مازن مصطفى - قصة خلق.. قصة قصيرة

تناديك السيرينات بكامل غناء القديم؛ لن تتوقف. تبحث؛ زرعوك وين شتلوك وين يا العنب. يناديك العجوز الذي حمل نعرة البلوغ على كتفيه:
- يا ولد.
تجيهو مهرول. تطلب العين. يعطيك نظرة تملأ بها بصرك.
*
تتفحص العجوز بالنظرة التي أخذتها منه. ليس شيخاً، الشيخ من شاخ جسده، والعجوز صار عاجزاً؛ كعبه يؤلمه. سرت العطلة في خياله، قرر حقه فيها، نادته إلى خارج الرفاهية وأغرته ببلادة الموت ونعومته. قرر أن يجرب الشظف، ويعلل النوم. قرر أن يخرج منه إلى آخر، ففتح الباب وخرج. رهيف. يمنحه كاملاً للمنح، لا لشيء إلا لكونه مرغوباً. رغبته فقال حاضر. أبدى في البدء بعض الممانعة إلا أن الجِدة أغرته بالتجريب، ثم حلت عليه فرحة بالجديد. ثم هوذا عجوزاً لأنه لم يبصر ذيل سمكة.
*
تمضي مع العجوز إلى ما حدث. غادر في تلك النقطة من البحر التي حسبها سفينة؛ أبحر مقرراً منح مهامه كلها إلى الإبحار، وهذا شرف كله. ثم غروره، الذي أراد من إخراجه أن يعمل مصدّاً للمخاوف والكوابيس، المرتبطة بكون خلل ما في مكان ما يهدد شيئاً ما.
*
ثم شلته نظرة للخارج، ثم عطنه التزاحم، عاقبته التجربة. باختصار: بلوغ السلامة تشكك فيه السلامة. ثم لم يلبث العجوز أن أصاب نفسه بالسلام. ضربها بالراحة وقتلها في الاحتفاء الدائم بالدلال القديم. غامر بالدلال نفسه مقابل النوم. ولم ينم. العجوز لا ينام. لكنه لم يعلم قط أنه عجوز؛ كان حين ينظر في المرآة يبصر مدللاً في الكمال.
*
منذها قبع العجوز مقرفصاً في الغرفة، وعاش عينيه على البصر. شيئاً فشيئاً أتت جيوشه تحمل له الغنائم من الأصقاع البعيدة للعافية. ثم أبصر مهاوي جديدة سماها: مهاوي الدلال.
*
ثم صار شاباً إذا نادته السيرينات لم يتوقف. إذا أغراه العجوز بالعُطلة قرأ على نفسه هذه الكتابة، تعطيه نظرة يملأ بها بصره.


قصص قصيرة سودانية: مازن مصطفى
  • Like
التفاعلات: أمل الكردفاني

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى