وفاء مليح - جوع بـارد

جالت عيناه في زوايا الشارع. كان الطقس دافئا مستكينا. يبحث عنها بين صفوف القادمين, لم يتبين وجهها من بين الوجوه القادمة, نظر إلى الساعة في معصمه:
- هذا هو وقتها.
انتظر قليلا ربما تمر أمام دكانه كما هي عادتها كل صباح, تلقي التحية عليه ملتفة في جلبابها ذي الثوب المهترئ ورأسها المشدود بمنديل كحلي لا يترك لخملات شعرها حرية التنفس. دلته قريحته بعد طول انتظار إلى كتابة رسالة, بعث بصبية وضع في يدها ورقة صغيرة مكتوب عليها,أنتظرك بشوق, لفها وناولها للطفلة قائلا لها:
- خذي هذه الورقة وسلميها لجارتنا أمينة, لا تسلميها لأحد غيرها !
ضغط على يد الصبية وعيناه تكاد تخرج من محجريهما, يؤكد على أن لا تسلم الورقة إلا لأمينة وإلا عاقبها.
منح لنفسه مهلة ينتظر الرد, أشغل نفسه في التحدث مع الزبائن كلما وجد في زبون منهم استعدادا للحديث, انهمك في جدله وثرثرته الفضفاضة الفارغة, لحظات بزغت الطفلة أمامه وفي يدها ورقة هشة ملفوفة سلمتها له ثم قالت:
- هذي من عند أمينة !
أخذ الورقة منها وبسطها أمام عينيه, تفحص الكلمات بلهفة, موعدنا فوق سطح الدار. تولد في أعماقه ذلك الفرح الطفولي, أغلق باب دكانه, توجه إلى بيته يسرع الخطى ويدندن في سره بكلمات أغنية يحبها, ما إن فتح باب البيت حتى ظهرت زوجته بقامتها الطويلة واقفة وسط فناء الدار تنتظر قدومه. صرخت فيه قائلة:
- عد من حيث أتيت فوجودك مثل عدمه !
تسمر في مكانه, تمتم بكلمات مبهمة بصوت منخفض لكي لا يصل إلى زوجته.
تسلل كقط أجرد إلى المطبخ يبحث عن بقايا طعامه اليومي, رمقته زوجته بنظرة ازدراء ودخلت غرفة النوم, لطمت الباب خلفها بقوة. تسلل مرة أخرى إلى الخارج, تجره خطاه إلى سطح بيت أمينة, رافقه ذلك الفرح الذي انبثق حين علم بالموعد.
انعرج على باب السطح بعد أن تأكد بأن لا أحد يراه. افترشت أمينة لحافا وهي نصف عارية تنتظر قدوم صاحبها. أسدلت شعرها على كتفيها وأخذت تنظر إلى قوامها تهمس في نفسها:
- يقولون عني عانسا, فاتني قطار الزواج, ألا يحق لهذا الجسد أن ينتعش ويسكت صراخه ويمزق الحبائل الرثة التي لفني بها الآخرون.
تسارعت نبضات قلبه حين رآها جسدا عائما في بركة من الافتتان. تساءل في نفسه:
- كيف لهذا الوجه الذميم أن يكون صاحب هذا الجسد الفاتن ؟!
خلع ثيابه عنه. ثم أخذ يعتصر جسدها بدون أن يتلفظ بكلمة وبدون مداعبات. يتصبب جسده عرقا عندما يلامس جسده جسدها الذي يهب نفسه دون أن يتأوه وفي غفلة من زمن الفعل دفع بها بعيدا. تقلصت على ذاتها في ركن. جلس هنيهة يلتقط أنفاسه, اعتراه ارتخاء وشف الفضاء أمامه. ارتدى ثيابه وأسرع في خطوه قاصدا الدرج العريض ليقوده إلى الأسفل وجملة تثقب جدار رأسه, ترددها زوجته كلما اختليا في مخدعهما:
- أنت رجل عاجز, لا أشعر معك بأني امرأة كاملة الأنوثة !!
هزته رعشة قوية تسربت إلى كل خلايا جسده وتوزعت سخونة العرق كل مساماته, فالتبست عليه الأمور, ردد في نفسه:
- أية لعنة هذه لحقت بي ؟!
افترشت أمينة اللحاف مرة أخرى, تذيب مشانق التشظي, تبحث عن اللذة التي لم تصلها مع البائع وتضاجع نفسها, تترك أصبعها يغوص في بحيرتها الدافئة. يثير وخزا شهيا, تتحسس حلمتي ثدييها, تتأوه، حينها تشعر بالنشوة تغمر حنايا جسدها, في عينيها برق وهج جميل، تصغي إلى ذبذبات متعتها الداخلية, تعانق الأفق بابتسامتها, نظراتها تائهة وشيء داخلها يحرك صفو لذتها. تملكها فجأة شعور بالجوع, جوع بارد يسري في جسدها, أسرعت في ارتداء ثيابها تغالب إحساسها المفاجئ هذا وفي لحظة سهو رفعت عينيها الشبه غافيتين إلى الجدار المقابل لها, شهقت حين رأت جسدها عاريا معلقا على الجدار وقطرات عرق باردة تنز من مسامات جلدها.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى