذي لحق بالواقع الاجتماعي والسياسي، إنه فعل التسلط والتراخي القيمي الذي حمل هارون الرشيد والحجاج وزره إلى اليوم. وسواء كانت بغداد أو البصرة أم مصر أو خراسان، فهي عواصم تاريخية سحرية بغرائبها وعجائبها التي تختلط فيها الحقيقة بالخيال، إنها عصارة معرفة وتجربة بشرية تصحبها سعة الأفق سواء أكان على الصعيد الأدبي الإبداعي أم العلمي، وقد ورد في دراسة تحليلية لليتمان قوله «أما أسلوبه فيختلف باختلاف الزمان والمكان والشخص والجنس، فإذا حكمنا عليه فإنما نحكم على جملته لاتفصيله، ونتوخى الصفات العامة في نقده وتحليله. فهو في عمومه أسلوب سهل المأخذ، مطرد السياق، سوقي اللفظ... كثير التضمين، جرئ الإشارة...لأن سبيله سبيل العامة فهو يسايرهم في ثرثرتهم وفضولهم وسذاجتهم. وعلى مدى قرون تم تناقلها وأضيف لها وحذف منها، ويمكن للقارئ أن يعود إلى مصادر كثيرة وردت فيها بعض حكايات ألف ليلة وليلة. وردت في كتاب المسعودي «مروج الذهب»، وبعض الحكايات الواردة في رسائل اخوان الصفا على لسان الحيوان مقتبسة منها بشيء من التصرف.

من جهة أخرى ولا تتصور أن الحكاية التي تفرض سطوتها على المتلقي قد ظلمت المرأة لكونها استطاعت أن تنتصر على رغبة قتلها في النهاية وهي لا تدري «بأي ذنب قتلت». لكن شخوصها بمعزل عنها هم من الرجال والنساء، وكما تصور المرأة كخائنة، وأنها تلعب دورا خطيرا على مستوى الحياة الاجتماعية ثم يأتي تصويرها كذلك كشيطانة لايسلم أحد من مكائدها وسلطة جسدها، فهي الجريئة الشجاعة الذكية التي نذرت نفسها لإنقاذ بنات جنسها، وحتى الملك نفسه الذي يخرج من إطاره كمتسلط ليمارس مشاعر الإنسان الطليق، الكائن الأرضي.

والواقع أن هذا الخيال والحوارات والمعرفة لم تفرض نفسها على النقد والبحث الأدبي والإبداع، كما فعلت لدى الكثير من كبار كتابنا العرب الذين تتذكر منهم هاني الراهب في «ألف ليلة وليلتان» الذي يجسد حال المجتمع العربي وانتكاسته. كما تأتي رواية نجيب محفوظ «ليالي ألف ليلة»، لكنها بعوالمها وجماليتها جعلتنا مأخوذين، مولعين ونحن صغار بقراءة قصص علاء الدين والمصباح السحري وعلي بابا والسندباد البحري، وغيرها. طبعا كنت لا تعرف حينها أن هذه القصص قد أتت من موروثنا السردي العربي لكنها أمتعتنا، وحتى المسلسلات التلفزيونية وأبطالها الذين يحتالون على الحياة بمكرهم وفسادهم وتمردهم كانت نسبة متابعتها عالية، وكم تتمنى لو أن هذا الجيل يعيد قراءتها كما فعل آخرون في الغرب، ومنهم إلى فترة ليست بعيدة المسرحي البريطاني الشهير هارولد بنتر في مؤلفه «قصر اللهو».

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى