رحاب محمد على البسيونى - قلبي الصغير.. قصة قصيرة

تمسد الجسد المسجي أمامها, تمرر يديها عليه جيئة وذهابا, تنصهر بكيانها داخله, تقبل مواضع الشعر الذى سقط ولم يبق منه سوى القليل...

العينان الغائرتان أغمضتا للأبد, لكم كانتا آبارا عميقة ترتشف منهما خبرة السنين, وتبصر بهما الوجود,

تحتضن الجسد وتتمنى لو تتجمد اللحظة ويتوقف الزمن حتى تفتح هاتان العينان من جديد...

تشعر منذ وافاها المرض بهجير الدنيا يتسلل إلى حياتها تدريجيا , وكيف لا وشجرتها الوارفة ينحسر ظلها عنها شيئا فشيئا...

تدخل بها إلى الطبيب متكئة عليها, إنحنت قامتها إلى الأمام قليلا,صارت هى أطول منها , كان أصعب إنتظار فى حياتها , حينما كانت تراقب عينى الطبيب من خلف عويناته وهو يقرأ التقارير الطبية قبل أن يلقى بالكلمة فى وجهها ... تمنت لو احترقت الأرض كلها أوقامت القيامة ولم ينطق بها...

_ من فضلك لا تقل أنها ستغادرنى قريبا, وتتركنى فى تيه الحياة وحيدة...

_ للأسف نعم,فالمرض تم إكتشافه فى مراحله الأخيرة ...

تثاقلت خطواتها مؤخرا, لم تعد تلك التى تملأ المكان حركة ونشاط , ورغم ذلك ظلت ذلك الطيف الملائكى الذى رسمت ملامحه عذرية النجوم وأضاءت وجهه أقمار الكون...

تحاول بقدر استطاعتها مقاومة ذلك الكائن الشره الذى ينتشر بسرعة البرق , تاهت الأفكار وقل التركيز , ورغم ذلك تقاوم من أجلها, ولأجلها فقط تحاول أن تظل تلك الزهرة التى تحط عندها الرحال وتستجمع عندها الأنفاس , ورحيقها هو طاقة الحياة التى تمضى بها.

ترسم البسمة والهدوء على وجهها مطمئنة إياها, ثم تغلبها تلك التقطيبة التى تنذر بنوبة جديدة من الألم المميت , تختلس لحظات هدنة معه لتفرحها, بينما يستمر ذلك الخبيث فى نهمه مخلفا الدمار والخراب فى جسدها الضعيف.

تمسك باليد التى استحال لونها إلى اللون الأزرق بفعل ( المحاليل)... تشقق جلدها كلوحة زيتية اهترأ قماشها ونزع منها الحياة... تلك اليد التى تدين هى لها بنعومة يديها , لكم حملت لها كل خير وكانت فى خضرة الحياة وعطائها .

دائما ما كانت تمسك بكفها الصغيرة فى كل خطوة من دروب الحياة , وكبرت تلك الكف وظلت تمسك بها ولا تحملها أدنى شئ ...

كانت هى قلب الحياة الذى اتسع مداه شيئا فشيئا ليغمر نوره المدى وحياتها , ذلك القلب الكبير الذى كانت تسمع دقاته (تسمى) عليها , لا تصدق أنه توقف ... تتحسس موضعه ,تكاد تسمع صدى الدقات تناديها (أنتى قلبى الصغير), تساقطت مع دموعها عصارة قلبها , كتمت صرخاتها فيه لعل أنفاسها تبث الروح فيه من جديد, وتعيد دموعها إليه ماء الحياة , لكن سدى...

ستظلين بقلبى جذوة لا ينطفئ دفؤها أبدا يا قلبى الكبير...



رحاب محمد على البسيونى

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى