نقوس المهدي - ابن عــــروس بين الحقيقة والخيال

لعل في البحث عن سيرة و شخصية أبن عروس واسمه الشيخ احمد ابن عروس الهواري ومدى حقيقة نسبته الى تونس او مصر ما يدعو للشك ، مما يفتح العديد من الاسئلة عن حقيقة امره ، خاصة ان جل رباعيات ابن عروس جاءت بلهجة مغربية صرفة ، ومشابهة الى حد بعيد لرباعيات سيدي عبد الرحمن المجذوب الصوفي المغربي ، عبد الرحمن المجذوب ابن عياد بن يعقوب بن سلامة الصنهاجي الدكالي المولود ببلدة تيط الواقعة بسهول دكالة قرب مدينة الجديدة و أزمور المغربيتين ، وهو امر اشكل على الباحثين في السير الشعبية مما يؤكد ان جل مربعات ابن عروس ماخودة عن رباعيات سيدي عبد الرحمن المجذوب التي يتناقلها المغاربة ، ومعظمها منحول ومحرف ومحين ليطابق اللسان المصري او التونسي
تقول الترجمات المتوفرة عن ابن عروس ، ان اسمه الشيخ أحمد ابن عروس الهواري كان في بداية أمره قاطع طريق، وتبدل الى الزهد والتصوف ، ولاقت اشعاره العامية شهرة عالية في مصر وفي تونس على حد سواء. وقبيلة هوارة قبيلة عربية تستوطن صعيد مصر وتوجد لها امتدادات وفخدات وعشائر متلاحمة انتشرت في السودان وتونس والجزائر والمغرب حيث استقرت ببسيط سوس
ويرجح الياحثون أنهما شخصيتان مختلفتان ، وأن ابن عروس لقب أطلق على المصري المتأخر تشبيها له بابن عروس التونسي (ت 868هـ) ، ويقال أنه ولد في بعض قرى قوص المصرية ، في أوائل القرن الثاني عشر الهجري ، وكان (كما ذكر الأستاذ أحمد رشدي صالح في كتابه: الأدب الشعبي ص119) في بداية أمره قاطع طريق يتعيش بالسلب والسطو على أموال الناس، ويقال أنه بقي أكثر من ثلاثين سنة خارجا على القانون في صعيد مصر، ويذيع اسمه كلص خطير فتأتيه الهدايا من سائر البلاد استرضاء له واتقاء لشره) ولما ناهز الستين أقلع عما كان فيه ، وخرج عن كل ماله وظل هائما على وجهه في البلاد ناسكا متصوفا إلى أن صار واحدا من أقطاب التصوف، ويعرف أتباعه اليوم في مصر بأولاد عروس، وينشدون أشعاره في المناسبات الدينية على غرار أولاد أبي الغيط "تحريف أبي الغيث" الذين يماثلونهم في أسلوب الإنشاد والرقص على ضربات الدفوف وما يرونه أيضا من توبة شيخهم أبي الغيث بن جميل الملقب بشمس الشموس وكان في بداية أمره يقطع الطريق في اليمن.
ويذهب بعض الباحثين إلى أنه في الحقيقة لا وجود لشخصية ابن عروس (المصري) ، وأنه ليس إلا صدى الغموض الذي أحاط أصلا بشخصية ابن عروس التونسي أبي الصرائر (ذي القرنين) أحمد بن عروس الهواري ابن الطرابلسية (مع الاختلاف في نسبته إلى هوارة البربر أو هوارة هاشم "؟" أو هوارة الصعيد عند من يزعم مصريته) ، وكل هذه المشاكل بقيت تراوح في مكانها بالرغم من أن الشيخ عمر بن علي الجزائري وضع في ترجمة أحمد بن عروس التونسي كتابا ضخما يتجاوز الــ (500) صفحة، بعنوان (ابتسام الغروس ووشي الطروس في مناقب قطب الأقطاب سيدي أحمد بن عروس) وكانت وفاته حسب اجتهاد الشيخ عبد الكريم البرموني يوم 8/ صفر/ 868هـ) بعدما بلغ من العمر (115) سنة. وإليه في أحد القولين تنسب الطريقة العروسية المنتشرة في مصر وأنحاء تونس، وسبب ذلك أن خليفته المعروف بأبي تليس القيرواني ترك تونس إلى مصر وكان يقيم الحضرة العروسية في الأزهر، وكانت مربعات ابن عروس تنشد في تلك الحضرة بمرافقة البنادير ، وعند ارتفاع الدقات يقوم المنشدون برقصات توقيعية خفيفة الحركة. ويقال أن أشعار ابن عروس بلغت مجموعتها ثلاثمائة مجلدة، ولكن صاحب تونس في ذلك الزمان استفتى فيها شيوخ الإسلام فأفتوا بحرقها لكن النار كانت بردا وسلاما عليها فأمر أن توضع في سفينة وتلقى في عرض البحر، فلما ألقوها خرجت سمكة كبيرة بحجم جبل أحد وابتلعت الكتب ومكثت تلك الكتب في جوفها سبع سنين، فلما ماتت ألقاها الموج إلى ساحل الإسكندرية في ظلام الليل، فكان لها نور عظيم كوميض البرق، وحين جاء الناس وشاهدوها اتفقوا على اقتسامها، وعندما شقوا بطنها ووجدوا الكتب فيها شاع الخبر إلى أن بلغ تونس فسارع حاكمها لشراء الكتب من حاكم الإسكندرية، وبذل في سبيلها ذهبا وفيرا. وانتشرت فيما بعد في تونس وأطلق عليها اسم (العروبي) وهي ضرب من ضروب الغناء الصوفي
ويرى بعض الباحثين أن معظم مربعات ابن عروس (المصري) من شعر تلاميذه المصريين ، ومنهم من رأى أن الغالبية العظمى منها يجب أن تنسب إلى كاتبها الأصلي سيدي عبد الرحمن المجذوب
هناك كتاب عن ابن عروس: السيرة/ اللوحات/ النصوص) من تأليف محمود الهندي، وقد قدم للكتاب بقوله: (ابن عروس: لك الصرح الضخم، لم يكن أبدا عمود دخان يتطاير، بل واقع حي متجسد، وشعور فياض متدفق... تحيا أشعاره تعبيرا عن الحرية.. .. هو واحد من الشطار أو العيارين، في سيرته رائحة الفتوة وعبق الأيام الخوالي، تحد واضح لسلطة المماليك، وتمرد لا يني ولا يلين: إنه البوح عما يجيش في صدور البسطاء. انخلع قلبه ليرتاد الطريق الصوفي، فتبنت أشعاره القيم السائدة، ليس ردة سلفية وإنما ترسيخ لقيم جوهرية... أصغي دوما لحكمته، وأُبحِرُ معه إلى حيث ما بعد البعد... هكذا جبلتُ ... بدأت قصتي معه عام 1970م إذ قمت وقتها بتصوير وتحقيق مخطوط ديوان (ابن عروس) الذي لا يتجاوز الثلاثين صفحة..)

ويرى الهندي (أن شخصية ابن عروس تتشابه وشخصية النفري، إذ يلف الغموض حياتهما، وكلا الشخصيتين مغمور التعريف على المستوى الإنساني موفور التعريف على المستوى الإبداعي ) قال: ( لقد عاشت مربعاته بين ظهرانينا أزمنة طوال، نرددها ونتمثلها، ننصاع لنصيحتها باعتبارها عرفا من الأعراف؟ حتى وإن اختلفنا معه في بعض وجهات النظر، ونحن إذا تأملنا خارطة الأدب الشعبي لوجدنا أنه لم يظهر بمصر منذ ألف سنة شاعر في حجم ابن عروس من حيث تأثيره على السواد الأعظم من أبناء الأمة)

من هو ابن عروس؟ ما حقيقة شخصيته؟، وهل هناك ابن عروس واحد ام اثنان ؟
لماذا تتعالق جل اشعارهما او مربعاتهما ذات اللكنة المصرية والتونسية الى حد بعيد مع رباعيات سيدي عبد الرحمن المجذوب المغربية الأصلية

مختارات من مربعات ابن عروس من الشعر الشعبي

أنا باوَحِّد اللي خلق الناس
خلق مسلمين ونصارى
وناس نامت على فَرش وِكْناس
وناس ع المعايش حيارى

طبيب الجرايح قوم اِلحق
وهات لي الدوا اللي يوافق
فيه ناس كتير بتعرف الحق
ولاجل الضرورة توافق

فَرَطت قِلعِي ما جانيش ريح
وعاودت ع البَر ناوي
ياما ناس زيِّنا مجاريح
لكين صابرة ع البلاوي

سكت الهَوى والناموس طار
والسبع طاطا بعينه
خليه دا النومِ أستار *
لما الكلب ياخد يومينه

شوف الزمان انتهت عَدَليه
وادي البُطْل ع الحق راكِب
جه السبع يُطلُب عدليه
لَقَي الهِلف ع التخت راكب

يا قلبي إوعى تعاشر الدُون
ولا تكلِّمُه بالاشتراحة
تكلمه الكلامِ موزون
تلقاه يرد بقباحة

جاني طبيبي مع العصر
وف إيده ماسك عصاية
اتاري طبيبي قليل أصل
من خصمي جابلي الوصاية

كلام الغَرَابا حِمِلناه
فات علينا كما ريح هاوي
كلام القرابا إخ منَّاه
وياجي فوق فرش الكلاوي

إوعى تقول للندل يا عم
ولوكان على السرج راكب
ولا حد خالي من الهم
حتى قلوع المراكب

ولابد من يوم محتوم
تترد فيه المظالم
أبيض على كل مظلوم
أسوَد على كل ظالم

غربي بلدنا بلد سيح
وادي الهِلف ماشي ورانا
مش عيب كراسي التماسيح
تقعد عليها "الوِرانا"؟*

خشب المراكب من السنط
في البحر ياخد مهاجه
واجب ع الحر يلزم الصمت
لَمَا الهِلف ياخد مهاجه


* أستار: ستائر
* الورانا: جمع "ورل" – حيوان صحراوي يشبه التمساح



نقوس المهدي
  • Like
التفاعلات: أريج محمد أحمد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى