نزار حسين راشد - التنزه وحيداً.. قصة قصيرة

ْهذا الصباح خرجتُ للتنزّه على شاطيء البحيرة،تلألأت الأضواء المنعكسة على سطحها في عيني،وكأنّها تومض لي بابتسامة،بدا كُلُّ شيء مبتهجاً والأمواج الخفيفة تتواثب في مرح،وحتى النساء القليلات اللاتي خرجن مبكّرات للنزهة،كانت شهيتهن مفتوحة للثرثرة،مما يعني أن كل شيء مرّ بسلام في الليلة الفائتة،ولم يكسر عاشقٌ قلب امرأة.

وكنتِ كالعادة حاضرةً برفقتي،كان العالم منسجماً وجميلاً،وبدا كل سؤال زائداً عن الحاجة.

ملامحك هي هي، لا تتغيّرُ أبداً ،بتقطيبتك المفكِرة،ووجهك القديسي الأبيض باستطالته الجميلة،والمسحة الشاردة التي تغريني بتأمله طويلاً،فأؤجل النظر في عينيك،إلى حين أن لا يحملني صبري،فأرفع عيني المتشوفتين وأصبهما في خضرة عينيك، فتتملكني تلك الرعشة الغامرة،كهجمة مدٍّ مفاجيء!

أحبك،قلتها آلاف المرات بآلاف الطرق،لأتيقن أنك تعرفين،ولم يكن هناك داعٍ في الحقيقة،فقد عرفتِ ذلك بقلب المرأة،وقرأتِها في كل تودداتي السخيّة التي لا توفر سبيلا في التقرب إليك،حتى الإلتصاق والمكوث الطويل،والرغبة في تأجيل النهايات.

ورغم ذلك فلم يكن هناك أمل،كان نوماً طويلاً على الأعتاب،أو الطّرْق على بابٍ مغلق،كل الطرق المسدودة التي تؤجج الحُبّ بدل أن تقتله،في مفارقةٍ تستعصي على التفسير.

لقد أدمنتُ ضياعي،ولم أرغب في الخروج من ذلك التيه.

وها أنذا الآن أنتظر أن تفتتح المقاهي أبوابها،لأسند قلمي إلى سطح طاولة وأكتب لك شيئاً.

لم أعد أفرّق بين الوهم والحقيقة،فها أنت معي دائماً في حلي وترحالي،بغض النظر أين تكونين في صورة اللحم والدم،فاللحم والدم وجود مختصر،أما الوجود العاشق،فوجود مطلق،خارج حدود الزمان والمكان!

رُبّما تظنينني مجنوناً !

لا،فأنت أعقل من أن تغرّكٍ الظنون،وربما لو كنتٍ أكثر تهوراً وأقل حكمة،لسرّني ذلك كثيراً،فلا عذر أفضل من الجنون كذريعة،نجترح بلا تورُّعٍ تحت ستارها كل حماقاتنا!

ولكنك بدلاً من ذلك تمدّين لي أسباب الطمأنينة،التي تردعني عن أي جنون يمكن أن أرتكبه! تكفي نظرة عتاب في عينيك،أو إشارة تحذير،فنحن نتخاطب بتلك الشيفرة تحت أنظار العالم!

أُحسُّ أنّك الآن وفي هذه اللحظة،قد ألقيت قيودك جانباً،وأصبحت حُرّة أكثر من أي وقت مضى،وهذا ما تفعلينه دائماً،في لحظاتٍ مفاجِئة، حين تضيقين فجأة بحصار العالم، فتوقظين دهشتي باستهتارك العابر،نعم لديك الجرأة لتفعلي ذلك أحياناً وتسقطي إسار العقل،على شاطيء بحيرة المعرفة!

تعالي إذن لنكمل نزهتنا!

نزار حسين راشد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى