ألف ليلة و ليلة فاطمة المرنيسي - شهرزاد، شهريار، ألف ليلة وليلة (1/2).. ترجمة: سعيد بوخليط

شهرزاد، اسم امرأة شابة تحكي وقائع، تم تجميعها في عمل، سمي: ألف ليلة وليلة.
لا نعرف الشيء الكثير عن أصل هاته الحكايات العجيبة، غير كون الرواة العموميون، قصد الترفيه عن المارة في بغداد القرن الوسيط، يروونها بالعربية، حتى وإن وجدنا أصلها من الهند إلى فارس.
ابن النديم، أحد المؤرخين العرب القدامى القلائل، الذين انتبهوا في ذلك الإبان (القرن 11) إلى تأثيرها على الحشد كانت من القوة، مما حتم على شرطة الخليفة البدء في مراقبة الرواة أثبت بأن "أول من أبدع تلك الحكايات (…) هم فرس الأسرة الحاكمة الأولى (…) ثم قام العرب بترجمتها. أشخاص يتوفرون على موهبة أدبية، أضافوا أخرى جديدة مع صقلهم للقديمة". فتح، حكايات "ألف ليلة وليلة"، يعني الدخول إلى عالم يجهل الحدود والاختلافات الثقافية، من الشاطئ الأطلسي إلى تخوم الصين. الفارسيون مثلا، تحدثوا العربية وحكموا بلدانا غريبة عنهم.
"شهرزاد" لفظ عربي لكلمتين فارسيتين: شيهرا، ثم زاد، بمعنى "مولود نبيل". زوج السيدة الشابة، الملك شهريار، فارسي أيضا. اسمه، تركيب لكلمتي شهر ودار، أي "صاحب المملكة". مع ذلك، تتوجه شهرزاد إلى زوجها بواسطة اللغة العربية كلغة أجنبية وليس الفارسية. وشهريار، يحكم شعبا، لم يكن مألوفا بالنسبة إليه، حيث تمتد سلطته إلى "جزر الهند، والهند الصينية". بالرغم، من قدرتها على تجاوز الحدود الثقافية، تنهض الحكايات على عائق يستحيل تجاوزه: الاختلاف بين الأجناس. أكثر، من حاجز يفصل داخل الحكايات بين الرجال والنساء. إنه هاوية، والرابطة الوحيدة التي توحدهم، الحرب التي يستسلمون لها.
بالفعل، تنفتح "ألف ليلة وليلة" على حرب قاسية للأجناس، دراما مفعمة بالكراهية والدم، تنتهي مثل حكاية للجنيات، نتيجة المهارة الثاقبة لشهرزاد وتمكنها من فن التواصل.
تبدأ التراجيديا، بتاريخ لشاهزمان أخ شهريار وملك "بلد سمرقند". حين عودته إلى قصره، سيكتشف الملك زوجته بين "أحضان طفل يشتغل في المطبخ". قتل العاشقان، ثم أخذ في معالجة ألمه بالسفر، ووصل على الفور إلى مملكة شهريار، البعيدة جدا عن مشهد الجريمة. ذات صباح جميل، يتمشى الحزين شاهزمان وسط حدائق حريم أخيه، فإذا به يلقي نظرة خاطفة: "كان يشكو مأساته، متجها بنظره نحو السماء ومسالك الحديقة. فجأة، شاهد انفتاح الباب الخاص لقصر أخيه. ثم ظهرت غزالة صاحبة عينين سوداويتين، إنها سيدة المكان زوجة أخيه. تتبعها عشرون خادمة، عشرة ذوي بشرة بيضاء وعشرة سود يجلسن ويتخلصن من ملابسهن. اكتشف إذن، بأن العبيد الذين تم إحصاؤهم، عشرة نساء بيض وعشرة رجال سود متنكرين في هيئة نساء. ارتمى العبيد السود فوق النساء البيض، وصاحت الملِكة: "مسعود مسعود". ظهر عبد أسود فوق الشجرة، قفز إلى الأرض، انقض عليها ثم رفع رجليها وانغرز فيها، كي يمارس عليها الجنس. كان مسعود فوق الملِكة، بينما العبيد السود فوق العبيدات السوداوات، وظلوا على هذا الوضع، إلى غاية منتصف النهار. بعد الانتهاء، استعاد العبيد العشرة ملابسهم، وأخذوا من جديد مظهر نساء سوداوات. قفز، مسعود من فوق سور الحديقة واختفى، بينما اندست الملِكة من الباب الخاص صحبة نسائها، ثم أغلقن الباب بعناية.
تضاف إلى جانب خيانة المرأة للرجل، خيانة العبد لسيده. على مستوى اللغة العربية، فإن جملة: "كان مسعود فوق السيدة النبيلة (مسعود فوق الست)" ، تختزل هذه الرابطة القدرية بين الزوجة والعبد، التي هي جوهر الحريم كشكل للتراجيديا. تتحدد الخيانة، ببنية الحريم ذاته: إنها التراتبيات والموانع التي يشيدها الرجال، من أجل السيطرة على النساء اللواتي يحدثن العصيان، ويفرضن قوانينهن. إن مرتكب الخيانة الزوجية، وهو يتصفح عمل "ألف ليلة وليلة"، سيفترض وهما آخر، يوطد بعده التراجيدي: الموانع التي تقوم حول الحريم هشة وقابلة للاختراق: يكفي أن يتنكر الرجال في شكل نساء، كي يصيروا غير مرئيين.
ماذا فعل شهريار حينما اكتشف جريمة زوجته؟ لقد عاقب المجرمين: قتل زوجته وخادمه. بل لم تتوقف رغبته في القتل عند هذا الحد: سيلازم لياليه. كما سيأمر وزيره، بأن يقتاد له عند كل صبيحة عذراء يتزوجها، ويقترن بها ليلا. لكن مع الفجر، يقودها إلى الجلاد لينفذ فيها حكم الإعدام: "هكذا سيتواصل الأمر إلى غاية إبادة جميع الفتيات. كل الأمهات تبكين، فتصاعد الضجيج بين الآباء والأمهات…".
نعاين إذن، منذ بداية "ألف ليلة وليلة" التشابك المعقد بين العنف الجنسي والسياسي. مابدأ قبل ذلك، كحرب بين الأجناس تطور نحو عصيان سياسي ضد الحاكم، من قبل الآباء الحزينين على بناتهم.
لم تبق الآن، إلا عائلة وحيدة في مملكة شهريار، تضم فتيات عذراوات. إنها عائلة الوزير الذي كان مكلفا بعمليات القتل، وهو أب لفتاتين تسمى الواحدة شهرزاد والثانية دنيازاد، لم تصل شهرزاد إلى قصر شهريار إلا سنوات بعد حادث الحديقة. كان أبوها يرفض التضحية بها، لكن شهرزاد ألحت على مواجهة الملك: "أبي، وهي تخاطب الوزير المنهار، أريد الزواج من الملك شهريار، إما أنجح في تخليص شعبي أو أموت…".
تحت هذه اليافطة، تمثل الفتاة الشابة التي تسكن خيال الفنانين والمفكرين المسلمين كما سنرى بعد ذلك، وجها للمقاومة والبطولة السياسية. لا تسير شهرزاد بسذاجة نحو الموت، بل لها استراتيجية وتتوفر على برنامج مصمم جيدا. محادثة الملك، إلى غاية أن تتملكه، بحيث لا يمكنه التخلي عنها وكذا صوتها. صار المخطط، كما توقعته، ثم حافظت شهرزاد على حياتها.
تقويم اندفاعات المجرم المتهيئ لقتلك، وأنت تروي له حكايات، يعتبر انتصارا هائلا. لكي تنجح شهرزاد، يجب أن تضع على التوالي ثلاث استراتيجيات ناجحة. أولا، معارفها الواسعة، ثانيا، موهبتها في خلق التشويق، بطريقة تشد معها انتباه القاتل. ثالثا، برودة دمها بحيث تسيطر على الموقف بالرغم من الخوف.
الامتياز الأول، ذو طبيعة ذهنية: تلقت شهرزاد تربية أميرية، تجلت ثقافتها الموسوعية منذ الصفحات الأولى من الكتاب: "قرأت شهرزاد مؤلفات في الأدب والفلسفة والطب. لا تنطوي القصيدة بالنسبة لها على أسرار، فقد درست النصوص التاريخية وبإمكانها الاستشهاد بالوقائع المثيرة للأوطان الغابرة والحكي عن أساطير الملوك القدامى. كانت شهرزاد ذكية عالمة، حكيمة ومهذبة. قرأت وتعلمت كثيرا". لكن العلم وحده غير كاف لإعطاء المرأة، سلطة على الرجل: انظروا إلى هؤلاء الباحثات المعاصرات عندنا، إنهن متعددات ولامعات سواء في المشرق أو المغرب: لكنهن عاجزات عن تغيير غرائز الموت، عند شهريار العصر الحالي… من هنا فائدة القيام بتحليل يقظ، للكيفية التي خططت بها شهرزاد لنجاحاتها.
الامتياز الثاني لبطلتنا، يحمل طبيعة نفسية، فهي تتقن اختيار كلماتها، لكي تؤثر في أقصى عمق فكر المجرم. إن التسلح بوسيلة وحيدة، مثل الكلام، للدخول في صراع مميت، يمثل اختيارا ينطوي على جرأة نادرة. إذا كان هناك من حظ للضحية كي ينتصر، فمن اللازم بالنسبة إليه فهم دوافع المهاجم واكتشاف قصدياته ثم إبطال الهجومات بالحدس كما هو الحال مع لعبة الشطرنج. الاختيار الذي سلكته شهرزاد أكثر صعوبة، بحيث يبقى أولا، الملك العدو صامتا.
على امتداد ستة أشهر الأولى، اكتفى بالاستماع إلى ضحيته دون النطق بأية كلمة. أما شهرزاد فلا يمكنها حدس مشاعره، إلا بناء على إيماءات وجهه وجسده. كيف يمكن لها في إطار هاته الشروط، أن تعثر على الشجاعة لمواصلة الحكي وحدها طيلة الليل؟ كيف تتجنب الخطأ النفسي والخطوة الخاطئة القاتلة؟ لذلك، مثل صاحب مخطط، يستخدم معارفه في أفق، توقع ردود فعل الخصم، وتمثل تكتيكاته. كان، من الضروري بالنسبة لشهرزاد، أن تكتشف باستمرار ما يدور في فكر شهريار، تبين ما سيحدث بعد ذلك بدقة كبيرة، فأبسط خطأ يعتبر مميتا.
أيضا، يفضي الامتياز الأخير للمناضلة الشابة على الأقل، الاحتفاظ بوضوح الأفكار ومواصلة اللعبة عوض الخضوع للخصم. ستنقد شهرزاد إذن ذاتها اعتمادا على ذكائها وخاصياتها الدماغية التي تتميز بقوة هائلة على التخطيط. ستوظف نفس أسلحة الإغراءات الهوليودية أو جواري ماتيس Matisse. تدحرج، بشبق جسدها العاري فوق سرير الملك، وإلا فستموت.
لا يفتقر هذا الرجل للجنس بل يعاني من تحقير حاد للذات، نتيجة تعرضه للخيانة. يحتاج الملك، إلى علاج نفسي، يساعده على أن يعيش ثانية المأساة التي تنخره ثم يتحرر منها، وهو بالضبط ما شرعت شهرزاد القيام به وذلك بجرأة نادرة. كانت تروي له مئات الحكايات التي تكرر بشكل لا نهائي نفس الحبكة، مثل هلوسة: رجال يتعرضون للخيانة من طرف نسائهم. ثم لكي تشجع شهريار على النظر بنسبية إلى مأساته، فإنها تورد حالة الجن، تلك الكائنات اللا-أرضية التي من المفروض أنها لا تنهزم، فقد خدعتها النساء، وهن يتسلين بحجزهن. جرأة الكلام مع رجل عنيف قصد مداواته من جرح يتآكله، يعتبر بالتأكيد تهورا ينبني على استراتيجية، دفعت مجموعة من المفكرين، كي يكتشفوا في شهرزاد، امرأة محرِّضة على التمرد، محفزة المستضعفين على العصيان.
لاحظ جمال الدين بن الشيخ، أحد أفضل المختصين في الحكايات، بأن شهرزاد، لم تنكر لحظة من اللحظات وجود القائد، رغبة النساء لتعطيل إرادة الرجل. هذا ما يفسر سبب رفض النخبة العربية تدوين الحكايات: "الراوية التي تتوخى الحصول على رأفة الملك المخدوع من قبل زوجته، ستوظف كل خيالها المبدع، لتنسج وقائع تؤكد عدم ثقة هذا الأخير في النساء". تنطوي الحكايات بالفعل على توضيحات لمزاج نساء الحريم، غير القابل للضبط. سيظهر مع الواحدة بعد الأخرى، إلى أي حد عدم واقعية، توقع رؤيتهن يخضعن لقواعد اللا-مساواة التي تفرض كقانون. بإمكان الرجال، قراءة المصير التراجيدي الذي ينتظر كل واحد منهم. يكتب بن الشيخ: "نعرف بأن رعب الخيانة هذا، يغوص بجذوره إلى أكثر الثقافات قدما من ثقافتنا، معبرة عنه دائما بنفس الطريقة تقريبا… .لكننا في هذه الحالة، نشتغل على نص مكتوب بالعربية…".
لأن العربية، تمثل لغة الكتاب المقدس، أي اللغة التي نزل بها القرآن! فإن تدوين الحكايات بالعربية، يعني منحها معقولية خطيرة، هذا ما يفسر عنده إدانة النخب العربية الذكورية، للحكايات طيلة قرون والاقتصار على تداولها شفويا. إن رفض المثقفين العرب المتنفدين، الترخيص لتدوين الحكايات، سيضعها داخل سياق الدونية، أمام الأوربيون الذين أعطوها امتيازا بترجمتها ابتداء من سنة 1704 (الترجمة الفرنسية لغالان). بينما، لم تظهر أول طبعة عربية إلا قرنا بعد ذلك، وبالضبط سنة 1814، كما أن لا أحد من الناشرين ل"ألف ليلة وليلة" كان عربيا.
صدرت الطبعة العربية الأولى، بكالكوتا سنة 1814 من قبل هندي مسلم اسمه "الشيخ أحمد الشيراواني"، أستاذ العربية بكوليج وليام الرابع. أما الثانية، فقد أنجزها الألماني "ماكسيميليان هابيش" سنة 1824. عشر سنوات، بعد ذلك، سيأخذ العرب المبادرة أخيرا، بالعمل على تسويق النسخة المصرية لبولاق التي طبعت بالقاهرة سنة 1834. من المهم، الإشارة إلى أن الطبعة العربية الأولى ل"ألف ليلة وليلة"، تبين الحاجة لتصحيح نسخة بولاق: "تحسين اللغة بطريقة تنتج عملا ذا قيمة أدبية أعلى من النسخة الأصلية".
بإمكاننا التساؤل عن السبب الذي استندت إليه النخب، كي ترفض تدوين الحكايات؟ ما هي الجريمة الأساسية التي اتهمت بها شهرزاد؟ هل الأسباب سياسية أو دينية كما يحدث حاليا في إيران أو العربية السعودية، بمنع الكتب؟ يظهر بأن العامل الأول الذي تم استحضاره هنا، أدبي بالأساس دون أي مضمون سياسي: لقد كانت النصوص ذات قيمة ضعيفة.
لاحظ "بن الشيخ" مستوى الخرافة الذي وضعت في إطاره الحكايات (مما يعني تقريبا "هذيان فكر مختل")، لكن وراء هذا البرهان الأدبي، يتحدد منتهى الجبل الجليدي السياسي: رفضت النخبة إخراج الحكايات، لأنها تترجم مشاغل، ورأي القوى الشعبية. هذه الجزئية الصغيرة، تجعلنا نستشف انفصاما ضخما: ألا يجسد الإرث الإسلامي المدون، فكر النخبة؟ ألا ترسم الشفاهية في جوف هذا الإرث فتحة واسعة وفراغا، علينا الاهتمام به؟ هذا التطابق بين الشفاهية والإقصاء، قاد بن الشيخ للتساؤل، إذا كان في الواقع، رفض تدوين الحكايات كتابة، يتأتى من كون النساء يظهرن فيها أكثر براعة من الرجال.


Fatima Mernissi: le Harem européen. Editions le Fennec, 2003, PP: 59-76*

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى