عبد الله البقالي - فاطمة مورينو

لا أحد يذكر أو يتذكر الان فاطمة مورينو. و قد لا يكون السبب في ذلك النسيان لوحده، خصوصا و ان كل حديث عنها بعد رحيلها مباشرة كان يتم بصوت هامس، و كأن الحديث عنها بصوت مسموع كان من شانه أن يستدعي اللعنة التي صارت فاطمة مورينو رمزا لها،
لو امكن الآن إعادة تشكيل صورة فاطمة مورينو من جديد، لتوجب القول أنها كانت في حاجة إلى اقل من نصف تعويذة كي تصبح أميرة . أميرة ككل الأميرات التي كانت حبلت بها حكايات الجدات في الاماسي البعيدة. قد في منتهى الروعة. و خصر مثالي يربط امتدادين مغرقين في المباهاة، و كأن كل واحد منهما يستطيع ان يشكل آية جمالية بشكل مستقل عن الأخر. و في اقصى ارتفاع الجسد، يفهم لماذا يتوجب ان يكون الوجه في الاعلى. وجنتان منشغلتان في استدعاء الالوان، محتارة بين البياض الناصع، و حمرة الورد المتجاوبة مع التفاعلات الداخلية التي تفصح عن أصالة طبع، و رهافة الاحاسيس التي لا تعترضها اي مقاومة من أجل تشكيل الملامح المعبرة عنها بكل براءة.
ماذا كان ينقص فاطمة مورينو كي تتبوأ المكانة التي تليق بها داخل حياة تحتفي بالجمال؟
ربما تحدد الامر في سرداب من سراديب الغيب حيث لا مكان و لا زمان. ممر تنفتح فيه بوابات الأقدار و المصائر التي تطلي بها الاعمار. و ان فاطمة في هذا الممر ربما كانت تنظر إلى الأسفل في لحظة كان يتوجب عليها ان ترفع رأسها الى الاعلى. و ربما تسلمت كتاب قدرها بغير اليد التي يتوجب عليها تسلمه بها. و غير هذه التخمينات لا يوجد أي تفسير للمصير القاسي الذي كان كل نصيبها.
حين كبرت فاطمة مورينو، عرف الناس فيها أنها ابنة حفار القبور الذي حفر قبور كل الموتى عبر تاريخ الموت في القرية. و كان يتباهى انه يفعل كللك بدون مقابل.
لم تذهب فاطمة إلى المدرسة. لكنها عرفت ككل الناس الفقراء أن غنى الدنيا زائف و زائل. و ان الجنة هي الغنى. و لأن الإشباع سيحصل هناك، فصبرا جميلا إلى حين. لكن مسكن الصبر لم يكن فعالا حين افتتح بائع الخضر و الفواكه متجره في القرية. و كل الذين مروا بالقرب منه، نظروا غير مصدقين للتفاح و الموز و فواكه أخرى لم تكن معروفة.
جل الأطفال سمعوا من قبل أن العسل و السمن، و التفاح و الموز هي بضائع فردوسية. لكنهم تلك اللحظة كانوا يرونها امامهم في الدنيا.
حين مرت فاطمة مورينو امام البائع، توقفت طويلا متأملة المعروضات. كان الإغراء قويا. و حين طالت وقفتها، خرج البائع. ابتسم ليزيد بياض أسنانه بشرته قتامة. كانت تنظر إلى تفاحه. و كان يطلب تفاحها. و تمت المقايضة. و قبل أن تغادر محله. كانت حكايتها على كل الالسن.و في أعلى شجرة خلف مسجد مركز القرية، رأى الناس جسد فاطمة مورينو يداعب الفضاء.
لم يتعاطف أحد معها. وكانت الوجوه متجهمة و هي تنظر إليها و قد غاب عن نظرتها ذلك الاستسلام و الاقرار بسطوة الموت مثلما يحدث عادة. بل كان في العيون الكثير من التشفي. و جل الذين علقوا على الحدث قالوا: مصير ملائم يليق بعاهرة.
و لأول مرة في حياته، لم يقم حفار القبور بما اعتبره دائما واجب عمره.


عبدالله البقالي, ‏23/8/13
#1

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى