ناصر المنجي - الذي كان يسافر بعيدا.. قصة قصيرة

نحلم بالسفر ونام في قبضة أيدينا
جورج شحادة




تحضن جذع النخلة ناضرا للأسفل حيث تتقزم القرية في عينيك مع كل صعود للأعلى ، تستوي على عرش من زور النخلة وتنظر لأهل القرية وهم ينمسخون إلى أقزام صغيرة ، تنفرج شفتاك كجرح صغير شارعا في الضحك على الأقزام ، تمسك بشماريخ فحل النخلة متشمما الدخ الذي تعشق رائحته وتقهقه وأنت تراقب الأقزام دون أن يحسوا .


من فحل باسق في الريح إلى نخلة أعلى تهز جذعها فيتساقط الدخ على رؤوس من في الأسفل ، تزوج الفحل للنخلة متلذذا بهذ الوصال وإبتعادك عن القرية ، أبوك بعصاه الطويلة يخطر تحتك يتبعه سيخ القرية بخنجرة ورجال بعمائم كأنها تخفي جرحا ما ، تذري عليهم الدخ مع بصاق خفيف ، تتلذذ بالعلو وتباركه .


تنزل من النخلة لتكبر عليك القرية ، تصعد لنخلة أخرى حاملا الشماريخ ، يظهر الأقزام وتضحك مرة أخرى وأنت تراقبهم ، تبدو كملاك صغير أجنحته زور النخلة ، لا تراك النسوة وهن يخطفن تحت النخلة ، تذري عليهن الدخ وتضحك ، النساء لا يحببنك ، يتقززن منك ويوصمنك بالشيطنة ، وكنت تصعد للنخلة لتحولهن لأقزام صغيرة ، تنتقي النخلة الأعلى لضحكة أعلى .


تصطدم عيناك بأبيك ، يعطيك شماريخ جديدة ، تتذكر عصاه وهي تعانق ظهرك العام الفائت عندما حاولت أن تصعد لأعلى نخلة في القرية ، هو الوحيد فقط من ينبتها ، قال لك بأن عمرك ثلاثة عشر عاما ولا تستطيع صعودها ، تصعد لنخلة أخرى ، تضحك ، ترى طائرا يرفرف في الأعلى وتحاول أن تسمع ضحكاته .


تبقت لديك عدة شماريخ ، وترى تلك النخلة الباسقة وهي تعانق السماء وتصعد إليها الآن وكأنك روح أنسلت من جسد القرية ، وهناك بدت القرية قبضة كف في السيح الأفيح والرجال ديدان تنبش الشوارع ، تشرع في الضحك كثيرا ، النخيل بزورها التي تؤرجها الريح بدت وكأنها تتأهب للسفر بعيدا ، وفلول السحاب حزمت أمطارها ورحلت .


تشرع في النظر من أعلى النخلة أكثر ، ثمة فتيات يدخلن غرفة جانب ساقية الفلج ، يسكعن فيه عاريات ، تستيقظ أفعى صغيرة من وسط جسدك ، الفتيات يتراشقن بالماء ، تسقط بضعة شماريخ من يدك وأنت تنفث ماء من صلبك وترائبك ، السماء تسقط عليك والأرض تتزلزل ، القرية تصعد إليك ، تسقط الشماريخ والدخ ينتشر من حولك ، تتحسس ماء أفعاك والأفعى ترتعش ، تتشمم الماء .. دخ ..دخ .. دخ ، له رائحة الدخ ، تسكبه من يدك وأنت ترى أباك وعصاه ينظران إليك قبل أن . .

ت

ت

س

ا

ق

ط في سفر أخير .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى