حميد نعمة عبد - عين على الورق.. قصة قصبرة

لم يظن أن تثار كل تلك الغوغاء في رأسه الصغير المحايد. ولا هذا الوجيب الطاريء، الذي غزى قلبه واهتز له صدره ..فمنذ أيام كان يستلقي على فراشه مطمئنا ،يحرك جسده برخاوة تامة ، يخرج إلى حديقته الصغيرة ، يرش الماء على شجيراته.،ثم يغسل قدميه، ويعود ليلقي جسده في اي مكان..ليس هناك ثمة شيء يسترعي انتباهه ،او يدفعه إلى الغوص في التامل ،غير أنه منذ ثلاثة أيام ،بدا يشعر وكان هناك نقطة ما لا يعرف لها موضعا ، تشده ثم ترتسم أمامه..وتتسع حتى تتضح معالمها، فتبدو على شكل عين كحلاء نرجسية . يعلوها حاجب دقيق يمتدكهلال غير متجانس الأطراف. فالطرف الواسع منه ينفتح على ما يشبه النهر المتهادي، والذي يتصل في ضفته الأخرى هلال آخر يناضر الاول تماما …اما الطرف الدقيق فيرتفع برفق ثم يستدق تماما كذبالة سيف . تنبسط تحته ما يشبه الانحناءة المغرية ، لترتفع فوقها اهداب كجناحي فراشة ينفتحان ويغلقان ، يتبعهما ذلك الوجيب المتعالي لقلبه.
ترى لمن تلك العين ؟ ولماذا يحدث له كل هذا التدهور ..؟
دخن سيجارة ، واحرق ثانية ،وراح يتأمل دوائر الدخان التي ترسم أمامه تلك العين …بل عشرات العيون المتشابهة، وكأنها قد نسخت ووزعت في كل زاوية . عيون وحواجب وغابات من الاهداب تحيط به وهو لا يملك إلا الاستسلام والتصديق والانبهار ..
عاد برأسه إلى الفترة المسالمة ، التي كان يعيشها .قبل ان تغزوه تلك العين الخارقة، وظل رلسه يدور ويبحث في اصل تلك العيون . تذكر أنه لم ير إلا عينا واحدة، وقد رسمت بقلم الرصاص …لمن هي، وكيف برسم أصم على ورقة بيضاء ان يعبث به، ويبعث تلك العاصفة من الأفكار والحيرة والشجون…؟
من اين للورق بتلك الاشعة المحببة الساحرة ؟
وكيف للقلم ان يخلق من الخطوط الدقيقة تلك الهالة من الاشعة المحفزة والعابثة .
مرت على رأسه كثير من العيون او انه بدا يتصفح ما مر به منها .الا انه لم يستطع أن ينسب تلك العين لأي مخلوق. .فما سر هذا الإنجذاب الطاغي لتلك التفاصيل الدقيقة ؟
عين واشعة ساحرة وحاجب واهداب ..فرك عينيه بقوة وهز رأسه بعنف ،لم يجد أمامه إلا صمتا مهيبا ، وخدرا يكاد يشل أطرافه. واشعة حمراء تتسلل من خلف اجفانه…..


د. حميد نعمة عبد

* نقلا عن:

د. حميد نعمة عبد : عين على الورق
  • Like
التفاعلات: ماماس أمرير

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى