علي حزين - الشحاذة.. قصة قصيرة

ألقيت بنفسي من نافذة القطار .. تكومت فوق الركاب .. ركلتني بعض الأقدام .. أخيراً استطعت أن أتخلص من الزحام ...
ـــ " أف "...
وضعت
حقيبتي فوق أحد الرفوف .. جلست أمام غادة حسناء .." فمها مرسوم كالعنقود .. ضحكتها أنعام وورود .. والشعر الغجري المجنون .. يعبث به الهواء " غمزت زميلتها التي لاحظت اهتمامي بها.. فابتسمت , وهي تلقي كلمة في أذنها.. استرخيت علي مقعدي عبأت رئتي من الهواء الطلق .. تجاهلتهما تماماً .. العطر ممزوج برائحة العرق .. بينما هي راحت .. تسترسل عن الغسيل .. والقرط الذهبي الذي اشترته لها أمها .. وعن شغل البيت الذي هدها .. والقطار يطوي المسافات طي .. يقترب الكمسري بزيه المميز .. يطرق علي دفتره بالقلم .

ــ تذاكر .. يا حاضرات ...؟!

فكت كيس نقودها .. سكبته في يده المرتعشة .. لملمت طرف ملاءتها السوداء التي تنم عن هويتها .. " شحاذة ".. لا بأس فلتكن ما تكون .. يزمجر القطار .. يقترب من محطة " صدفا ".. قطعان من الطلبة يعتركون على المقاعد .. عسكري يتخطى الرقاب .. وبرفقته أمراة شابة ــ اعرفها جيداً ــ يجلسها بجواري ثم ينصرف .. والقطار ينساب كالشبح , بين المزارع , والنخيل المرصوص , والمستوطنات الريفية ذات الطراز المميز .. أشعلت سيجارة أخيرة كانت في جيبي .. ألحظها تهمس في أذن صديقتها وهى تضحك .. أسمعها

ــ لو أن لنا شقه ها هنا ............؟

لكن صديقتها حذرتها من كثرة الأحلام .. ونصحتها أن تنتبه حتى لا تنزلق قدمها تحت عجلات القطار .. تشيح بيدها البيضاء الملتفة في الهواء .. ضاحكة بملء فمها .. وهي تقول

ــ " يا أختي خلينا نحلم شويا ".. تتنحنح

المرأة السمراء تتململ .. تضع رأسها في يدها .. ترفع رأسها ببطء .. اتجاه حقيبتي تضع ساقا علي ساق , ثم تلقى بصرها نحو عيدان الذرة الخضراء الطويلة , وأنا لا أزال جالسا في وجوم , مكتوف الأيدي .. وكأني (أبو الهول الثاني ).. والقطار يتهادى , يترنح وهو يقترب من محطة " طهطا " أهبط من سلم القطار .. أسير علي الرصيف .. وأنا أحمل حقيبتي , وعيناي المرتبة تحتضن .. مباني البلد الطيب .. و ...
*****
على السيد محمد حزين ــ طهطا ــ سوهاج ــ مصر
من مجموعتي الاولى " دخان الشتاء "

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى