تواتيت نصرالدين - غريبة الوطن واللسان.. قصة قصيرة

هجرة قسرية فرضت على أحلام وهي في ربيع العمر بعدما دمرت الحرب في وطنها كل
شيء . وأصبح الوطن مستباحا ومسرحا للعنف والإغتصاب والسطو والقتل والتهجير
على يد العصابات والمليشيات . لقد فقدت أحلام ثلث أفراد أسرتها في قصف ناريّ رهيب
وأصبح منزلهم ركاما . بكت أحلام من مات من أسرتها وبكت منزلها مرتع طفولتها الذي
أصبح طللا باليا لما لحقه من دمار بدموع حارقة وصيحات تقطع الأكباد وما هي إلاّ اسابيع
قليلة حتى نقلت مع أفراد أسرتها إلى مخيم لا يتوفر على أدنى متطلبات الحياة . لقد مكثت
أحلام مع أسرتها في هذا المخيم في العراء تحت الخيام التي لا تقيهم حرا وبردا ما يقارب
الحول لكنها لم تكن راضية بهذه العيشة التي تهدر كرامة الأنسان وتحط من شأنه كآدمي
كرمه الله .
لقد كانت ظروف الحياة للعائلات التي نقلت إلى المخيم قاسية لا تطاق . ففكرت أسرة أحلام
في الخروج من هذه البؤرة التي ساقتها الأقدار إليها إلى وجهة أخرى قد تكون أفضل وأحسن .
جمع أفراد الأسرة كل ما لديهم من مصاريف ومستلزمات وعزموا على الرحيل وركبوا البحر
بعدما استأجروا قاربا نحو إحدى الدول الآمنة كبقية اللا جئين . وبعد رحلة بحرية محفوفة
بالمخاطر والمجازفات والأهوال تمكنوا من الوصول بأشق الأنفس حيث البداية في رحلة جديدة
من حياتهم كلاجئين دمرت أوطانهم الحروب
لم يكن مع أفراد الأسرة إلاّ ما يملكون من صنعة وحرفة ليتسنى لهم العيش بعدما تم ادماجهم
في مجتمع جديد يجهلون عاداته وتقاليده ولغته ومعتقداته . ولكن مع مرور الأيام استطاعت
أحلام أن تندمج مع المجتمع الجديد لما تملكه من مهارات ذاتية لكن لغة الوطن الجديد كانت
تخونها فوجدت نفسها غريبة الوطن واللسان .
ولحسن الحظ التقت بواحدة من بنات جلدتها ووطنها وتمكنت من التعرف عليها ونشأت بينهما
علاقة حميمية فكانت دليلها إلى إحدى مراكز تعلم اللغة لتتمكن بسرعة ومهارة في تعلمها مما
سهل لها الإنسجام مع المجتمع الجديد وهذا ما دفعها إلى الالتحاق بإحدي الجمعيات التي ساعدتها
على فتح محل للطرز والخياطة لتكسب الكثير من الزبائن وكانت تقوم بتعليم الكثير من الفتيات مقابل
مبالغ رمزية ونتيجة الإقبال الكثير وضيق المكان الذي أصبح مكتظا بالمتربصات نتيجة حب هذه الحرفة
من المتربصات قررن الذهاب إلى رئيس البلدية وعرضن عليه بأن يساعد أحلام في منحها محلا كبيرا
ليكون ورشة لإستقبال عدد كبير من المهتمات بهذا النشاط فوافق على ذلك دون تردد وبعد مدة
من الإقامة منحت لها شهادة الإقامة الدائمة لتتفرغ للعمل بصفة رسميةوتحصل على جميع حقوقها
المدنية كبقية المواطنين هي وجميع أفراد أسرتها .. وهكذا بدأت أحلام تحققأحلامها وأحلام أسرتها
والعيش في أمن وأمان .لكنها كانت تحن دائما لوطنها وتتمنى أن تعود إليهبعدما أحست بالغربة التي
حولت ليلها أسفا ونهارها لهفا. وكثيرا ما كانت تردد قولا كثيرا ما ترددعلىلسانها :بَمَ التعلُّل ؟! لا أهلٌ ولا
زمن ولانديمٌ ، ولا كأسٌ ، ولا سكَنٌ .

---
بقلم / تواتيت نصرالدين

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى