عبد القادر وساط - أنطونان آرطو والطبيبة الحسناء

مساء يوم الخميس ٢٢ دجنبر ١٩٣٧، كان أنطونان آرطو يطل من نافذته، بالغرفة رقم ٥، بمستشفى"ڤيل إڤرار" للأمراض العقلية، فرأى الطبيبة الحسناء،الدكتورة "بيرينيس"، بقميصها الشفاف وتنورتها القصيرة، وهي تروض ثلاثة أسُود في حديقة المستشفى.
كان أنطونان آرطو يعرف جيدا أن تلك الطبيبة قد اشتغلت عارضة أزياء، في بداية حياتها المهنية، ثم أصبحت ممثلة سينمائية قبل أن تصير طبيبة مختصة في الأمراض العقلية. وهو يذكر جيدا أنها هي التي لعبت دور "ناتاليا"، زوجة بوشكين، في الفيلم الشهير "المبارزة". وكان يعرف أن لها أختا غير شقيقة، تسمى "كاناندا"، تعيش في منطقة آرصيا، قرب جبال "أولمبوس مونس"، بكوكب المريخ، حيث تشتغل باحثة في علوم الفضاء.
كانت الأختان تتشابهان مثل قطرتي ماء، وكثيرا ما تتبادلان الأدوار، فتصعد بيرينيس إلى جبال "أولومبوس مونس" للعمل كباحثة فضائية وتهبط كاناندا إلى مستشفى "ڤيل إڤرارْ"،حيث تتحول إلى طبيبة، دون أن يفطن أحد لذلك التبادل.
حوالي الساعة الخامسة مساء، أشارت الدكتورة بيرينيس للأسُود الثلاثة بالعودة إلى أقفاصها، فامتثلتْ لأمرها في الحين. إثر ذلك شرعت الطبيبة الحسناء تتفقد نزلاء المستشفى في غرفهم الموصدة. وعندما دخلت الغرفة رقم 5، رفقة أربعة ممرضين أشداء، توجه أنطونان آرطو نحوها مغتاظا وصاح في وجهها قائلا:
ـــــأيتها المرأة الشريرة، إن مستشفى " ڤيل إڤرارْ" قد صدّ عدة هجومات مسلحة في ما مضى. لكنه لن يستطيع صَدَّ الهجوم القادم. وستلقين حتفك خلاله!
اقترب الممرضون الأربعة وأمسكوه بإحكام. لكنه واصل تهديده للطبيبة:
ــــــ أيتها الروح الغامضة، التي تسكنني منذ الأزل، بعد أيام سيعود الموتى وهم في صحة جيدة، وسوف يذيقونك ألوانا من العذاب.
إثر ذلك شرع يخاطب الممرضين الذين كانوا يمنعونه تماما من الحركة:
ـــــ أنتم لستم ممرضين ! أنتم جبناء هاربون من ساحة الحرب. وأنا لست أنطونان آرطو. أنا رجل إرلندي المولد، وقد نُسبَتْ إلي عن طريق الخطأ أوراق بهذا الاسم. والحق أنني لم أكن أحمل ــــــ ليلة اعتقلتني الشرطة وجاءت بي إلى هذا المكان ـــــ سوى علامة واحدة: سيف صغير، داخل غمد جلدي أحمر.
وبعد أن بلع ريقه بصعوبة عاد يخاطب الدكتورة بيرينيس قائلا:
ـــــ هل تعلمين؟ لقد حدث أمر خارق ليلة اعتقالي، إذ استدار عبّاد الشمس باتجاه نجمة القطب.
كان أنطونان آرطو يبذل في تلك الأثناء جهدا كبيرا كي يتخلص من الممرضين، الذين يمسكونه بأذرعهم القوية. ولما لاحظت الطبيبة ذلك أمرتهم بإشارة من يدها أن يحملوه إلى غرفة العزل.
هكذا وجد نفسه في غرفة ضيقة بلا نوافذ وبلا إضاءة.
ولما أصاخ السمع، تناهى إليه صهيل خيول، فأدرك أن الفرسان قادمون لإطلاق سراحه وللقبض على الطبيبة الشريرة.
كان متأكدا من ذلك. مثلما كان متأكدا من سقوط ثلوج غزيرة، في تلك اللحظة، على جبال "أولومبوس مونس"، حيث كانت كاناندا تركض عارية تماما، وقد انعكس على جسدها لمعان الكوكب الأحمر.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى