ياسين الزبيدي - سرياليه

كان مشغوفا ب(دالي )وبلوحاته، وقف ذات مرة أمام لوحة من لوحات ذلك الرسام الرائع مذهولا، مفتونا، مرعوبا، كل تلك المشاعر المتناقضة ملأته في تلك اللحظة التي كان يقف فيها محدقا في تلك اللوحة المعلقة على الحائط.
لوحة يظهر فيها رجل قطعت ذراعه ثم مالبثت أن نبتت له يد أخرى كالجناح راح يحلق بها عاليا صاح حينها وهو ينظر إلى الصورة ياللخلاص! !..
في بواكير شبابه كان يسمع عن السريالية فيستعصي عليه معرفة معناها ،تختلط حروفها الغريبة اللزجة، الزلقة في رأسه فيتكور على نفسه محاولا فك رموزها.

بعد أن ضاق بالسائد والمألوف وجد في السريالية متنفسا وافقا رحبا، عندئذ أصبحت تلك الكلمة نضرة ،واضحة المعنى وأدرك حينها بأن دالي هو رجل يهوى اللا مرئي وأنه يعيش خارج حدود المألوف وان السريالية بإمكانها أن تمنح أجنحة للمحبطين، المقطعين الأطراف يطيرون بها اينما يشاؤون. .
في غرفة ضاجة مملوءة بالاجساد المتحركة كان هو يعيش الوحدة، أراد مرة أن يتحدث إلى أحدهم بيد أنه وجد الجميع يمنحونه ظهورهم ففضل أن يتحدث إلى الجدار، سأل الجدار :هل بأمكاني أن أحصل ولو على يد واحدة بدل أطرافي المقطوعة؟ ؟...
انصدع الجدار فخرجت من عمقه الموغل في القدم إمرأة ليس لجمالها وصف، كانت سافرة تكشف عن نهدين بارزين يقطران حنانا، تمتم بصوت مسموع (لابد أن تكون تلك الاثداء لام رؤوم، لاينقصني سوى أم تكون لي كالذراع، بل جناح اخضر لامثيل لسعته أطير به انى شئت، إياك أن تكوني غير أم تسمع صرخاتي الأزلية وشكواي، أم ترضعني لبنا لطالما حلمت أن يملأ فمي )..

ظل يغمغم :لي أصحاب كثيرون لكنهم حاقدون ،ملونون ،حاسدون ولي أخت تشبه إلى حد بعيد ذلك الطحلب الذي يكسو حافات حوض المياه، ماعساها تفعل تلك الاخت وهي ليست سوى هيكل يتنفس! !،إنها بلا هدف، هل تعرفين ماذا يعني أن يكون أحدنا بلا هدف؟
هذا يعني أن يكون كالرحى تظل تدور. ...وتدور لتطحن القمح لكنها لاتعلم بأنها تطحن نفسها أو كالناعور لا هم له سوى أن يملأ الدلاء كي يشرب الجميع وعندما يهم إن يشرب لا يجد غير دلاء فارغة، تلك الاخت لا اجد فيها أثرا لدم الشباب، حقيقتها تظهر جلية واضحة عند الليل. فعندما تغتال ظلمة الليل ضوء المكان أرى حقيقة اختي، فم فاغر، صدر يعلو ويهبط، شعر منفوش، جسد تلفه خرقة سوداء.

كانت تلك المرأة التي خرجت من عمق الجدار عارية تماما بيد انني لم أشعر بعريها، لم أشعر بجبيني يتعرق ولا باعصابي تتخشب ولابفورة الدماء ولا باتساع مقلتاي ولابزوغان حدقاتهما، كنت حينها (كطفل لم يبلغ الحلم أو من الرجال غير أولي الاربة ).
ما أن خرجت تلك المرأة من عمق الجدار حتى انبثق سؤال ظل حبيس صدري لسنين وهو :ترى هل يمكن ان نولد من دون آباء وأمهات؟
هل يمكن أن نولد من شقوق الأرض والجدران؟
جلست تلك المرأة امامي وراحت تمسح على شعري فرحت في اغفاءة أخذني فيها طائر الحلم إلى البعيد، كنت أرى نفسي في أحضان امرأة عظيمة التفاصيل، رائعة الملامح، كنت أشعر وانا في حجرها كأنني أجلس على عرش عظيم،كانت تحكي لي قصصا ممتعة عن أبطال ومتحدين وفي كل مرة كانت تعطيهم اسمي موحية لي بإشارة ذكية حجم التشابه بيننا. .
كانت امرأة الحلم اما رائعة تحاول أن تعيد تركيب كياني المبعثر، تأخذ طينتي لتعجنها بماء التفاؤل، إنها تحاول أن تنفخ الروح في جسدي الفارغ،تحاول صياغتي من جديد. .

كانت امرأة الحلم تشبه إلى حد كبير تلك المرأة التي خرجت للتو من شرخ الجدار، لكزتني امرأة الجدار فايقظتني من حلمي وبادرتني بسؤالها عن مرادي. ..قلت لها :أنني ابحث عمن يمنحني أطرافا فأنا كما ترين مقطع الأطراف
ردت منذهلة :ولكني أرى بأن اطرافك سليمة. .
قلت لها : وهل هذه برأيك أطراف حقيقية؟
أنني كسيح برغم هذه الأطراف.
ليتك تكونين لي غمامة تمطرني خيرها، كوني لي مائدة تشبع جوعي،ضميني إليك،اعيديني لرحم لطالما تمنيت أن أولد منه. .
إنني ابن الشقوق، من شقوق الأرض ولدت وفي زوايا الجدران المهملة عشت، إنني الخطيئة، إنني ابن الرغبة والمزاج، انا الدمعة المنسكبة على الدوام، انا الأنين الذي لاينقطع. ...انا الصفر الشمالي. .ليتك تدركين حجم كارثتي.

كنت في تلك اللحظة قد عدت لتوي من وسط دوامة الهذيان لأجد المرأة ذاتها امامي، تلك المرأة التي جاءتني من وراء الجدار، وقع بصري على نهديها العامرين، كانا بالنسبة لي نهر حنان لطالما تمنيت أن ابني عند ضفافه بيتا يؤويني. ..قلت لها : هلا اعطيتني تلك الاثداء؟ ؟ امتعضت وحدجتني بنظرة، ازدادت لهفتي ورغبتي فشعرت المرأة بذلك من خلال بريق عيني وتأهبي، ،فلاحظت تململها وتأهبها للفرار وقبل ان تفر باغتها بالهجوم على اثدائها بيد انني ارتطمت بالجدار، لم يكن امامي غير جدار مليء بالسخام والشوق. ...

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى