يحيى الشيخ - إنتظرتُ النهر يمرُّ، لأعبر

قضيتُ الظهيرة في مقبرة عند تخوم الغابة؛ دفنّا طبيبي الخاص. الأطباء على عادتهم، ميالون لتهوين الأمر على مرضاهم بكل جدّية وبمختلف الأمثلة، أشعر أنها مفتعلة لا علاقة لها بمهنتهم، بقدر ما لها علاقة بتضييع الوقت كالحلاقين. تمنيت، وأنا فوق قبره، أن اسمع جوابه عن الموت، وأية امثلة يمكنها تهوين أمره. فهوّنت الامر على نفسي وغادرت مسرعاً قبل التورط بمجاملات عن الموت والميّت، الذي كان يحلم ويستهلك نصف وقت المعاينة يقصّ عليّ أحلامه وكيف يمكنه الاحتفاظ بها حية طيلة النهار، وانه يطبّب الناس بها.

بعد خطوات في الغابة، تحت شجرة سرو كان يتسلقها سنجاب أشقر، دفنت ذكرى المقبرة التي ولدت قبل دقائق، ونسيتُ الموت. مشيتُ طويلاً بمحاذاة الجدول، عبرتُ القنطرة الحجرية، وقفتُ في منتصفها أسمعُ تدفق الماء تحتها، وتعثره بين الصخور وارتطامه بين جوانحها. هناك صادفت طبيبي! وقفتُ أمامه باعتدال وكأني في عيادته يفحصني، وقد أنساني مشهده السعيد أني دفنته قبل قليل، ورميت فوق ناووسه حفنة تراب ندي... حييته بسرور وسألته:

- بيير فِك، ماذا تفعل هنا؟

- أنا ذاهب إلى المقبرة. ألم تعرف أن بيير فِك قد دفن اليوم؟

- نعم كنت هناك... وقد انتهى كل شيء

استدركتُ أني أُكلمُ ميتاً دفنته قبل قليل، وسألته:

- ولكنْ من أنت؟

- أنا واحدٌ من أقرب أحلامه اليه، كنت أرافقه طيلة حياته. لقد تركني نائماً وغادر، ولم أعرف بموته إلا قبل لحظات... سأحاولُ اللحاقَ به.

لوّحَ لي وغادر مسرعاً.

بقيتُ في وسط القنطرة، أنتظر النهر يمرُّ... لأعبر. لم يمر النهر، ولم أعبر. سمعته بجانبي:

- مازلتَ في مكانك؟

- آه ... عدت بسرعة... ألم تعثر عليه؟

- لحقت به قبل أن يغو بلحظات... طردني! ادعى أن القبر ضيق لا يسعنا... لم أتوقع منه هذا الاجحاف... تعرف ! كنت احمله الى اماكن لا يصلها حلم غيري.

- لم يعد بحاجة لك... انه يطبّب الموتى، اللذين لا تنفع معهم الاحلام.

- بدوني لا يمكنه شيئاً... هل صدّقت انه كان يُطبّبكَ؟

- تقصد اني مازلت مريضاً.

- نعم!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى