عبد القادر وساط - شبيهك أيضا لا يدخن.. قصة قصيرة

كنتُ أسكن وحيدا في بيت جميل بضاحية المدينة.
لكني فوجئت ذات مساء بشخص غريب قد احتل ذلك البيت. وجدتُه واقفا أمام الباب، وحين حاولتُ الدخول منعني بحركة صارمة من يده.
كان يشبهني تمام الشبه، فكأننا توأمان حقيقيان.
حدقتُ فيه جيدا، ولما رأيت القسوة تنبعث من نظراته، قررتُ الانصراف إيثارا للسلامة. هكذا اضطررت لقضاء ليلتي في العراء.
وفي صباح اليوم التالي، ذهبتُ إلى مكتبي فوجدتُ شبيهي قد سبقني إليه واحتل مكاني فيه! وسمعتُ زملائي في العمل ينادونه باسمي فأسقط في يدي وغادرت المكان.
قضيت نهاري متسكعا، وبتُّ ليلي متمددا على كرسي خشبي في حديقة عمومية.
استمررتُ على تلك الحال فترة من الزمن: أقضي النهار في الشارع والليل في الحديقة.
ثم تعبتُ من حياة التشرد، فطلبتُ مقابلة المسؤول الأول عن الأمن بالمدينة.
استقبلني المسؤول في مكتبه الفخم، بعد طول انتظار. حكيت له قصتي من أولها. ولما انتهيت قال لي بهدوء غريب:
- لستَ الوحيد.ثمة ناس كثيرون جدا طردهم أشباه لهم من مساكنهم ووظائفهم.
ثم نظر إلي متفحصا وأضاف:
- والحق أني أنا نفسي لستُ أنا!
نظرتُ إليه باستغراب لكنه واصل حديثه قائلا:
-أنا لا أمزح. أنا أيضا لستُ أنا. أقصد أني لست المسؤول الأول الحقيقي عن الأمن في هذه المدينة.المسؤول الحقيقي صار مشردا مثلك، بعد أن قمتُ باحتلال مكتبه. وبطبيعة الحال، لم يفطن أحد للأمر، لأننا نتشابه مثل قطرتي ماء.
سألته:
- ولمَ تبوح لي بهذا السر؟
أجاب دون تفكير:
- لكي تكف عن إزعاجي في المستقبل!
بقيتُ أنظر إليه بارتباك. أخرجَ علبة سجائره من الدرج. ناولني سيجارة فأفهمته بحركة من يدي أني لا أدخن. قال لي مبتسما:
- إذن فشبيهك أيضا لا يدخن!
أشعل سيجارته ونفث دخانا كثيفا ثم عاد يقول:
- مشكلة الأشباه موجودة في العالم كله. حتى كبار قادة العالم يعانون منها. أم تراك تظن مثلاً أن أوباما هو أوباما؟ كلا وألف كلا! أوباما الحقيقي مشرد هو أيضا، يقضي لياليه في العراء جائعا بائسا. شبيهه هو الذي يمسك زمام الأمور في البيت الأبيض، بعد أن قام بطرده! وقل الشيء نفسه عن بوتين وعن أنجيلا ميركل وعن زعماء آخرين!
بقيتُ أستمع إليه بذهول ثم استأذنته في مغادرة المكتب. نهض ومد لي يده مصافحا وقد ارتسمتْ على وجهه ابتسامة عريضة. كانت هناك خلفه لوحة كبيرة، معلقة على الحائط، كُتبَ عليها بخط جميل:" يَخلق من الشبه أربعين !"



د. عبدالقادر وساط - شبيهك أيضا لا يدخن.. قصة قصيرة

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى