جلال الدين الرومي - لا رفيقَ سوى العشقِ - ت: محمد عيد إبراهيم

طوالَ النهارِ والليلِ، لحْنٌ،
نَيِّرٌ، هادِئ ٌ
غناءُ مزمار ٍ.
لو خَبا، نَذوِي.



مناخلٌ هيَ الأيامُ كي تُصفّي الروحَ،
تكشِفُ النَجَسَ، وكذا
تُبين النُورَ لثُلةٍ يرمونَ
بهاءَهُم إلى الكوْنِ.



خرجَ جوادٌ من مكان غيرِ معروفٍ
حمَلَنا حيثُ ذُقنا هُنا العشقَ
وحتى لم نعُد نحيا كذلكَ. هذا الطَعمُ،
خمرٌ، نسقيه على الدَّوامِ.



باكرًا، كي أستعدّ،
حَللتُ أربطةَ السّاقِ.
اليومَ، طِيبُكَ. عِرفانٌ
على الرِّيح ينبتُ.



لا رفيقَ سوى العشقِ.
طريقُ، دونَ بدءٍ أو نهاية.
يدعو الرفيقُ هناكَ:
ما الذي يُمهلُكَ حينَ تكونُ الحياةُ مَحفوفةً بالمخاطرِ!



ها هنا رجُلٌ مَهيب
يَعرضُ كأسًا من الخمرةِ، إنّ
تجلّي القُوّةِ
فوقي، كما آملُ، ليسَ لي!



دعِ العاشقَ خزيانَ، أبلهَ،
ذاهلاً. العاقلُ
سوف يبلى الحوادثَ وهي تمضي لأسوأ
فدَعٍ العاشقَ في كونِهِ.



حسبتُ أني حَكَمتُ نفسي،
فتأسّيتُ على زمانٍ قد مضى.
آخذًا في اعتباري، شيئًا وحيدًا أعلَمُه
لستُ أدري مَن أنا.



قراءةُ الأسفارِ تروقُ لكَ آخرَ العُمرِ.
لا تحزنْ لو رأيتَ الصّغار يستبقونكَ.
ولا تعجلْ. هل أنتَ في رَهَقٍ تتجهّزُ للنزوحٍ؟
خلِّ يديْكَ للألحان.



أمْحُ الليلة َ ما هو باقٍ.
رقدْنا في ليلةٍ سالفةٍ نُصيخُ إلى قصّتكَ الوحيدة َ،
إنْ كُنتَ عاشقًا. نرقدُ من حولِكَ،
مصعوقينَ كأننا الموتى.



لا نَرومُ المُدامَ كي نسكَرَ،
لا الآلاتِ وقصفِ الغناءِ حتى ننتهي مجاذيبَ.
لا مُنشدينَ، لا مُرشدينَ، لا شدوَ،
بل نثبُ حول بعضٍ جامحينَ تمامَ الجّموحِ.



لا حُبَّ أفضلَ من حُبٍّ بدون حبيب ٍ،
ليسَ أصلحَ من عَمَل ٍ صالح ٍ دونَ غايةٍ.
لو يُمكنكَ أن تتخلّى عن السّوءِ والحِذقِ فيهِ،
فتلكَ هي الخدعةُ الماكرةُ!



الرفيقُ يهلُّ على جسدِي
باحثًا عن مركزه، حينَ يعجزُ
أن يجدَهُ، يستلُّ نصلاً
نافذًا في أيِّ موقع.



ما لهذا اللّيلِ دونَ تخومٍ يُمكنُه أن يهبَها.
ليسَ ليلاً بل زفافٌ،
زوجان في مخدعٍ يَخفتان على انسجام ٍ بالكلماتِ ذاتِها.
تدلّي العتمةُ سِترًا واضحًا نحو ذلك.



أراكَ تُبرئني.
لا أراكَ، أُحسّ بالجدران مُنطبقة.
فلا أبتغي للسّوى
غيبةً مثل هذي.



ما الذي يجعلكَ حيًّا بدوني؟
كيفَ يُمكنكَ الشكايةَ؟
كيف أنكَ تدري بذاتكَ؟
كيفَ تُبصرُ؟



يختبي عشقي على الدرب حيثُ يسيرُ لصّ العشق ِ
فيَقبض عليه بأسناني من الشَعر ِ
من أنتَ؟ لصُ العشق يستخبرُ؛ بينا كنتُ
أفتحُ فمي لأبوحَ، تفلـَتَ إلى الباديةِ.



غرستُ وردًا، كلنه من دونكَ استخالَ شوكًا.
رقدتُ بيضًا لطاووس. فحَوَى ثعابينَ.
عزفتُ على قيثارةٍ، فَسَدَتِ الألحانُ.
ارتقيتُ إلى السّماء الثامنةِ. فكانت سُفليَّ جُهنّمُ.

..

* (من: “رباعيات مولانا جلال الدين الرومي”، تأويل: محمد عيد إبراهيم- دار الأحمدي للنشر، القاهرة. الطبعة الأولى، مايو 1998. يمكن تنزيل الكتاب بهيئة “بي دي إف” من هنا)

.


Créatures de Dieu
Eugène de Blaas
صورة مفقودة
  • Like
التفاعلات: 4 أشخاص

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى