محسن يونس - أغنية للتـاريخ.. قصة قصيرة

رجلنا هذا ورب العرش المنجي, رأيناه يركب حماره في هذا اليوم, وهذا يحدث, رغم أننا أدخلنا الأتومبيلات, والميكروباصات إلى شوارع البلدة, بعد أن صارت بورسعيد مدينة حرة, تاريحنا هذا, وبه نؤرخ. رجلنا كان أيضا يغني, ويقول: معايا جنية. أجيب به أيه. أجيب وزة . والوزة تكاكي ..وتقول يا وراكي..يا وراك الشوم, وانكتمت ضحكاتنا في حلوقنا, إذ أننا رأينا أن السماء سماء, والأرض أرض, والهواء هواء, والبحيرة بحيرة, ونحن نحن. أما هو فربط على عيون حماره منديلاً كبيرًا, ومعقودًا. والحمار شاهدناه يتخبط في مشيه, إلا أن رجلنا هذا يظل ينخس الحمار في جوانبه, ويزعق عليه: اجري . اجري . حتى أن الرجل هذا طارت طاقيته, وهاش شعره, ولم يهتم هو, وجرينا معه ورب الكون نسأله عن المنديل, والأعمى هذا الذي يركبه, رد علينا, وهو يرتفع وينخفض: أنا مزاجي كدا. وغز الحمار في منطقة من بدنه بعصا مدببة, فانفتح الكون قدامه. ومن الجرى نحن تعبنا, إلا أننا سمعناه يشجع حماره, الذي يطيح الآن بالهواء, ويمرق, ووصل إلينا بقية مما يغني: يا وله. يا وله. يا حبيبي يا حبيبي. يا دوا عيني… توقفنا, وهو يسوق دابته العمياء, ويطلع بها الجبل العالي, الذي يغزو البحيرة بكيانه, وينزل إليها بهاوية, بعدها الماء, والطين, ولاشيء. انتبهنا, لأنه يقود نفسه إلى أعلى أعلى. قلنا أنه سوف يرجع, ولعلنا نضحك, وفوق قمة الجبل كان قد وصل. بعدها قمنا فزعين إذ أننا لم نعد نراه, ولا نرى حماره المربوط العيون..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* نشرت القصة في مجلة أدب ونقد عدد 52 نوفمبر 1989

** منقول عن:
أغنــية للتــاريـخ قصة: محسن يونس

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى