أدب مغربي قديم محمد الحبيب السلامي - ابن عاشر علم مغربي، قرب للتونسيين فقه الإمام ملك

*ابن عاشر في البيت:
جاءني والد وانا في السابعة او الثامنة من عمري بكتاب صغير اوراقه صفراء وخطه واضح وحروفه مضبوطة بالشكل وقال لي :" هذا كتاب " ابن عاشر"، خذه وحافظ عليه واحفظ ما فيه بيتا بيتا، وسوف اكافئك عن كل بيت تحفظه ( بصوردي) ( وهو جزء من عشرين من الفرناس).
كان ذلك قبل الحرب العالمية الثانية وكان " الصوردي في نظري يساوي ثروة ويقضي حاجاتي ويحقق لي مطالبي الصبيانية، فبه اشتري الحلوى او اشتري دوامة او اشتري صفارة وزمارة .
وبدات احفظ ، وكلما وجدت فراغا صرفته في حفظ ابيات من متن " ابن عاشر " عوض صرفه في اللهو واللعب.
حفظت الكثير من المتن وساعدني على حفظه ان عباراته سهلة غير معقدة، لكنني لم اكن افهم الكثير منها الا اذا شرحها لي والدي بعد حصة العرض والاستظهار.
وفي المدرسة حدثت بعض اصدقائي عن الثروةالتي صارت توضع في يدي وتدخل حصالتي كما حدثتهم عن طريقها فوجدت بعض اصدقائي قد انخرطوا في حفظ " متن ابن عاشر" كما انخرطت ووصلهم " الصوردي " من ابائهم تشجيعا كما وصلني.

ابن عاشر في الكتاتيب:
ولما تدرجت في سلم العمر عرفت ان حفظ " متن ابن عاشر " في البيوت وفي الكتاتيب كان ومازال سنة متبعة في اغلب المدن والقرى التونسية ، وأن المؤدب كان يملي على التلميذ اولا آيات من القرآن ليكتبها على اللوح ثم يملي عليه بيتا او بيتين من " متن ابن عاشر" ولما منعتني ظروف الحرب العالمية الثانية من مواصلة التعليم بالمدرسة ادخلني والدي الكتاب وفي ازددت فهما " المتن ابن عاشر" فقد دخل الكتاب" الشيخ حامد بو عتور"، رحمه الله ، فاضاف الى دروس القرآن دروس الفقه واللغة وفي الفقه علمنا " العقائد " و" أحكام الطهارة" و" الصلاة" وربط لنا بين تلاخيصه وما يقوله ابن عاشر فيها ، وأحسست بمتعة الفهم لأبيات كنت احفظها ولا افهمها.
فهما كاملا ووجدت متعة نجدة متن ابن عاشر بالمعلومة ان سئلت عنها ومتعة الاستشهاد بالبيت والأبيات لتأكيد المعلومة وإثباتها.

ابن عاشر في التعليم الزيتوني:
وبعد الحرب العالمية الثانية عدت للمدرسة وقضيت فيها سنة واحدة ثم دخلــــــــت " الفرع الزيتوني بصفاقس" بجذب واغراء من بعض اصداقائي .
في " الفرع الزيتوني" وجدت تلاميذ السنة الاولى يدرسون " متن ابن عاشر " بشرح " ميارة " والمشائخ منه ينطلقون وان كان " ابن خلدون " ينتقد ظاهرة اعتماد المتون في التعليم (1) وكان تلاميذ الفرع من " قابس" و" قبلي " و" مدنييـــــــــن" و" تطاوين" و" قرى الجنوب المختلفة" وكل اولئك حفظوا متن " ابن عاشر" في الكتاب وفي البيت وبه في مسائل الفقه يستشهدون.
كان التعليم في المسجد، والمسجد يؤمه المصلون وقت الصلاة، ولذلك تتوقف الدروس ليصلي المشائخ وتلاميذهم جماعة مع بقية المصلين.
ويوما رفع الآذان لصلاة العصر فخرجت من المسجد الى الميضأة وتوضات وجئت للصلاة فكنت مسبوقا، وقفت في الصف وصليت وتداركت ما فتني ولما سلمت وخرجت من الصلاة وجدت على يميني شيخا كبيرا صديقا من اصدقاء والدي الذي قضى حياته في طلب العلم ، حييته فرد التحية وسالني : هل يكبر الكسبوق تكبيرة الاجرام وتكبيرة اخرى وهو يتابع الامام في أعمال الصلاة ؟ فكرت قليلا وبحثت عن الجواب في " متن ابن عائر " فوجدته فقلت:
واحرم المسبوق فورا ودخل
مع الامام كيفما كان العمل
مكبرا ان ساجدا او راكعا
الغاه لا في جلسة وتابعا.
فقال لي صديق والدي: احسنت. وهو ما استحسن جوابي عن جهل وانما استحسنه عن علم ودراية وحفظ لمتن " ابن عاشر" كما يحفظه كثير من التونسيين.
ومنذ سنوات تحدث واعظ في التلفزة وكان حنفي المذهب فقال: " ان المالكية يرون سجود السهو بعديا ان حصل في الصلاة نقص من السنن او زيادة " فرد عليه احد المشاهدين في مقال صحفي وبين له النقص في المذهب المالكي يجبر بسجدتين قبل السلام وان الزيادة تجبر بسجدتين بعد السلام واستشهد بمتن " ابن عاشر":
فصل لنقص سنة سهوا يسن
قبل السلام سجدتان او سنن
ان اكدت ومن يزد سهوا اتمام
واستدرك القبلي مع قرب السلام
واستدرك البعدي ولو من بعد عام
عن مقتد يحمل هذين الامام

عبارات ابن عاشر في الفتوى:
وعبارة ( واستدرك البعدي ولو من بعد عام) هي عبارات ابن عاشر الكثيرة التي تجدها على الالسنة بيانا واستشهادا وخبرا ان طرحت مسالتها مثل قوله في " العقيدة" ( وجوده له دليل قاطع حاجة كل محدث للصانع). وقوله في " الامامة" ( شرط الامام ذكر مكلف ) يذكر سريعا عند الحديث عن امامة المراة .وقوله في " الصوم " ( وكرهوا دوق كقدر) يقدم جوابا حاصرا عن حكم صوم المرأة اذا ذاقت الطعام يوم الصوم.وقوله في " زكاة المال" ( عشرون دينارا نصاب في الذهب وربع العشر فيهما وجب) يمكن ان يقال :" انه قول يحفظه كثير من التونسيين قديما عن ظهر قلب ، كذلك يحفظون قوله في " الزكاة":
ولا يزكي وقص من النعم
كذاك مادون النصاب وليعم
ولقد امتحنت في صغري المؤدب ( ولم يكن من المتفقهين ) حين سالته عن معنى ( الوقص) الوارد في بيت من " متن ابن عاشر" فاجابني على الفور ( ان الوقص هو صغار الماشية) وكنت احسب ان جوابه صحيح ، فهو المودب العالم في نظري وانا التلميذ الصغير الذي جاء يطلب العلم حتى جلست الى درس الشيخ الفقيه العارف " حامد بوعتور" فسأل عن ( الوقص) كما سألت انا فأجبت بما اجابني به المؤدب فضحك وقال لي:" من اين لك هذا ؟
قلت انه من سيدي المؤدب فلان وكان يقدره ، وحتى لا يسقط في عيني وعيون التلاميذ ونكشف جهله الفقهي اللغوي قال لي انت اخطأت في النقل عن المؤدب فقد قال لك: ان الوقص هو ما بين الفرضين من زكاة الانعام".
ومضى الزمان الذي قد ينسي الا انني لم انس المسألة وقصتها الى اليوم لانني عشتها في صغري والتعلم في الصغر كالنقش على الحجر ... وقد سئلت مرارا: هل على ما بين النصابين في الانعام زكاة؟ فكنت اقول : كما قال " ابن عاشر: ولا يزكي وقص من النعم ".

لماذا حفظ التونسيون متن ابن عاشر؟
" التونسيون" اغلبهم يتمذهبون فقهيا بمذهب الامام مالك وهم حريصون على ان يعرفوا فقهه في العبادات ،" وابن عاشر" جمع في متنه من الفقه احكام العبادات:
الصلاة والصوم والزكاة والحج وان قدم لها بالعقيدة ..
ومتن " ابن عاشر " قدمه صاحبه نظما والنظم يسهل حفظه على الناس كما حفظ كثير منهم " الفية ابن مالك" في النحو والصرف.واذكر ان الاستاذ الحقوقي " الصفاقسي المختار الخراط" نظم التراتيب الادارية في منظومة لحفظها لما تعسر عليه حفظها نثرا وتقدم بها للامتحان في مدرسة الحقوق واجاب بها فتحير السائل وسأله : من اين له بهذا النظم ؟ فقال : هي من تاليفي ونظمي.
المعروف ان طلبة " جامع الزيتونة " كانوا يدرسون " رسالة ابن ابي زيد القيرواني" في فقه العبادات والمعاملات وحاول بعضهم حفظا وعجز اكثرهم لأنها كانت نثرية.
وحفظ " التونسيون " من جيلي وقبل جيلي " متن ابن عاشر " لان عباراته، كما قلت ، سهلة وليست معقدة كعبارة " خليل"، ولأن البيت الواحد الفاظه اغلبها تحمل احكاما فقهية وليس فيها كلمات خارجة عن الفقه الا لغرض البيان والتفسير.
يقول ابن عاشر في " فرائض الوضوء":
فصل فرائض الوضوء سبع وهي
(دلك) و(فور) (نية) في بدئه
ولينو رفع حدث او مفترض
او استباحة لممنوع عرض
و(غسل وجه) (غسله اليدين)
(ومسح رأس) (غسله الرجلين)
والفرض عم مجمع الأذنين
والمرفقين عم والكعبين
خلل اصابع اليدين وشعر
وجه اذا ما تحته الجلد ظهر
ففرائض الوضوء سبعة وقد وضعتها بين قوسين، ولكن تلك الفرائض تحتاج الى زيادة بيان في كيفيتهما وحدودها وافعالها ، وذاك هو الذي قدمه المؤلف فحدد موضوع النية وحدد حدود غسل الوجه واليدين والرجلين بالفاظ قصيرة واضحة خالية من الحشو.الا انه قد يؤخر ويقدم في ترتيب الاحكام لضرورة الشعر ، فحديثه عن فرائض الوضوء-مثلا-كان من النظام فيه ان يقدم النية لكنه اخرها كما ترى في البيت وذلك لضرورة الشعر والتوافق بين القافية في الصدر والعجز.

من هو ابن عاشر؟
هو " ابو محمد عبد الواحد بن احمد بن علي ابن عاشر الأنصاري نسبا، الأندلسي أصلا، الفارسي " منشأ ودارا، عاش ما بين القرنين العاشر والحادي عشر الهجريين.
كان رحمه الله عالما ورعا عابدا مفتيا في علوم شتى قرأ القرآن وحفظه واخذ القراءات السبع والنحو والفقه والحديث عن شيوخ منهم:" ابو العباس احمد الكفيف" " وعبد الله محمد الشريف التلمساني" و" محمد القصار القيسي: واحمد بن ابي العافية " الشهير " بابن القاضي" و" محمد الهواري" و" قاسم الغساني" ولما حج اخذ " موطأ مالك " عن الشيخ محمد بن الجنان " وشمائل الترمذي عن " أبي الحسن البطيري" تصدر لتعليم الاصول والفقه والتوقيت والحساب والفرائض والمنطق والبيان والعروض.
الف تاليف عديدة منها:
هذه المنظومة التي سماها: المرشد المعين على الشروري من علوم الدين.
وشرح مورد الظمآن في علم رسم القرآن.
والإعلان بتكميل مورد الضمآن.
من تلاميذه الأوفياء:" الشيخ محمد بن احمد ميارة" الذي شرح المرشد المعين.
وفاته: توفي يوم الخميس ثالث ذي الحجة الحرام من عام أربعين وألف، رحمه الله وتواصل النفع بعلمه وآثاره.(2)

محتوى " متن ابن عاشر":
" متن ابن عاشر" اشتهر على الألسن باسم صاحبه ( ابن عاشر) وان سماه صاحبه " المرشد المعين على الضروري من علوم الدين، ولعل اسم الكتاب الطويل هو الذي جعل قراءته وحفاظه ورواده يتركونه ويتخذون من لقب صاحب الكتاب علما على الكتاب لقصره وسهولة النطق به وندرته.
والمتن كما قلت:" قدم فيه أقسام الحكم الشرعي" ثم أفراد فصلا للعقائد وفيه جادل عقلانيا ثم تحدث عن الطهارة والصلاة والزكاة والصوم والحج وختم كتابه " بكتاب التصوف".
وقد اعتمد في تاليف كتابه على:
1- ابي الحسن الاشعري في العقائد لانه يمثل السنة (كما يقال).
2- الإمام مالك بن انس في الفقه لان مذهبه هو مذهب أهل الديار في المغرب العربي.
3- أبي القاسم بن محمد الجنيد الصوفي البغدادي في التصوف.
وقد قال " ابن عاشر" في ذلك:
في عقد الأشعري وفقه مالك
وفي طريقة الجنيد السالك

من هو الأشعري؟
هو " ابو الحسن بن أبي موسى الأشعري" المولود سنة 873 والمتوفى سنــــــــة 941م." ولد بالبصرة" ثم انتقل إلى " بغداد" وتتلمذ على " الجباتي المعتول" ثم خرج عليه وعلى مذهب المعتزلة لاختلافه معه في مسالة الصلاح والاصلح وايد مذهب اهل السنة واجمل عقيدته في قوله (قولنا الذي نقول به وديانتنا التي ندين بها التمسك بكتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث) واهم ما يتألف من مذهبه هو انه جعل لله ما يليق به دون ان يتحيف من حق الإنسان، وانكر التشبيه ونزه بالذات الإلهية عن كل ما يتعلق بالجسم وبالإنسان وقال:" ان الله قادر على كل شيء وخالق كل شيء وليس للطبيعة عنده فعل ما بخلاف الإنسان الذي يستطيع أن يفعل أفعالا يخلقها الله فيه فينسبها الإنسان الى نفسه ويزعم أنها من كبسه". له من المؤلفات:
الإبانة عن أصول الديانة.
مقالات الإسلاميين.
اللمع.
رسالة في استحسان الخوض في الكلام
رحمه الله ونفع بعلمه.(3)

من هو مالك بن انس؟
هو " ابو عبد الله مالك بن انس بن مالك الاصبحي " ولد في ربيع الانور سنة 83 هـ) " بذي المروة" من ضواحي " المدينة المنورة " ونشأ في اسرة امتازت بانصراف معظم أفرادها الى طلب العلم ورواية الحديث ، فجده " مالك الاصبحي " بعد من اكبر علماء التابعين وتلقى عليه العلم ابناؤه ومنهم " انس " والد" مالك " ونافع" عمه " والنضر" أخوه الأكبر.
حفظ مالك القران في صباه واحكم أداءه على" نافع امام اهل المدينة " في القراءات ثم اقبل على مجالس العلماء وتحمل في سبيل التعلم كل مشقة حتى انه باع متاع بيته ليستمر في الطلب حتى نال من شيوخه الثناء " وعد فقيه الحجاز".
شيوخه:
" ربيعة الراي بن عبد الرحمان"،
و" ابو بكر بن عبد الله بن هرمز"،
و" ابن شهاب الزهري"،
" ونافع مولى عبد الله بن عمر"،
و" جعفر الصادق".
وتلاميذه:
" ابو الحسن علي بن زياد التونسي".
و" اسد بن الفرات القيرواني"،
و" عبد الرحمان بن القاسم المصري".
و"يحيى الليثي الاندلسي"،
و" ابن وهب "،
و" اشهب " وغيرهم.
وفاته :
توفي في ربيع الأول سنة تسع وسبعين ومائة هجرية ودفن " بالبقيع " رحمه الله وتواصل النفع بعلمه.
مؤلفاته:
" الموطأ" : مزج فيه مروياته من احاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وفتاوي الصحابة والتابعين واستنتاجاته وفتاواه الشخصية.(4)

من هو الجنيد؟
هو " ابو القاسم بن محمد الجنيد " المتوفى سنة 910 م صوفي بغدادي تتلمذ على خاله " السري السقطي" واجتمع " بالحارث المحاسبي" وبلغ منزلة رفيعة بين صوفية عصره حتى لقب بسيد الطائفة وطاووس الفقراء وشيخ المشائخ وصارت له طريقة صوفية خاصة تعرف باسم (الجندية).
التصوف عنده ذكر مع اجتماع ووجد مع استماع وعمل مع اتباع .ويرى ان العارفين اخذوا الاعمال عن الله تعالى واليه رجعوا فيها، وان الطرق كلها مسدودة الا على من اقتفى اثر الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
يوثر " الجنيد " الصحو على السكر لانه يرى ان العبد في الصحو يكون مميزا بين الاشياء وعارفا بالالم واللذة ويختار الالم في موافقة الحق(5)
شراح متن ابن عاشر:
اشتهر في "تونس " شرحان:
الاول هو ما يعرف " بشرح ميارة"،
والثاني هو " شرح الشيخ الكافي".

من هو ميارة؟
هو " محمد بن احمد بن محمد ابو عبد الله ميارة "1590 وتوفي سنة 1662م، فقيه مالكي من أهل فاس فهو وشيخه " ابن عاشر" من مدينة واحدة، كان شيخا مدرسا وطلب منه طلبته ان يشرح كتاب " ابن عاشر " ( المرشد المعين) فتردد ثم استخار الله ونفذ الطلب فالف كتاب: ( الدر الثمين في شرح المرشد الميعن) ويعرف " بميارة الكبير" تمييزا عن مختصر له يسمى:" ميارة الصغير"، كما شرح: تحفة الحكام للامام:" ابن عاصم" سما الإتقان والاحكام في شرح تحفة الحكام ) وله من التاليف:
-تنبيه المغتربين على حرمة التفرقة بين المسلمين.
وكتاب تكميل المنهج للزقاق.(6)

من هو الشيخ الكافي؟
هو " محمد بن يوسف بن محمد بن سعد الحيدري الكافي" الفقيه المالكي المتكلم الصوفي.ولد سنة 1278 هـ " بالكاف " وحفظ القران الكريم ثم اشتغل بالتجارة ولما وصل الى " جينياته من اعمال صفاقس" اخذ الطريقة " الخلوتية" من الشيخ " محمد الجبنياتي " ثم شرع في طلب العلم وهو ابن سبع وعشرين فاخذه على الشيخ " الحبيب البكوش " والشيخ" فرج فريسة" وغيرهما ، وقد قرأ " الاجرومية" و" ابن عاشر" و" رسالة ابن ابي زيد" و" الدرة البيضاء" ثم عزم على السفر الى "القاهرة" لمواصلة الطلب " بالازهر " فحدثت له في الطريق احداث ولعبت به ايدي الدساسين وطوفت به سنة كاملة بين "لبنان" و"دمشق " و" فلسطين" الى ان حط عصا الترحال في مصر فأقام بها متعلما عشر سنوات ، واخذ عن شيوخ اجلاء وعاد الى " صفاقس" فاستقبله أهلها بالاحترام والتبجيل وقضى فيها سنوات ينشر العلم بين طلابه وقد اخذ عنه كثيرون ثم ارتحل الى "دمشق" وقضى فيها بقية عمره إلى أن مات سنة 1380هـ رحمه الله ونفع بعلمه.
ترك مؤلفات كثيرة تجاوزت العشرين، منها:
-الاجوبة الكافية عن الاسئلة الشامية.
-احكام الاحكام على تحفة الحكام.
-السيف اليماني المسلول في عنق من طعن في اصحاب الرسول.
-النور المبين على المرشد المعين ( وهو أوجز من شرح ميارة).(7)

لماذا احتاج المتن الى شرح؟
قد يقول لي قائل: أنت ذكرت في بداية مقالك أن تلاميذ الزيتونة كانوا يدرسون متن " ابن عاشر " بشرح ميارة " ، وهذا يعني ان المتن احتاج الى شرح ولا يشرح الكلام السهل الواضح وانما يشرح المجمل والمبهم والغامض فكيف تصفه بسهولة العبارة؟
وقولي على قول القائل: ان الشارحين اللذين قام بهما الشيخان " ميارة " " والكافي لم يكونا مركزين على بيان معاني الكلمات وانما ركزاه على الاحكام الفقهية وما يتفرع في العبادات من مسائل كثيرة.فقد قدم " ابن عاشر" الاحكام في اصولها وترك للشارح والمشائخ بيان احكام ما يمكن ان يتفرع عنها.
خذ لذلك مثالا:" ابن عاشر" قال عن فرائض الوضوء ( وهي دلك..) فماهو الدلك؟
الكل يعرف انه امرار اليد على العضو المغسول عند صب الماء او بعده وهو فرض، ذاك هو الأصل لكن هذا الاصل يتفرع عنه مسائل واسئلة منها: ما حكم من عجز عن الدلك؟ ما حكم من اوكل غيره بالدلك؟ ما حكم من دلك جله برجله لابيده ؟ كهذه المسائل هل التي يتولاها شراح المتن بشروحهم.
وبعد ،
ذاك هو " متن ابن عاشر" الذي حفظناه وفهمناه وحفظ في صدورنا وعقولنا وافعالنا عقيدتنا وفقه العبادات على مذهب " الامام مالك ".. نذكر ه فنذكر فضل صاحبه العالم " عبد الواحد ابن عاشر " فنترحم عليه...
فهل يعرفه اولادنا واحفادنا اليوم؟
لقد تغيرت برامج التعليم وطرق التدريس وذهب عصر المتون التي الفناها وحفظناها وجاء عصر التلاخيص فهل تراها تغرس في الصدور والعقول ما غرسته المتون؟
في الجواب خلاف والله اعلم ..

(1) مقدمة ابن خلدون الفصل الثامن والعشرون في ان كثرة الاختصارات المؤلفة في العلوم مخلة بالتعليم.
(2) " ابن عاشر": شرح ميارة ( الدر الثمين والمورد المعين).
(3) الاشعري: الموسوعة العربية الميسرة.
(4) " مالك بن انس" : كتاب الاجتهاد والتجديد في التشريع الاسلامي ، تاليف لجنة من الاساتذة بتونس.
(5) " الجنيد" الموسوعة العربية الميسرة.
(6) " ميارة": الاعلام ،" خير الدين الزركلي" المجلد السادس.
(7) " الكافي ": تراجم المؤلفين التونسية" ج4 تاليف " محمد محفوظ".



* دعوة الحق - العدد 366 صفر 1423/ أبريل 2002

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى